فاطمةُ الزهراء (عليها السلام) والقيادةُ النموذجيةُ للأسرة(5)

2023/01/28

بقلم: حنان الزيرجاوي
المبحث الأول: طبيعةُ تكوينِ المرأةِ من المنظورِ الإسلامي.
المطلب الاول: نظرةُ الإسلامِ للمرأةِ ككيانٍ جسدي.
لكُلِّ مخلوقٍ دورُه في هذه الحياة بما يُحقِّقُ التناسقَ والنظامَ والانسجام، وهذا من بديعِ خلقِ اللهِ (تعالى)، فلا نجدُ القمرَ يُضيءُ في النهارِ بدلًا عن الشمس، ولا الشمسَ تُشرِقُ ليلًا بدلًا عن القمر، مع قدرته (تعالى) على ذلك.
ومن بين ذلك العالم الإمكاني المخلوقِ الإنسانُ الذي خلقه (سبحانه وتعالى) من ذكرٍ وأنثى؛ فجعلَ لكُلِّ واحدٍ منهما تكوينًا وهيئةً مُختلفة، لتُمكِّنُه من مُمارسةِ دورِه الذي خُلِقَ من أجله، قالَ (تعالى): "أيحسبُ الإنسانُ أنْ يترَكَ سُدى ألم يكُ نطفةً من منيٍ يُمنى ثم كانَ علقةً فخلقَ فسوى فجعلَ منه الزوجينِ الذكر والأنثى أليسَ ذلك بقادرٍ على أنْ يُحيي الموتى"1
فالتشابُهُ بينَ الذكرِ والأُنثى بالصورةِ النوعيةِ وهي الإنسانية، وفي الوقتِ نفسه هناك اختلافٌ كثيرٌ في التكوينِ الجسدي بينَهما، فضلًا عن فروقاتٍ أخرى موجودةٍ أقرّها علماءُ النفسِ والاجتماع، كالأمورِ التي ترتبطُ بالمشاعرِ والعواطفِ وغيرها...
وهذا الاختلافُ ليسَ لنقصٍ في المرأة _كما قد يراهُ بعضُ من لا يعي حقيقةَ الخلقِ وحكمةَ اللهِ (تعالى)، وإنّما لأنّ بتلك الاختلافاتِ كمالَ المخلوقِ الإنساني فتكون الأنثى مُكملةً للذكر، ولو كانا مُتشابهين بكُلِّ الأمورِ ما عدا الجنس لكانَ في ذلك عبيثةٌ لاختلالِ نظامِ العيشِ السعيد، ولكنّ اللهَ (تعالى) حكيمٌ قد خلقَهما بشكلٍ تكامُلي، ونظرَ لهما نظرةَ إنسانٍ واحدٍ ليسير هذا التكامُلُ إلى خلقِ وبناءِ الأسرةِ السعيدة.
إنَّ اللهَ (سبحانه وتعالى) خلقَ ذلك المخلوقَ الرقيقَ (الانثى)، وميّزَها بعاطفتها الكبيرةِ الممزوجةِ بالحنانِ والدفء، ومنحَها بعضَ الخصائصِ الجسديةِ التي تُمكِّنُها من إتمامِ دورِها ورسالتِها في هذه الدُنيا، فلم يمنحْها القوةَ العضليةَ والجسديةَ لتتحمّلَ مشاقَّ العملِ الخارجي وتوفير لقمةِ العيش، ولا يعني ذلك حُرمةَ عملِ المرأة الذي حاولَ إثارته من حاولَ الطعنَ في الإسلامِ ومبادئه، فكانتْ نشأةُ الدعوةِ بالمُساواةِ بينَ الرجلِ والمرأة، وأنَّ الإسلامَ يحرمُ المرأةَ من كثيرٍ من الحقوقِ التي يُبيحها للرجل، وهذا يُعَدُّ ظلمًا وإجحافًا في حقِّها، على حين إنَّ الحقيقةَ أنَّ الإسلامَ لا يُريدُ دفنَ وقولبةَ طاقاتِ المرأةِ وسلبها حرياتها، إنّما أرادَ منها أنْ تؤدّيَ دورَها الذي خُلِقتْ لأجله والذي ينسجمُ مع كيانِها الجسدي الرقيقِ؛ لتكونَ الحاضنَ والمُستقرَّ لبدايةِ تكوينِ الإنسان، فاللهُ (سبحانه وتعالى) خلقَ في جسدِ المرأةِ الرحمَ ليكونَ المكانَ الأولَ لتكوينِ الجنين، قال (تعالى): ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾2
وممّا لا شكَّ فيه أنَّ المرأةَ كانتْ ولا زالتْ عنصرًا من أهمِّ عناصرِ أيّ مُجتمعٍ إنساني، فهي الأُمّ والزوجةُ والأختُ والابنةُ، وهي الرعايةُ والعاطفةُ إذا بحثَ الرجلُ عنهما، وكذلك هي الجِدُّ والصبرُ والتحمُّلُ إذا اقتضتِ الحاجة.
ومع أنّها الأضعفُ جسدًا بحُكمِ تكوينِها الجسدي المُناسبِ لوظائفها الطبيعيةِ في الحياة، فإنّه لم يتهمها أحدٌ بنقصانِ قدراتها العقلية؛ إذا اعتنتْ بها أو اعتنى بها مُربّوها أو وليُّها، فنرى لها سُموًّا وتميُزًا في بعضِ المجالاتِ الفِكريةِ والعلمية، مثلُها مثلُ الرجلِ تمامًا بتمامٍ أو زيادة.
فإذا جئنا إلى الدين، فلربَّ مؤمنةٍ واحدةٍ يوزنُ إيمانُها بألفِ رجلٍ أو يزيد، والقرآنُ والسُنّةُ تملأهما نصوصُ العدلِ والمُساواةِ في الأجرِ والعملِ للمُحسنِ من الجنسين فيما أمره اللهُ به، ومن ذلك قوله (تعالى): ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ﴾3
فالرجالُ مُختلفون عن النساءِ في أمورٍ مُعينةٍ وإنّما يشتركون في الجنسِ البشري، وأولئك الذين يدّعون بأنَّ الرجلَ والمرأةَ مُتساوون في القُدُراتِ والمهاراتِ والسلوكِ فهم يسيرون بالمُجتمعِ إلى تصديقِ كذبةٍ بيولوجيةٍ وعلمية، ويبنون على تلك الكذبةِ أسسَ تهديمِ المُجتمع، فالجنسانِ مُختلفان؛ لأنّ طبيعةَ دماغيهما تختلف عن بعضِها، فالدماغُ هو العضو الذي يضطلعُ بالمهامِّ الإداريةِ والعاطفيةِ في الحياة، قد تمّ تركيبُه بصورةٍ مُختلفةٍ عند كُلٍّ منهما، والذي ينتجُ عنه في النهايةِ اختلافٌ في المفاهيمِ والأولويات والسلوك(4)وهذه الفروقاتُ ليستْ موجودةً في الدينِ الإسلامي فقط، فحتى غير المُسلمين أقرّوا بها؛ ننقلُ بعضَ أقوالِ غیر المسلمین واللادینیین أیضًا.
یؤكِّدُ غالون في كتابه (عبقریةُ الوراثة): (ما دامَ الرجالُ قادرین على التفوّقِ بشكلٍ واضحٍ على النساءِ في كثیرٍ من العلوم، فلا بُدّ أنَّ متوسطَ القوةِ الذھنیةِ عندَ الرجلِ أكبرُ من متوسطِ القوةِ الذھنیةِ لدى النساء).5
وليسَ غالون فقط هو من أقرَّ بهذه الفروقاتِ فهناك غيره الكثيرُ منهم عالمُ الأنثروبولوجیا ماكروجر وكذلك داروين، وهذا إنْ دلَّ على شيءٍ فهو يدلُّ على خداعِ وكذبِ أولئك الذين يتهمون الدينَ الإسلامي بسلبِ حقوقِ المرأة، ويدعونَ إلى بعضِ الحقوقِ التي في حقيقتِها ما هي إلا ظلمٌ لهذا النوعِ الإنساني الذي أبدعَ في خلقِه الباري، وجرتْ حكمتُه أنْ تكونَ بهذا الشكلِ لتُصانَ وتُحفَظَ من عبثِ العابثين، ولكنّ اللاهثين وراءَ الانحرافِ الأخلاقي والتفكُّكِ الأسري كانوا يُريدون تهديمَ الإسلامِ لما وجدوا فيه من قوةٍ كامنةٍ لصناعةِ الإنسانِ الحقيقي، والوصولِ به إلى السعادةِ والكمالِ التي خلقه اللهُ من أجلها.
————————————-
1- القران الكريم ، سورة القيامة ،الايات [ ٣٦- ٤٠].
2- القران الكريم ، سورة المؤمنون ، الآيات [١٢-١١]
3-القران الكريم ، سورة اآل عمران ، الآية [159]
4-ينظر : المرأة واتفاقیة القضاء على جمیع أشكال التمییز ضدھا سیداو( د.محمد محمود الطرایرة )ص49
5- المرأة بین الداروینیة والإلحاد د.جیري بیریغمان.(ص52 )

 

أخترنا لك
عُشُّ الزوجيةِ سكنٌ وسكونٌ

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف