لايوجد مخلّص
، ولكن لربما شفيع .
مصطفى الهادي.
اعمال الانسان الصالحة هي
التي تُنقذه ، واذا قصّر فإن الشفاعة موجودة . اما ما
يُقال عن المخلّص ، فهو مخلّص من ماذا ؟ لأنه من المعروف
في اليهودية والمسيحية كما يذكر الانجيل والتوراة أن
المخلص هو الله فيقول: (حقا أنت إله إسرائيل المخلص).(1)
وكذلك قوله : (ليتق جميع سكان الأرض إله دانيآل، فإنه
المخلص).(2)
فلم يثبت في الإنجيل ان
يسوع قال بأنه المخلص ابدا لا يوجد نص في ذلك ، ولكن بولس
اليهودي المتنصّر هو من حرّف المعنى (من الله المخلص الى
يسوع المخلص) كما يقول في رسالة بطرس الرسول الثانية 2:
20 (بمعرفة الرب والمخلص يسوع المسيح)، من هنا جائت
المصيبة بولس الذي قلب كل شيء في المسيحية فغيّر وحرّف
وبدّل في رسالة المسيح ، فقلب النص من الله المخلص إلى
يسوع المخلص لا بل أن بولس تمادى كثيرا في غيه فنسب
الخلاص لكل من هب ودب ووضع نفسه في وسطهم فأصبح ايضا يهب
الخلاص بدلا من الله والسيد المسيح فيقول: (وأما عندنا
نحن المخلّصين فهي قوة الله). (3) يعني قوة الله حلّت
فيهم فأصبحوا يملكون قدرة الخلاص والتطهير من الذنوب
،
من هنا انتقلت عقيدة
المخلص إلى رجال الدين المسيحي الذين نصبوا كراسي
الاعتراف واخذوا يعطون الخلاص لكل من هب ودب. فمِن هذه
البلوى التي اطلقها بولس ، خرجت لنا عقيدة الغفران
والخلاص حيث انتقلت هذه العقيدة من بولس إلى البابوات إلى
هذا اليوم . حيث امتلك رجال الدين المسيحي الصلاحية
الكاملة لتطهير الإنسان من ذنوبه عبر عقيدة الاعتراف، بين
يدي الكاهن فتخلص روحه مما علق فيها من جرائم وموبقات
ومخالفات حتى لو كانت بإبادة الثقلين.
وبما أن بولس حاخام
اليهودي يعرف كل خبايا وزوايا اليهودية وتوراتها ويعرف أن
المخلص هو الله ولا سواه احد، إلا أنه في محاولته لتحريف
دين المسيح عمد إلى حذف كل ما وقع بيده من نصوص صحيحة
واستبدلها بنصوص من أفكاره الشيطانية.
فبولس يعلم علم اليقين أن
توراته تقول : (للرب الخلاص) . (4)
ويعلم جيدا أن داود عليه
السلام قال : (الله منذ القدم ، فاعل الخلاص في
الأرض).(5)
ويعلم جيدا أن إشعياء قال
: (أنا أنا الرب، وليس غيري مخلّص).(6)
ويعلم جيدا أن الله قال
لهوشع: (وأنا الرب إلهُك ، وإلها سواي لست تعرف، ولا
مخلّص غيري). (7) هؤلاء هم أنبياء ديانة بولس ، ولكنه
يُخالفهم عامدا متعمدا. ومع ان بولس يعلم ايضا أن يوحنا
في إنجيله نسب الشفاعة فقط للسيد المسيح إلا أنه اصر على
تحريفه للوقائع ، يقول يوحنا : (إن أخطأ أحد فلنا شفيع
عند الله يسوع المسيح البار). ( 8 ) ففي احسن أحواله فإن
السيد المسيح سيكون شفيعا يوم القيامة، وهذا مصداق قوله
تعالى : ({ يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا
مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا }).
(9)
هذه العقيدة المتطرفة
المغالية التي نسبوها إلى السيد المسيح جعلتهم يزعمون أن
السيد المسيح هو الله كما نرى ذلك جليا واضحا في قولهم :
(خلاص العالم من الخطايا يحتاج إلى كفارة غير محدودة
لفدائه. وليس غير محدود إلا الله وحده. ولما كان السيد
المسيح قد قام بهذا الفداء. وأكمله إلى التمام، وافتدي
جميع الناس من كل إثم، مخلصًا إياهم خلاصًا أبديًا من
لعنة الناموس... إذن فالمسيح غير محدود، وإذن هو الله.
حينما نقول إن الله هو المخلّص، إنما نعنى نفس الوقت أن
المسيح هو المخلص.وإننا نتمسك بأن المسيح هو
الله).(10)
ففي مفهوم المسيحية الحق
، فإن الخلاص باطل إلا لله. فلا يمتلك اي انسان قدرة
الخلاص كما يقول في المزامير على لسان نبي الله داود عليه
السلام: (أعطنا عونا في الضيق، فباطلٌ هو خلاصُ
الإنسان).(11)
ولربما يرسل الله للناس
(مخلّص) بناءا على طلبهم، ولكنه لا يمتلك قدرة الخلاص من
دون الله : (وصرخ بنو إسرائيل إلى الله ، فأقام الربُ
مخلّصا لنبي إسرائيل).(12)
فالكتاب المقدس يذكر
وبشكل واضح من أن المخلّص لقبٌ إلهي وعمل إلهي فقط لا
يوصف به البشر كما نقرأ ذلك واضحا : (أليس أنا الرب ولا
إليه آخر غيري؟ بارٌ ومخلصٌ. ليس سواي).(13) ولذلك نرى
السيد المسيح عليه السلام يُبرئ نفسه مما يصفه به الناس
فيقول وبكل وضوح : (وتبتهجُ روحي باللهِ
مُخلّصي).(14)
سبحان الله أمة المسيح
كلها تقرأ قول نبيها بأن الله هو مخلّصه ، ثم يقولون بأن
يسوع المسيح هو الله المخلّص.
وحتى لو سلّمنا جدلا ،
بأن ما يقولونه صح. فهنا لابد ان نقول بأن الخلاص الذي
عند المسيح هو من الله كما نقرأ في نصوص كثيرة منها
:
الأول : قوله : (أقام
الله لإسرائيل مخلصا، يسوع). (15)
الثاني : قوله : (ينبغي
أن يطاع الله أكثر من الناس. إله آبائنا أقام يسوع رئيسا
ومخلصا، ليعطي إسرائيل التوبة وغفران الخطايا). (16)
فالخلاص هنا متعلق بأمة صغيرة فقط وهم بنو إسرائيل،
وخلاصهم في الدنيا وليس في الآخرة، وهو أن يتبعون السيد
المسيح ويتركوا ما هم فيه من كفر.
ونقول للمسيحيين ــ وطبعا
هم يعرفون ذلك ــ لم يكن السيد المسيح وحده ممن اختاره
الله مسيحا ، بل ان الله تعالى اختار مسحاء كثيرين منهم
داود النبي عليه السلام . وحتى من الوثنيين اتخذ مسيحا
مخلّصا كما نقرأ.
(الصانع رحمة لمسيحه
لداود ونسله إلى الأبد).(17)
(هكذا يقول الرب لمسيحه
لكورش الذي أمسكت بيمينه لأدوس أمامه أمما).(18)
وكذلك شاول الملك كان
مسيح الله كما نقرأ : (هأنذا فاشهدوا علي قدام الرب وقدام
مسيحه).(19) يقول المفسر المسيحي : (ويُشهد أيضًا مسيحه،
أي شاول الملك). (20)
مما تقدم ونصوص أخرى
كثيرة نفهم ، أن عقيدة الخلاص في المسيحية هي لله وحده،
وغيرها باطل لا اساس له من الصحة وهي تخالف العقل. ولكن
هناك اجماع من قبل الديانات الثلاث أن الشفاعة
جائزة.
المصادر:
1- سفر إشعياء 45:
15.
2- تتمة سفر دانيال 3:
42.
3- رسالة بولس الرسول
الأولى إلى أهل كورنثوس 1: 18.
4- سفر المزامير 3:
8.
5- سفر المزامير 74:
12.
6- سفر إشعياء 43:
11.
7- سفر هوشع 13:
4.
8- رسالة يوحنا الرسول
الأولى 2: 1.
9- سورة طه آية :
109.
10- كتاب لاهوت المسيح ،
البابا شنودة الثالث، 34. المسيح هو مخلّص العالم
وفاديه.
11- سفر المزامير 60 :
11.
12- سفر القضاة 3 :
9.
13- سفر إشعياء 45 :
21.
14- إنجيل لوقا 1 :
47.
15- سفر أعمال الرسل 13:
23.
16- سفر أعمال الرسل 5:
31.
17- سفر صموئيل الثاني
22: 51.
18- سفر إشعياء 45:
1.
19- سفر صموئيل الأول 12:
3.
20- تفسير الكتاب المقدس
، القمص تادرس يعقوب. تفسير سفر صموئيل الأول 12.