الصيام والحالات الملكوتية الثلاث للإنسان

2022/04/22

الصيام والحالات الملكوتية الثلاث للإنسان.
مصطفى الهادي.
كل ما قيل عن الصيام في التفاسير ومن اقوال النبي واحاديث آل البيت عليهم السلام واقوال العلماء صحيح. ويُركز الكثير من الخطباء على مسألة أن احد اسرار الصيام هو لكي يشعر الغني بجوع الفقير. وهذا صحيح كتفسير لفلسفة الصيام إلى جانب تفسيرات أخرى. ولكن الأسمى من ذلك هو أن احد اهم اسرار الصيام هو أن الله تعالى أراد الارتقاء بالانسان إلى مصاف الملائكة ولو لشهر واحد، اراد تعالى للانسان ان يتشبه بالملائكة في هذه الساعات القليلة وفي هذا الشهر، حيث ان الملائكة ليست مخلوقات جوفاء مثل الإنسان، فهم لا يأكلون ولا يشربون بل أن زادهم التسبيح والتحميد . فأراد الله لخلقه أن يكونوا مثل الملائكة الذين يصفون انفسهم بقولهم : (وما منا إلا له مقام معلوم وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون) .(1) فأراد الله تعالى أن يكون لنا بين يديه ثلاث مقامات ملكوتية:

1- مقام معلوم في شهره هذا الذي فضّلهُ على الشهور وجعل فيه ليلة القدر.
2- ونكون من الصافين في الصلاة وكثرة النوافل ، وكذلك:
3- نكون من المسبحين المنزهين له.

البعض يقول بأن سبب الصيام هو لكي يعرف الغني جوع الفقير، ولكن الفقير أيضا يصوم، فيجمع بين جوع الفقر وجوع الصيام. الحديث صحيح ولكن الغني يرى ظاهر الفقر مثل ملابس رثة ومد يد الاستجداء ، ولكن الغني لا يرى ما في بطن الفقير وهل هو فعلا فقير، او يتصنع الفقر للاثراء على حساب من هم فقراء فعلا .

وإذا كان سبب الصيام هو أن يستشعر الغني جوع الفقير، فلماذا الفقير يصوم؟ إذا هناك غايات اسمى للصيام. ولعل منها أن يعرف الإنسان قيمة نعم الله تعالى عليه فعندما يقرصه الجوع ويُجهدهُ العطش يعرف قيمة رغيف الخبز وجرعة الماء فلا يُسرف ويهدر هذه النعم.

وكذلك لربما من غاياته أيضا هو التشبه بالملائكة كما اسلفنا ولذلك يصف الله تعالى الأولياء بأنهم (خمص البطون من الصيام ، ذبل الشفاه من الذكر). وهؤلاء الأولياء يُحاولون التشبه بالملائكة لأنهم ينقطعون عن الطعام مع كثير من التسبيح والتهليل والتحميد والذكر. وقوله ذبل العيون أي لا ينامون إلا قليل تشبها بالملائكة الذي لا ينامون ولا يسأمون. .وكأن الله تعالى اراد للإنسان أن يجعل من الاجواء الرمضانية أجواء ملكوتية فيُحلّق في هذه الاجواء الملكوتية من خلال التشبه بملائكته فينقطعون عن الطعام والشراب ويُغذون ارواحهم بالتسبيح والتهليل والذكر والانقطاع إلى الله. فتكون أرواحهم معلقة بعز قدسه.

وقد ورد في الحديث ما يشابه ذلك عن الإمام علي ابن ابي طالب عليه السلام ، عندما خرج يوما من منزله وإذا قوم جلوس فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن شيعتك يا أمير المؤمنين. فقال: سبحان الله فما [لي لا] أرى عليكم سيماء الشيعة؟ قالوا: يا أمير المؤمنين وما سيماء الشيعة؟ قال: عمش العيون من البكاء خمص البطون من الصيام ذبل الشفاه من الدعاء صفر الألوان من السهر على وجوههم عزة الخاشعين.(2)

المصادر :
1- سورة الصافات آية : 164.
2- مناقب الإمام أمير المؤمنين (ع) - محمد بن سليمان الكوفي - ج ٢ - الصفحة ٢٩٤. وكذلك ورد هذا الحديث عند أهل السنة فقد نقله جمهرة من علماءالسنة والشيعة نذكر منهم على سبيل المثال:
ابن عساكر بسند آخر عن المدائني تحت الرقم: ١٢٧٦ من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج ٣ ص ٢٥٧ ط ٢. رواه أيضا ابن الأثير في أواخر سيرة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ الكامل. ورواه أيضا محمد بن عبد الله الإسكافي المتوفى سنة: " ٢٤٠ " في كتابه: المعيار والموازنة ص ٧٠.
ومن الشيعة رواه الشيخ المفيد في سيرة أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب الارشاد، ص ١٢٧.وكذلك القسم الثاني من خطب نهج السعادة: ج ٣ ص ٤١٢ - ٤١٨. ط ١.ورواه أيضا الشيخ الصدوق تحت الرقم: " ٢٠ " من كتاب صفة الشيعة ص ١٧١.ورواه عنهما المجلسي قدس الله نفسه - وعن أمالي الطوسي - في كتاب بحار الأنوار: ج ٦٨ ص ١٥٠، ط الحديث. 
أخترنا لك
من يطرد أو يقتل مسيحي يُقدم خدمة لله. هكذا أخبرهم نبيّهم!.

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة