المعصوم لا يُغسّلهُ إلا
معصوم ، أو الملائكة.
مصطفى الهادي.
السلام على المعذب في قعر السجون،
وظلمِ المطامير ذي الساق المرضوض بحلق القيود.
اثار أعداء آل البيت (ع) الكثير من
الشبهات للحط من قدرهم وارباك شيعتهم، ولكنهم لم يفلحوا (فما كان لله
ينمو ويتصل، وما كان لغير الله ينقطع ويضمحل). ان جميع فقهائنا رغم
اختلافهم في حكم طهارة ابدان المعصومين عليهم السلام وما فيها ابتداء
من النبي وإلى صاحب العصر والزمان (ع)، إلا أنهم متفقون على طهارة
ذواتهم و عصمتهم من الولادة الي ان يلحقوا بالرفيق الاعلي.وهناك شبه
اتفاق بين المذاهب على طهارتهم.
فمما رواه أهل السنة الكثير من
الاحاديث التي تنص على شرب بول النبي (ص) من قبل الصحابة مثل أم أيمن
وأم يوسف وغيرهما ،فقال لهما النبي (ص) لا تلج بطنك النار.
وكذلك رووا الكثير من الاحاديث في شرب
الصحابة لدم النبي (ص) من الحجامة مثل سفينة وسالم ابو هند الحجام
وأبو طيبة الحجام وغلام لقريش وأكثرهم كان النبي (ص) إما يضحك معهم أو
يقول لهم لا تمسكم النار أو أحرزت نفسك من النار.لا بل أن الكثير من
الصحابة كانوا يتسابقون للحصول على بعض آثار النبي للبركة ، مثل خصلات
من شعره ، او بعض اظافره.
ونفهم ذلك أيضا من الزيارة الجامعة
التي رواها ابن طاووس وزيارات أخرى حول طهارتهم من النجاسة قال: (ان
الله طهركم من الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ومن كل ريبة ورجاسة
ودنية ونجاسة) (1) .
ومما جاء في بعض نواحي وصية فاطمة
الزهراء (س) الى أمير المؤمنين (ع): (... واُوصيك إذا قضيت نحبي؛
فغسلني ولا تكشف عني؛ فإني طاهرة مطهّرة، وحنطني بفاضل حنوط أبي رسول
الله (ص)، وصلِّ عليَّ وادفني ليلاً لا نهاراً إذا هدأت العيون ونامت
الأبصار، وسرّاً لا جهاراً، وعفِ موضع قبري، ولا تشهد جنازتي أحداً
ممّن ظلمني) .(2)
من هنا نفهم أن المعصوم لا يحتاج إلى
من يغسّله ، لأنه طاهر بنص من القرآن والسنة فقد أذهب الله عنهم الرجس
وطهرهم تطهيرا ، وهذا يشمل كل الرجاسات المادية والمعنوية. وفي جانب
كبير من الروايات فإن من يدفن المعصوم في حال تعذر وجود معصوم آخر، هم
الملائكة ، حتى وان بدا ظاهرا أن عامة الناس هم من يقوموا بالدفن إلا
أن ما خفى عنهم هو قيام الملائكة بذلك ، لأن المعصوم حاضر في كلا
العالمين. فهو يعيش في عالمنا المادي وعالم الغيب .وإنما يجري الغسل
على عامة الناس لانهم من اهل الدنيا ويحتاجون إلى ان يتطهروا ليدخلوا
عالم الغيب. وفي الروايات الاسلامية وغيرها هناك الكثير منها يذكر أن
الغسل تولاه شخص ولكنه كان يرى ان هناك من يساعده وهم الملائكة كما في
مسألة غسل ودفن النبي محمد صلوات الله عليه وآله ، وابنته الزهراء (ع)
وغيرهم كما سيأتي بيانه.
وكما هو معروف فإن النجاسة نقص
والمتنجس غير طاهر فاقد الأهلية للكثير من الأمور التي تتعلق بالدين.
والمعصوم كامل طاهر منزّه عن كل ما من شأنه أن يمس طهارته وهذا القرآن
يشهد على ذلك (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم
تطهيرا).(3)
ان عموم الناس كانوا يتبركون
بالمعصومين أنبياء كانوا أو اوصياء. بل كانوا يستمطرون بهم ويستشفون
بمخلفاتهم ويتبركون بلمس ثيابهم وما شابه وكتب المخالفين وكتب جميع
الأديان حافلة بذلك أيضا.
وكما هو معروف فإن السنّة هي فعل
المعصوم وقوله وتقريره واذا رأينا المعصوم يتطهر ويغتسل ويتوضأ إنما
ذلك لكي تجري السنة ويكون قدوة للآخرين ويتم تعليمهم الفروض، والنبي
فعل ذلك لأنه اول من يفعل ذلك فيتاسى الناس به مع أنه طاهر، ويدلنا
حديث سد الأبواب من أن النبي والمعصومين ليس فيهم نجاسة معنوية او
مادية . فلا يصح (لجنب) أن يمر او يبات في المسجد إلا النبي وعلي
عليهما السلام وذريتهما. ففي طهارة الإمام علي عليه السلام أنه يحل له
في مسجد رسول الله (ص) ما لا يحل لغيره فعن أبي سعيد الخدري قال :
سمعت رسول الله (ص) يقول لعلي : (لا يحل لأحد من هذه الأمة أن يجنب في
المسجد غيري وغيرك).(4)
وفي رواية أخرى اوسع واشمل ذكرها
البيهقي قال:عن ام سلمى عنها قالت قال : رسول الله (الا ان مسجدي حرام
على كل حائض من النساء وكل جنب من الرجال الا على محمد واهل بيته علي
وفاطمة والحسن والحسين).(5) فإذا رأى الناس النبي او الامام يغتسل غسل
الجنابة فهذا من أجل اقرار التشريعات وتعليم المسلمين امور دينهم.
فالغسل ليس له بل للناس.
وحتى لو قام الامام بتغسيل إمام آخر
فهذا لا يعني أن جسده اصبح نجسا بالموت ، بل لأنها سنّة وهم اولى
بتطبيق السنة ليتأسى الناس بهم.
إما لو مات الإمام ولا يوجد معصوم
قربه، فإن الملائكة تتولى غسله ودفنه. وقد حصل ذلك لغير المعصومين من
عامة المسملين كما ذكر ابن سعد في الطبقات قال : عن عائشة قالت :
(رُفع عامرُ بن فهيرة إلى السماء، فلم توجد جثتهُ، يرون أن الملائكة
وارتهُ).(6)
وروى في المصنف قال في قصة دفن عامر
بن فهيرة الذي قتل في بئر معونة، قال الزهري : (وبلغني .. التمسوا جسد
عامر بن فهيرة فلم يقدروا عليه فيرون أن الملائكة هي
دفنته).(7)
وكذلك دفنت الملائكة جسد خبيب الذي
صلبهُ المشركون حيّا. فقال النبي (ص) من يُنزل خُبيبا عن خشبته وله
الجنة؟ فذهب الزبير والمقداد بن عمرو وانزلاه من الشجرة على الأرض ،
وما إن نزل جسده إلى الأرض حتى ابتعلتهُ الأرض عن فوره . فقال النبي
(ص) : قد دفنتهُ الملائكة ، فسُمي دفين الملائكة.
يضاف إلى ذلك أن القرآن يخبرنا بأن
مريم العذراء كانت تتعهدها الملائكة (كلما دخل عليها زكريا المحراب
وجد عندها رزقا).(