فاطمةُ الزهراء (عليها السلام) والقيادةُ النموذجيةُ للأسرة(3)

2023/01/21



بقلم: حنان الزيرجاوي
زواجُ فَاطِمَة الزهْرَاء (عليها السلام):
يُعَدُّ الزواجُ في الشريعةِ الإسلاميةِ وحتى في الشرائعِ السابقةِ سُنّةً إلهية، ولكُلِّ سُنّةٍ لوازمُ وملزومات، ومن لوازمِ الزواجِ تعيينُ المهر.
وممّا يُذكَرُ في التأريخِ الجاهلي المُغالاةُ في المهورِ حتى كانَ الزواجُ يصعُبُ على الكثيرِ من الرجالِ بسببِ المهورِ الغالية، فجاءتِ الشريعةُ الإسلاميةُ لتُسهِّلَ هذه السُنّةَ على الناس، وليتمكّنوا من إقامةِ مُجتمعٍ تسودُه البساطةُ والتواضُعُ والوئام.
وتذكرُ كُتُبُ السيرةِ أنَّ النبيَّ الأكرمَ وأهلَ بيته (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) كانوا خيرَ مصاديق لتلك السُنَنِ التي تمّ تغييرُها لما فيه من مصلحة الفرد، وقيام المجتمعِ على دعائمَ أسريةٍ صحيحة.
وخيرُ مصداقٍ هو زواجُ الزهراءِ من علي (عليهما السلام)، بعدَ الوفاقِ الذي تمَّ على تزويجها من الإمام علي (عليه السلام)، وتعيينِ النبيِّ (صلى الله عليه وآله) مهرًا قليلًا لكي لا يثقلَ على كاهله.
فكانَ ذلك درسًا للمُجتمعِ الذي كانا فيه، فكما أشرنا في أولِ الكلام بأنَّ العربَ في الجاهلية كانَ أحدُهم لا يُزوِّجُ ابنتَه إلا بمهرٍ عال، ممّا سبّبَ مُشكلةً اجتماعيةً كبيرة، لكنَّ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله) قدّمَ علاجًا ناجعًا لتلك المُشكلةِ التي يواجهها الشبابُ في ذلك الزمان، واستمرَّ حتى زماننا الحالي.
وممّا لا بُدّ من الإشارةِ إليه، هو أنّ زواجَ الزهراءِ من علي (عليهما السلام) كانَ بأمرِ اللهِ (تعالى) ثم موافقةِ الزهراء (عليها السلام)، فقد جاءَ عنه (صلى الله عليه وآله) أنّه قال:
«ما زوّجتُ فاطمةَ من علي، ولكنَّ اللهَ زوجها»1 فليسَ هو إلّا حكمُ الله، وأما بشأنِ المهورِ فقد وردتْ رواياتٌ كثيرةٌ تخصُّ أفضليةَ النساءِ اللواتي مهورهن مُتواضعة، كما جاءَ ذلك علىٰ لسانِ رسولِ الله (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌) حيثُ قال: «أفضلُ نساءِ أُمّتي أصبحهنَّ وجهًا وأقلهنّ مهرًا»2
وممَّا يجبُ الانتباهُ إليه، أنَّ كُلَّ تغييرٍ يأخذُ شيئًا من المُعارضةِ في بادئِ الأمرِ، ومن هُنا وجدنا في كُتُبِ السيرةِ أنَّ هناك مَنْ لم يرُقْ لهم ذلك، ولخشيتهم من أنْ تكونَ سُنّةً في التزويج، فأخذتْ بعضُ النسوةِ تأتي لمولاتِنا فاطمة (عليها السلام) تُحاولُ أنْ تنتقصَ من زوجها على أنّه فقيرٌ رغمَ أنَّ ذلك ليسَ بمذمّة، فالإسلامُ لا ينظرُ إلى الفقرِ على أنّه نقص، وقد رجّح كفّةَ الدينِ والعلمِ والخلقِ، لا سيما في الزواج، فقد رويَ عن الإمامِ الصادق (عليه ‌السلام) عن آبائه: «إنّ رسولَ اللهِ (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله) لمّا زوّجَ فاطمةَ (عليها ‌السلام)، دخلَ النساءُ عليها، فقلن: يا بنتَ رسولِ الله، خطبكِ فلانٌ وفلان، فردّهم عنكِ، وزوّجَكِ فقيرًا لا مالَ له، فلمّا دخلَ عليها أبوها (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله)... فقال: يا فاطمة، إنَّ الله أمرني فأنكحتك أقدمهم سلمًا، وأكثرهم علمًا، وأعظمهم حلمًا، وما زوّجتُكِ إلّا بأمرٍ من السماء، أما علمتِ أنّه أخي في الدُنيا والآخرة»3
ويُفهَمُ ممّا ذُكِرَ أنَّ مسألةَ الزواجِ التي هي مشروعُ تأسيسِ أولِ لبناتِ أيّ مُجتمع، قد أخذَ من الشريعةِ الإسلاميةِ الاهتمامَ البالغ؛ لكونه يصبُّ في مصبِّ تنظيمِ المُجتمعِ فضلًا عن كونه يخلقُ قيادةً نموذجيةً للأسرةِ التي تسيرُ وفقَ السُنَنِ الإلهيةِ وتطبيقِها بالشكلِ الصحيح، وهذا ما حصلَ في زواجِ الزهراء وعلي (عليهما السلام).
فهذا الزواجُ الذي تمَّ بأمرٍ إلهي من خيرِ البشرِ بعدَ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، وابتهجتْ له الملائكةُ في السماءِ والصالحون في الأرض.
هذا وقد رويَ عن جابر بن عبد الله الانصاري، قال: لمّا زوّجَ رسولُ اللهِ (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله) فاطمةَ من علي (عليهما السلام)، أتاه ناسٌ من قريش، فقالوا: إنّك زوّجتَ عليًا بمهرٍ قليل! فقالَ رسولُ اللهِ (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله): "ما أنا زوّجتُ عليًا ولكنَّ اللهَ (تعالى) زوّجَه ليلةَ أسريَ بي إلى السماءِ فصرتُ عندَ سدرةِ المُنتهى، أوحى اللهُ (تعالى) إلى السدرةِ أنِ انثري ما عليك، فنثرتِ الدُرَّ والمرجان، فابتدرَ الحورُ العينُ فالتقطن، فهُنَّ يتهادينه ويتفاخرنَ به ويقُلنَ: هذا من نثارِ فاطمة (عليها السلام) بنت محمد (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله).

فلمّا كانتْ ليلةَ الزفافِ أتى النبيُّ (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله) ببغلته الشهباء، وثنى عليها قطيفة، وقالَ لفاطمة: اركبي، وأمر سلمانًا أنْ يقودها والنبيُّ (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله) يسوقها، فبينما هم في بعضِ الطريقِ إذ سمعَ النبيُّ (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله) جلبة، فإذا هو جبرئيل في سبعين ألفًا من الملائكةِ وميكائيل في سبعين ألفًا، فقالَ النبيُّ (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله): ما أهبطكم إلى الأرض؟ قالوا: جئنا نزفُّ فاطمةَإلى زوجِها عليٍ بن أبي طالب (عليه السلام) فكبّرَ جبرئيلُ وميكائيل، وكبّرتِ الملائكةُ وكبّرَ مُحمّدٌ (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله)، فوقعَ التكبيرُ على العرائسِ من تلك الليلةِ سُنّة.٥
ومن ذلك يُفهَمُ أنَّ القيادةَ لا توصَف بالنموذجيةِ إذا لم تتم التهيئةُ لها من جميعِ الجوانب، فكيفَ إذا كانَ اللهُ (سبحانه وتعالى) هو من أمرَ بذلك، ليفهمَ المُجتمعُ أنَّ القياداتِ النموذجيةَ ليستْ عبثية، أو أنّها تقومُ على أطماعٍ سياسيةٍ أو اقتصاديةٍ أو اجتماعية، إنّما هي من أجلِ خلقِ مُجتمعٍ مُتوازن، ينهضُ بأبنائه خيرَ نهوض..
فكم لدينا ممّن لا يعيرُ لمشروعِ الزواجِ أيَّ أهميةٍ أو تغلبُ عليه بعضُ الصفاتِ القبليةِ لتكونَ هي الآمرَ الناهي في كثيرٍ من الزواجاتِ حتى وصلنا إلى مرحلةٍ بِتنا نقفُ على حافةِ الهاوية، ونحنُ بهذا البحثِ نُحاولُ شدَّ المُجتمعِ إلى السيرةٍ العطرةٍ لفاطمةَ الزهراءِ (عليها السلام)؛ لينظرَ لها الجميعُ على أنّها قيادةٌ نموذجيةٌ من جميعِ الجوانب، عسى أنْ نكونَ ممّن يُشاركُ في إصلاحِ من أفسدَه بعضُ مَن لا يسيرُ بهدي أهلِ البيت (عليهم السلام).
___
1-المناقب / ابن المغازلي : 343 / 395. وأمالي الطوسي : 266 / 464. والفقيه 3 : 253 / 1202.
2-. الكافي 5 : 324 / 4.
3- شرح ابن أبي الحديد 13 : 227.
4-تراجم أعلام النساء / الأعلمي 2 : 313 مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.
5- من مصادر الشيعة: فضائل أمير المؤمنين (ع) لابن عقدة ص 106، الفقيه ج 3 ص 401، الأمالي للطوسي ص257، نوادر المعجزات ص 216، دلائل الإمامة ص 100، مكارم الأخلاق ص 208، الدر النظيم ص 408، الوافي ج 21 ص 457، حلية الأبرار ج 1 ص 186، مدينة المعاجز ج 2 ص 346، بحار الأنوار ج 43 ص 104، رياض الأبرار ج 1 ص 49، العوالم ج 11 ص 445من مصادر العامة محوه: تاريخ مدينة دمشق 42 ص 127، مناقب علي بن أبي طالب (ع) ص 269 

637464405143832435

أخترنا لك
فاطمةُ الزهراء (عليها السلام) والقيادةُ النموذجيةُ للأسرة(5)

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف