محرم على الأبواب : (فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم).

2022/10/23

محرم على الأبواب : (فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم).
مصطفى الهادي.
عندما رفع إبراهيم قواعد البيت (1) عمد إلى التعظيم عن طريق تقديم القرابين كما هو معهود في ذلك الزمان، ولكن إبراهيم (ع) رأى رؤيا بأن يذبح ولده ولما كان إبراهيم مؤمنا بحقيقة ما يراه قدّم ولده إسماعيل ذبيحا من اجل الله تعالى ولكن الله تعالى أبقى اسماعيل لأنه حامل للذرية الطاهرة ، وقدّم مكانه كبشا. ثم اخبر تعالى نبيه إبراهيم بأنه فداه بذبحٍ عظيم يخرج من هذا البيت الذي رفع قواعده (مكة) ليُضحي من إجل دين إبراهيم، وهنا عندما علم إبراهيم بمدى عظمة هذا المضحّي القادم دعا ربه قائلا : (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم). فلم يقل إبراهيم (تهوي إليه) أي إلى بيته المحرم . بل قال (فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم).(2)
أي إلى ذريته من صلب إسماعيل وهم محمد وآله. وقوله (من الناس) للتبعيض ولم يقل فاجعل افئدة (الناس) فحصر الولاء في فئة معينة ، وهم المؤمنون.
إن إبراهيم علم أن هناك فئة مختارة (من الناس) ستكون مع ذريته المتحدرة من ذرية رسول الله (ص) فجعل هذه الذرية مهوى افئدة المؤمنين. والحسين (ع) من ذرية اسماعيل لا بل عبّر عن نفسه بأنه (الذبيح) وجميع الأنبياء بعد إبراهيم (ع) تعلم بذلك ومن هنا نرى أن لا احد من الأنبياء او من جاء بعدهم زعم أنه الكبش العظيم او أنه الذبيح العظيم . بل وجدنا أحد الكتب السماوية يُشير إلى مكان هذه الذبيحة كما يقول : (إن لله ذبيحة عند شاطئ الفرات) .(3) ومن هنا نعلم من هم (الناس) الذي طلب إبراهيم ان تكون افئدتهم مع ذريته.
بعض من منصفي النصرانية يفهمون ذلك ويعرفون أن الذبيح الحقيقي لم يكن في الأديان السابقة فلم ترد اي اشارة إلى ذلك فيقول فرانسيكو جوسلويس : (أن النبي إبراهيم كاسر الأصنام ، قد أمره الله تعالى بأن يُقدّم ولده قربانا ليُعبّر عن مدى ولائه، ولكن الله برحمته فداه بذبح عظيم، فأكمل الحسين هذا الوعد من خلال دمه الشريف وتضحيته المباركة).(4)
فالحسين (ع) مهوى الأفئدة وربيع القلوب. ولذلك نرى أن الحسين عندما شدّ الرحال إلى مكة عازما على الحج عدّل عن رأيه ولم يحج .فالحسين لم يذهب إلى مكة للحج عندما رأى أن أميرها يزيد وواليها خادم ليزيد ، وإمام حرمها تابعا ليزيد.
الحج هو رفض للشرك والظلم وعبادة الاشخاص فإن لم يرفض الحاجّ الظلم والظالمين فهو لا يطوف إلا بأحجار، فرأى الحسين ان الحج تحول إلى (طواف بقصر يزيد) ،لا بل ان دنيا الاسلام كلها اصبحت تطوف بقصر يزيد فقال قولته الشهيرة : (فعلى الإسلام السّلام إذا ابتُليت الاُمّة براع مثل يزيد).(5) فلم يذهب إلى الحج لأنه لا يُريد ان يطوف بقصر يزيد ولا أن يؤدي المناسك ليزيد ، وتوجه صوب مصرعه في كربلاء فحج إلى واد طوى فختم مناسكه بالشهادة فجعل الله تعالى افئدة من الناس تهوي إليه وتزور مصرعه وتطوف بقبره إلى يوم القيامة.
المصادر:
1- عن الإمام الباقر عليه السلام قال : (خلق الله تبارك وتعالى أرض كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام. وقدسها وبارك عليها فمازالت قبل أن يخلق الله الخلق مقدسة مباركة ولا تزال كذلك حتى يجعلها الله أفضل أرض في الجنة وأفضل منزل ومسكن يسكن الله فيه أولياؤه في الجنة).البحار ج98 ص 107.
2- عن رسول الله (ص) في قوله تعالى : فاجعل أفئدة من الناس (هي قلوب شيعتنا تهوي إلى محبتنا). بحار الأنوار العلامة المجلسي ج23 صفحة : 224.
3- سفر إرميا 46 : 10.
4- الباحث : فرانسيكو جوسلويس الذي القى كلمة نيابة عن الوفد البرتغالي في حفل اختتام فعاليات مهرجان ربيع الشهادة الثقافي العالمي العاشر، من مقالة ، الكاتب ولاء الصفار منشورة في الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة سنة 2014.
5- كتاب الفتوح ابن أعثم الكوفي ج5 ص : 17. وقد قالها ولاة الأمويين صراحة : (أن الطواف بقصر أمير المؤمنين خير من الطواف بهذه الأحجار).
أخترنا لك
الجنة ، ثمن التصدي للظالمين. (كمل من النساء أربعة).

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة