فاطمةُ الزهراءُ (عليها السلام) والقيادةُ النموذجيةُ للأسرة(2)

2023/01/20

فاطمةُ الزهراءُ (عليها السلام) والقيادةُ النموذجيةُ للأسرة(2)
بقلم: حنان الزيرجاوي
فَاطِمَةُ الزهْرَاءُ (عليها السلام) عَلَى أعتَابِ الزواج:
تختلفُ الرواياتُ في مقدارِ عمرها (عليها السلام) عندَ الزواج، ولكنّها أجمعتْ على أنّها (عليها السلام) كانتْ تتمتّعُ بالنموِّ الجسمي، بل الكمال الجسماني، وكانتْ تمتازُ منذُ صغرِ سنِّها بالنُضجِ الفكري والرُشدِ العقلي المبكر، وقد وهبَ اللهُ (تعالى) لها العقلَ الكاملَ والذهنَ الوقّاد، والذكاءَ الذي لا يوصَف، ولها أوفرُ نصيبٍ من الحسِّ والجمالِ والملاحةِ خلقةً ووراثة، فمواهبُها كثيرةٌ وفوقَ العادة، وفضائلها الموروثةُ والمُكتسبةُ تمتازُ عن كُلِّ أنثى وعن كُلِّ ابنِ أنثى، فكانتْ في أعلى معاني الكمالِ الإنساني والخلقِ الربّاني.
وأمّا ثقافتُها الدّينيةُ والأدبيةُ فحدِّثْ ولا حرج، وسيتضحُ لك أنّها أعلمُ امرأةٍ وأفضلها في العالم كُلّه. ولم يشهدِ التاريخُ امرأةً حازتِ الثقافةَ والعلمَ والأدبَ بهذا المُستوى، مع العِلمِ أنّها لم تدخلْ في مدرسةٍ ولم تتخرّج في كليةٍ سوى مدرسةِ النبوّةِ وكُلّيةِ الوحيّ والرسالة.
فلا عجبَ إذا خطبَها مشاهيرُ أصحابِ النبي (صلى الله عليه وآله)، وكانَ (صلى الله عليه وآله) يعتذرُ إليهم ويقول: أمرُها إلى ربِّها، إنْ شاءَ أنْ يزوِّجَها زوَّجَها.
قال شعيب بن سعد المصري في (الروض الفائق): (فلمّا استنارتْ في سماءِ الرسالةِ شمسُ جمالها، وتمَّ في أُفُقِ الجلالةِ بدرُ كمالها، امتدّتْ إليها مطالعُ الأفكارِ وتمنّتِ النظرَ إلى حُسنِها أبصارُ الأخيار، وخطبَها ساداتُ المُهاجرين والأنصار، ردَّهم (المخصوص من الله بالرضا) وقال: إنّي أنتظرُ بها القضاء)(1)
وعن أنس بن مالك، قال: جاءَ أبو بكر إلىٰ النبيّ (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله) فقعدَ بينَ يديه، فقال: يا رسولَ الله، قد علمتَ مُناصحتي وقدمي في الإسلامِ وإنّي وإنّي، قال: «وما ذلك؟»، قال: تزوجني فاطمة، فأعرض عنه.
وأتىٰ عمرُ إلىٰ النبي (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله) فقالَ له مثلَ ذلك فأعرضَ عنه.(2)
ليسوا بأكفاءَ لها أو يُفاجئهم بأنّ مُستوى ابنته فوقَ المستويات.
وقد تقدم لخطبة الزهراء (عليها السلام) أبو بكر، وكانَ الردُّ بالرفضِ من قبلِ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله)، ثم بعد ذلك تقدّمَ لخِطبتها عمرُ بن الخطاب وكان الردُّ بالرفضِ أيضًا، وكانَ الرسولُ (صلى الله عليه وآله) يرى أنْ تجريَ الأشياءَ على مجراها الطبيعي.
وكانَ الإمامُ أميرُ المؤمنين (عليه السلام) قد نزلَ في بيتِ سعد بن معاذ (على قول) مُنذُ وصولِه إلى المدينة، فجاءَ إليه سعدٌ بن معاذ وهو في بعضِ بساتينِ المدينة وقال: ما يمنعُك أنْ تخطبَ فاطمةَ من ابنِ عمِّك؟
وفي (منتخب العمال): انطلقَ عمرُ إلى علي (عليه السلام) فقال: ما يمنعك من فاطمة؟ فقال: أخشى أنْ لا يُزوِّجني! قال: فإنْ لم يزوِّجك فمنْ يزوّج؟ وأنتَ أقربُ خلقِ اللهِ إليه...(3)
إنَّ الإمامَ عليًا (عليه السلام) لم يذكرْ فاطمةَ طوال حياته لأيّ أحد، ولم يذكرْ رغبته حياءً من رسولِ الله (صلى الله عليه وآله)، ثم إنَّ ظروفَه الاقتصاديةَ يومذاك كانتْ قاسيةً جدًا، فما كانَ يملكُ من حُطامِ الدُنيا أموالًا، ولا يملكُ في المدينةِ دارًا ولا عقارًا، فكيفَ يتزوّج؟ وأينَ يتزوّج؟ وأين يسكن؟
وليستِ السيدةُ الزهراءُ (عليها السلام) بالمرأةِ التي يُستهانُ بها في زواجها، وتقدّمَ الإمامُ عليٌ (عليه السلام) لخطبتها من والدِها رسولِ الله (صلى الله عليه وآله)، وكانتْ موافقتُها بسكوتها، وتمَّ الوفاقُ على أنْ يكونَ ثمنُ الدرعِ صداقًا لأشرفِ فتاةٍ في العالم، وأفضلِ أنثى في الكون، وهي سيّدةُ نساءِ العالمين، وبنتُ سيّدِ الأنبياءِ والمُرسلين وأشرفِ المخلوقين.
إنّ اللهَ (تعالى) حفظَ لسيدةِ النساءِ كرامتها، فقد زوَّجَ اللهُ فاطمةَ الزهراء (عليها السلام) من علي بن أبي طالب (عليهما السلام) قبلَ أنْ يُزوِّجَها أبوها رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) وليسَ ذلك ببعيد.
ورويَ عنه (صلى الله عليه وآله): "إنّما أنا بشرٌ مثلكم، أتزوّجُ فيكم وأزوِّجكم إلا فاطمة، فإنَّ تزويجَها نزلَ من السماء"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-  الروض الفائق، العلامة الشيخ شعيب أبو مدين، ص ٢١٤، شرح إحقاق الحق، السيد المرعشي، ج ١٠، ص٣٢٧.
2-المعجم الكبير، ج22، ص409 و1021. ومجمع الزوائد، ج9، ص206. والمناقب لابن المغازلي: ص347 و399
3-  كنز العمال، ج2، ص99.
4-بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج٤٣، ص145.
أخترنا لك
رُبّما لا يأتي

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف