باختصار : سكوت علي عليه
السلام.
مصطفى الهادي.
أخبرنا الله تعالى في القرآن بأن
الناس عندهم استعداد أن يكفروا به ويُشركوا به (1) لا بل انكاره كلّيا
، لا بل (يعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم) وكذلك اخبرنا
القرآن بأن الإنسان عدو الفضيلة ويكره الحق وأن عنده الاستعداد لقتل
الأنبياء والمصلحين وتكذيبهم (2) وقد فعل الإنسان ذلك طيلة مسيرته
السابقة.فوصف تعالى هذا المخلوق بـ (إنه كان ظلوماً جهولاً) .فإذا
اجتمع الظلم مع الجهل انطلق عقال الغرائز البهيمية مكتسحا كل الفضائل
والقيم.
من هنا نعلم أن القوم الذين حاولوا
قتل النبي محمد صلوات الله عليه وآله. يوم العقبة ولكن الله حفظ نبيه
وافشل مخططهم (3) هؤلاء هم نفسهم الذين حاولوا قتله مع اتباعه جوعا في
شعب أبي طالب، هم أنفسهم ، فقط العنوان تغير من جاهلي إلى مسلم. وكلمة
مسلم عنوان فضفاض واسع جدا يحوي في داخله حتى المنافق ، والفاسق ،
الكافر، وإن بدا اسلامه ظاهريا وهو بعكس الإيمان. فعندما قالت الأعراب
آمنا قال لهم تعالى لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا. (4) فنفى تعالى
الايمان عنهم لعلمه بدواخل نفوسهم وما تكنه صدورهم، فأقر لهم تعالى
الإسلام وذلك لظاهر نطقهم بالشهادتين.
هؤلاء القوم الذين لا يتورعون عن قتل
النبي والكفر بالله عندهم الاستعداد أن يقتلوا من يليه ومن يخلفه حتى
وإن نزل به وحي او ذكره قرآن. وهذا ما قاله علي عليه السلام (إن القوم
استضعفوني وكادوا يقتلوني).ولذلك نرى الإمام علي عليه السلام قام
بخطوتين للحفاظ على الدين من الزوال والاندثار على يد إغيلمه من
قريش.وكذلك الحفاظ على البقية الباقية من آل البيت ومن تبعهُ من
المؤمنين.
الخطوة الأولى : سلّم امره إلى الله
وسكت عن حقه بعد أن رأى اصرار الناس على الانقلاب على الأعقاب
واستعدادهم للقتل وإحراق كل شيء فقال في ذلك : (ووالله لأسالمن ما
سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها الجور إلا علي خاصة).(5)
الخطوة الثانية : الحفاظ على آل البيت
الذين هم امتداد الرسالة والحبل المتصل بين السماء والأرض وعدول
القرآن. فلم يبق معهُ إلا هؤلاء النفر ولذلك دفع عنهم الموت لأن
بموتهم موت الدين. فقال في ذلك : (فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل
بيتي فضننت بهم عن الموت. وأغضيت على القذى. وشربت على الشجى. وصبرت
على أخذ الكظم وعلى أمر من طعم العلقم).(6)
فلم يكن سكوت الإمام علي عليه السلام
عن حقه تراجعا او خوفا أليس هو القائل : (أما والله لو أذن لي بما ليس
لكم به علمٌ لحصدتُ رءوسكم عن أجسادكم كحبِ الحصيد، بقواضبَ من حديد،
ولفلقت من جماجم شجعانكم ما أقرحُ به آماقكم، وأوحشُ به محالكم، فإني
مُذُ عُرفتُ مُردي العساكر ، ومفني الجحافل، ومبيد خضرائكمن ومخمد
ضوضائكم).(7)
ولشجاعته قرنوه بملك الموت ، فقالوا
في معركة صفين : (إذا أردنا أن نعرف أين ملك الموت نظرنا الجهة التي
يُقاتل فيها علي ابن ابي طالب عليه السلام). وإذا اردنا أن نعرف كم
قتل علي ابن ابي طالب نُحصي تكبيراته لأنه كلما قتل شخصا كبّر لله،
فأحصينا تكبيراته في ليلة الهرير فكانت خمسمائة.
المصادر:
1- سورة يوسف آية : 106.(وما يؤمن
أكثرهم بالله إلا وهم مشركون )،
2- سورة البقرة آية : 87. (أفكلما
جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا
تقتلون).
3- سورةالتوبة آية : 74.(ولقد قالوا
كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهمُّوا بما لم ينالوا ).
4- سورة الحجرات آية : 14.
5- شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد
- ج ٦ - الصفحة ١٦٦.
6-نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) -
ج ١ - الصفحة ٦٧.
7- الإحتجاج للطبرسي ج1 ص :
95.