مصطفى الهادي.
كانت الأمم حسب موقعها الجغرافي تُعرف حسب القبائل التي تسكنها ففي التسميات القديمة جدا كانت أمم امثال : جوج ماجوج وماشك وتوبال وتيراس وجومر ومادي وياوان وعيلام وأشور وأرفكشاد ولود وأرام وعوص وحول وجاثر، وغيرها. موزعة في مناطق جغرافية متباعدة او متقاربة. و أول ذكر لها بهذه الاسماء ورد في التوراة ، ومن التوراة أيضا انطلقت فكرة أن جوج ماجوج امم معتدية امم مجرمة، فلربما كانت هذه الأمم في ذلك الزمن امم متوحشة لن تعرف الحضارة تعيش على الغارات والسلب والنهب حالها حال الأمم المجاورة.
وقد ورد أيضا في القرآن الكريم بأن (يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض).(1) فلم يُحاربهم ذوالقرنين بل جعل بينهم وبين الأمم المجاورة لهم حاجزا لانعلم ما هو وما هي كيفيته. ولكن كما نفهم من كلمتي (سدا وردما) أنهم امم تعيش فوق سطح الأرض أوفي باطنها في كهوف أو مغاور أوانفاق ، فكانوا يخرجون كلما دعتهم الحاجة إلى ذلك، وقد رأينا مؤخرا كيف عرضت السينما العالمية افلاما لا حصر لها عن قوم جوج ماجوج في افلام مثل : ابن فضلان، وكذلك فلم سيّد الخواتم . وفي قواميس اللغة فإن كلمة (الردم) تعني : حفرة أو ثقب تم سدهُ بالتراب، وكذلك : الردم فإنه السد العظيم. وأما السد فهو الحاجز بين شيئين وقد يكون من صنع الله تعالى كقوله : (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا).(2) واما سد ذي القرنين فقد كان موجودا قبل زمنه فهو من الموانع الطبيعية .وذلك لقوله تعالى عن ذي القرنين : (حتى إذا بلغ بين السدين، وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا).(3)
السد الأول كان سلسلة جبال شاهقة لا يملك قوم جوج ماجوج وسائل اجتيازهما، والسد الثاني هو أن لغتهم كانت غير معروفة ، فكل المترجمين الذي كانوا يُرافقون حملات ذي القرنين لم يعرفوا لغة قوم ماجوج، وذو القرنين على ما وهبه الله من ثقافة وعلم باللغات وغيرها أيضا لم يفهم لغتهم، فكان ذلك مثابة سد او حاجز آخر بينهم وبين الشعوب الأخرى فلم يستطيعوا التفاهم معهم أو مع ذي القرنين، ولربما كانوا اقواما من الجن لهم لغتهم الخاصة. فاضطر ذو القرنين إلى تقوية السد ولربما بناء سد آخر يحول بينهم وبين الأمم التي كانت متحضرة.أوهو (ردم) لفتحة بين السدين. او سدّ ثقب في الأرض بأن ردمه بالاحجار ثم وضع عليه قطع الحديد الكبيرة وصب عليها نحاسا. ولما كان النحاس أهم مادة لحجز الجن وحبسهم فقد استخدمه ذوالقرنين لذلك .
والقرآن ذكر لنا أن اهم اسلحة استخدمها تعالى في منع الجن من اختراق السماء الدنيا هي شواظ النحاس فقال تعالى : (يُرسل عليكما شواظ من نارٍ ونحاس).(4) ولذلك كان سُليمان يحبسهم في (القمقم) وهي قناني او علب مصنوعة من نحاس ولذلك استخدم ذو القرنين (القطر) النحاس المذاب في كبح جماح اقوام جوج ماجوج.
وأما اخبار التوراة حول جوج ماجوج فنحن نشك في نوايا اليهود ومدوناتهم وما كتبوه من تاريخ لأنه دائما يحمل طابع الانحياز والانتقاص من الأمم والإفتراء عليها ، ولكن جوج ماجوج وما ذكرناه من امم أخرى كانت موجودة وإن لم يجد علماء التاريخ اي اثر لها على الأرض ولولا أن الكتب السماوية ذكرتهم لما عرفنا انها كانت موجودة. فلربما اندثرت ولربما هي موجودة ولكن التسميات اختلفت في هذا الزمان ولربما هي خاملة الآن وسيأتي اليوم الذي تستيقظ فيها جينات الاجرام فتتحرك.
المفسرون المسيحيون يقولون بأن هذه الامم هي روسيا والصين وصولا إلى إيران وما حولها والاتراك معهم . لأن في زمن التوراة لم تكن اوربا قائمة بالشكل الذي عليه اليوم ولا امريكا التي يعود تاريخها إلى اقل من ثلاثمائة عام. ولكني اقول بعد تمعن بأن امم روسيا والصين سوف تشن حرب ولكن بسبب أن اوربا وأمريكا يستفزون هذه الأمم فترد روسيا والصين على امريكا وحلفائها ومن الطبيعي ان تكون المنطقة العربية ضمن محور القتال لانها تسير في ركاب اوربا وامريكا واسرائيل، وقد رأينا ذلك واضحا فيما قاله جورج بوش الابن عندما قال بأنه ذاهب للقضاء على جوج ماجوج في الشرق الأوسط محاولا تحشيد الجيوش الفرنسية معهُ في القتال.
جوج ماجوج في المخيلة اليهودية.
تعتقد التوراة بأن جوج ماجوج كانوا قبيلة من قبائل الجن على اتصال بالبشر، وكانت الامم حولهم تتخذ احتياطات منهم وتستخدم وسائل لدفع شرّهم. فقد امر الله موسى بأن يصنع تمثال حيّة من نحاس ويضعه على عمود وسط بني إسرائيل حتى إذا تعرض أحد إلى مسّهم (لدغهم). او ضربة من ضرباتهم يذهبون به إلى الحيّة وبمجرد ان يلمسها او ينظر إليها يتعافى من مسّهم.وهذا ما نقرأه : ( فقال الرب لموسى : اصنع لك حية وضعها على الراية . فصنع موسى حية من نحاس ووضعها على الراية، فكان متى لدغت حية إنسانا ونظر إلى حية النحاس يحيا).(5)
ثم قام نبي الله سُليمان بصناعة أعمدة من نحاس نقش عليها طلاسم ونقوش ليُسيطر بها على هذه الاقوام المختلفة جوج ماجوج ، الجن ومخلوقات شتى سخّرهم الله لسُليمان (وحُشر لسُليمان جنوده من الجن والإنس والطير).(6) فيسطر عليهم سُليمان بالإسم الأعظم أو بالأدعية والنقوش واستخدم النحاس استخداما واسعا ، فكما أن الحديد يُغلّ به الإنسان كذلك النحاس كان يُضعف الجن : (وصنع سُليمان بحر النحاس وأعمدة النحاس التي في بيت الرب ثماني عشرة ذراعا ارتفاع العمود الواحد، وعليه تاج من نحاس، وارتفاع التاج ثلاث أذرع، والشبكة والرمانات التي على التاج مستديرة جميعها من نحاس وأوقف العمودين في رواق الهيكل.).(7) واليوم ضمن حفريات اليهود في فلسطين فإن البحث عن هذين عمودي النحاس يجري بصورة سرية للغاية ابتداء من حائط البراق وانتهاء بمربط خيل سُليمان إلى باب العمود.
في زمن التوراة التي ذكرت قوم جوج ماجوج ، كان الناس على اتصال بالجن كما تخبرنا التوراة ، واستمر ذلك الى زمن المسيح وما قبل الاسلام بقليل . وقد ذكرت التوراة والانجيل والقرآن ذلك. ففي التوراة ورد النهي من الله بعدم الالتفات إلى الجان ومن يفعل ذلك يُقتل فقال : (لا تلتفتوا إلى الجان أنا الرب الهكم، والنفس التي تلتفت إلى الجان أقطعها من شعبها).(