رأسُ مَن في الجامع الأموي بدمشق؟

2022/03/06

رأسُ مَن في الجامع الأموي بدمشق؟
مصطفى الهادي.
المكابرة والعناد أحد أهم أدوات ضعفاء الحجة،وهذا ما وجدته في موضوع القس رومانوس حداد في مقالة نشرها على مواقع التواصل تحت عنوان (قصّة خروج الدم من ضريح القديس يوحنا المعمدان بالجامع الأموي في دمشق).(1) ورأيتها أيضا في أماكن كثيرة من الانترنت.
ليس قصدي النيل من هذا القس ولا الشك في هذا الموضوع ، بل البحث حول هذا الموضوع الذي تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي واعتبروه معجزة من ينكرها خارج عن الدين والملة. صحيح أن هذه الرواية لها شبيه المسلمين ولكن مصدرها أيضا عن النصارى كما سترى أو مشكوك به. ولكني في هذا البحث اناقش مسألة كيفية وصول رأس يوحنا النبي إلى دمشق، وهل قُتل يوحنا في دمشق ، او هل هناك ذكر لخبر نقل رأس يوحنا إلى دمشق وما الغاية من ذلك.ورأس من يكون في الجامع الأموي.
من المعروف أن الكتاب المقدس في المسيحية هو الفيصل في حسم الأمور ،لأنهم يقولون أنه كلام الله تعالى ويؤمنون بعصمته وصدقه. ولذلك رأينا ان نرجع إلى الإنجيل لنقرأ معا قصة مقتل يوحنا المعمدان او يحيا بن زكريا. وماذا فعلوا بجسده ورأسه بعد قطعه سلام الله عليه. اما ما عدا ذلك فهو مجرد اساطير سرقوها وقاموا بتغيير بعض مفرداتها لتناسب توجهاتهم التبشيرية والتنصيرية، او لاثارة رأي عام أو لطمس حقيقة ما وتغييبها وبعضها تم بالتواطئ بين الدولة الأموية والمسيحيين الذين يعج بهم القصر الأموي.
يقول الأب رومانوس حداد : (داخل الجامع الأموي الكبير في دمشق وتحت هذه القبّة يُحفظ جزءٌ من رفات القديس يوحنا المعمدان، وهو على الأرجح جزء من رأس القديس). في هذا النص الذي افتتح به مقالته يبدو جناب القس غير متأكد حيث يستخدم جملة (على الأرجح) ومع ذلك يجزم بوجود جزء من رفات القديس يوحنا المعمدان فيقول : (وهوعلى الأرجح) جزء من رأس القديس.ولا ندري ما هو الجزء الذي يقصده من رأسه هل هو اذن او انف او عين ام ماذا؟ وهكذا بنى مقاله منذ البداية على هذا الافتراض الغير متأكد منه علما ان الحادثة المذكورة هي من الحكايات والاساطير الشعبية التي يتناقلها الناس.
فما هي القصة التي ينقلها لنا الأب حداد؟
يقول القس : (أمر والي دمشق بإزالة قبر القديس يوحنا المعمدان من مكانه داخل الجامع الأموي. فما أن باشر العمّال المُكلّفون عملهم، ومع ضربات المطرقات والمعاول الأولى لإزالة المقام، حتى نَفرَ من الضريح سيلٌ غزيرٌ من الدماء وجرى باتّجاه منطقة باب المصلى التي كانت عبارة عن ميدان الحَصى الذي كانت تجري عليه سباقات الخيل في الماضي، فأُصيب العُمّال بالذُعر الشديد والذهول! وسرعان ما انتشر الخبر في دمشق كلّها، وجاء والي الشام بنفسه لينظر ما حدث، وسارع الأئمّة والمشايخ الى المكان وبدأوا بالأدعية والصلوات من أجل ايقاف جريان الدم، ولكن دون جدوى.! عندها أُبلغَ مطران دمشق الذي توجه إلى المكان يرافقه رجالٌ من الكهنة والشمامسة والرهبان الأرثوذكس، فلمّا وصلوا الى المكان بدأوا يتلون الصلوات… عندئذ توقف الدم عن الجريان والامتداد، وبدأ بالانكفاء والانقطاع تدريجياً حتى دخوله الضريح. واطلقوا على هذا المكان المُصلى نسبة لصلاة القساوسة والرهبان).(2)
مختلق هذه الاسطورة صاغها بشكل يوحي ببطلان دين المسلمين وذلك من خلال قوله : (وسارع الأئمّة والمشايخ الى المكان وبدأوا بالأدعية والصلوات من أجل ايقاف جريان الدم، ولكن دون جدوى). ثم يقوم الكاتب بالاشادة بإيمان المطارنة والكهنة والشمامسة والرهبان المسيحيين ليجعل دينهم مقبولا عند الله وكلامهم مسموع ودعائهم مستجاب فيقول : ( مطران دمشق توجه إلى المكان يرافقه رجالٌ من الكهنة والشمامسة والرهبان الأرثوذكس، فلمّا وصلوا الى المكان بدأوا يتلون الصلوات… عندئذ توقف الدم عن الجريان والامتداد، وبدأ بالانكفاء والانقطاع تدريجياً حتى دخوله الضريح. ثم يقول: أن سبب تسمية المقهى المعروف قرب الجامع الأموي بـ مقهى النوفرة يعود إلى هذه الحادثة أي نسبةً الى نفور الدم من داخل القبر).(3) طبعا هذا افتراء ، لأن المكان كان محل انطلاق (نفرة) الخيل أو اطلاق النفير العام لجلب الناس . فكان النفير يُطلق من هذا المكان فاطلقوا عليه مكان النوفرة. وتاريخيا فإن مكان النوفرة معروف أيضا بأنه ساحة ينطلق فيها سباق الخيل ، فتنفر منه الخيول مسرعة، ومصداق ذلك موجود في القرآن بقوله تعالى : (انفروا خفافا وثقالا). وكذلك يقول تعال : (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفرَ من كل فرقة منهم طائفة).(4)
طبعا هذه القصة مستوحاة من فوران دم يوحنا في اورشليم القدس (فلسطين) وليس الجامع الأموي،وهي خرافة وكذبة ومع ذلك ينقلها المسلمون في مصادرهم، والتي تقول بأن نبوخذنصر أو بخت نصر وجد في البيت المقدس دم يفور ولا يهدأ، فسأل عن ذلك فقالت له عجوز بأن هذا دم يوحنا. فقتل بختنصرسبعين الف شاب في بيت المقدس كلهم من عمر واحد ذبحهم فوق دم يوحنا، ليقطع فوران الدم ، فتوقف الدم عن الفوران.علما أن الذين قتلهم بنوخذ نصر حسب زعم الرواية لم يُشاركوا بقتل يوحنا ابدا ، لأن الذي قتله هو الوالي الروماني هيرودس انتيباس (5) بطلب من راقصة القصر هيروديا وهذا نصا موجود في الإنجيل كما سيأتي.
فهل يُضحي الله بسبعين ألف شاب من عباده الأبرياء من اجل قطع دم يوحنا؟. قصة بخت نصر ذكرها المسلمون وهي ضعيفة جدا لا بل مختلقة ، لأن بخت نصر سابق لزمن السيد المسيح ويوحنا بأكثر من ستمائة عام. فلم يرد اسم نبوخذ نصر أو نبوخذ راصر ولا مرة في الانجيل ولا بعده ولكن ورد في التوراة ما يقرب من مائة مرة بكلا الإسمين.
طبعا هذه الرواية عند بعض السنّة وكذلك الشيعة لم يرد فيها اسم نبوخذ نصر بل اطلقتها اطلاقا. فعن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: أوحى الله إلى نبيّه: (إنّي قتلت بدم يحيى بن زكريا سبعين ألفاً، وسأقتل بالحسين سبعين ألفاً وسبعين ألفاً).(6)
الغريب أن نفس الذين نقلوا قصة نبوخذ نصر واخذه بثأر يوحنا، يستنكرون أن يكون نبوخذ نصر قد فعل ذلك ثم يُبينون الأسباب فيقول مثلا الطبري : ( من يذكر بأن بخت نصر غزا بني إسرائيل عند قتلهم يحيى بن زكريا، غلط ، لأن بخت نصر غزا بني إسرائيل عند قتلهم نبيهم شعيا في عهد إرميا بن حلقيا وبين عهد إرميا وتخريب بختنصر بيت المقدس إلى مولد يحيى أربعمائة سنة).(7)
وقال ابن الأثير : (اختلف العلماء في الوقت الذي ارسل فيه بختنصر على بني إسرائيل، فقيل كان في عهد إرمياء النبي).(                </div>
            </div>

        </div>
        <div class=
أخترنا لك
التابوت، ماذا يعني في زمن الظهور؟

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف