هل بقيت مريم في العراق بعد ولادة السيد المسيح؟

2022/03/06

هل بقيت مريم في العراق بعد ولادة السيد المسيح؟
مصطفى الهادي.
دراسة.
هناك أدلة قوية من الكتب المقدسة وكذلك ادلة منطقية وتاريخية تؤيد أن السيدة مريم العذراء ولدت عيسى في العراق وبقيت فيه إلى حين بعث عيسى رسولا فرجع هو وأمه إلى فلسطين لتبليغ رسالته، وكذلك هناك أدلة أخرى تؤيد ما نذهب إليه من أن مريم بعد ذهاب ابنها السيد المسيح عليهما السلام الى السماء غادرت فلسطين ورجعت إلى العراق، ثم انقطعت أخبارها.
فهناك عدة احتمالات.

الأول قوله تعالى : (واتت به قومها تحمله). (1) بما أن القرآن لم يُبين لنا مكان قومها الذين اتتهم به، نستطيع أن نقول أن المقصود بهم اليهود القريبين منها في بابل وما حولها في زمانها ــ وكانت بابل قريبة من كربلاء وهي تحت الحكم الفارسي ــ حيث أن بني إسرائيل من بقايا السبي كانوا منتشرين في بابل ـ العراق ـ وإيران ، فكان المكان قريب عليها لأن كربلاء كانت من ضواحي بابل فتوجهت اليهم، فتعجبوا من امرها بعد أن دخلت عليهم وحيدة من دون زوج او رفيق طريق وهي تحملُ طفلا، ثم عرّفت عن نفسها ، فعرفوها نظرا لقرابتها من نبي الله زكريا ــ فهو زوج خالتها ــ وكذلك يعرفوها نظرا لاعتكافها وخدمتها في البيت المقدس. فقالوا ما قالوا ابتداءا متهمين إياها بالزنا، ولكن كلام وليدها في المهد حسم المسألة وأثبت لهم طهارتها فعرفوا لها مكانتها ولوليدها وقاموا بحمايتها وإيوائها، بعد أن وردتهم أنباء ما فعله الوالي الروماني بمن ولد من الأطفال في هذه السنة.

استقرت في العراق وتعددت أماكن اقامة مريم وابنها وذلك بسبب الحماية التي فرضها قومها عليها، لدرء الخطر عنها وعن وليدها من جواسيس الدولة الرومية الذين امتثلوا لأوامر ملك الروم فقاموا بقتل كل طفل ولد في السنة التي ذكرها العرّافون، وبقى هؤلاء الجلاوزة يتتبعون اخبار المواليد في شتى أرجاء الامبراطورية وخارجها ، فالروايات تذكر ثلاث أماكن تنقلت فيها مريم ، وهي : الكوفة (ظاهر الحيرة) ، وكربلاء ، وبغداد (براثا).وكانت هذه الأماكن تعج ببيّع اليهود ودور عبادتهم، ولم يذكر لنا أي من المؤرخين أن مريم سكنت في بيت ، بل كانت تتعبد وتعيش في دور العبادة، بعد أن نذرتها أمها لخدمة الرب. (فقالت امرأة عمران رب أني نذرت لك ما في بطني). (2)

الثاني: انها بعد ولادتها لعيسى رجعت إلى فلسطين وكان ذلك يسيرا على الله خصوصا وان زمانها كان زمان معجزات كثيرة فالذي يجعل رضيعا يتكلم في المهد كلاما بليغا أليس بقادر على أن يُسهّل لها سبل الوصول؟ وقد سار ابنها على الماء وطار في الهواء وكان يطوف العالم في ساعات كما يخبرنا الانجيل نفسه. فمريم إنما خرجت من فلسطين بأمر الله تعالى وكان الوحي معها. ورجعت الى فلسطين وكان الوحي معها.( فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا). وأنا بالنسبة لي لا أعتقد انها رجعت إلى فلسطين ، بل اتجهت إلى بابل وضواحيها مثل منطقة الكفل القديمة التي كان فيها انبياء يهود لا تزال معالم قبورهم ماثلة إلى هذا اليوم ولم يخرج الكثير من اليهود من بابل وضواحيها إلا في خمسينيات القرن الماضي في هجرتهم إلى فلسطين.

سبب بقائها في العراق في بابل يعود لأمرين .

الأمر الأول : حماية الدولة الفارسية لمريم وابنها لأن العراق وصولا للمنطقة الغربية كان يقع تحت الاحتلال الفارسي وكان الفرس يعلمون بحال المولود الجديد فتعهدوه بالرعاية والحماية كيدا منهم للدولة الرومانية التي كانوا في حرب معها ولذلك ارسل الملك الفارسي وفدا فيه كبار الكهنة المجوس لزيارته وتقديم الهدايا له : (ولما ولد يسوع .. في أيام هيرودس إذا مجوس من المشرق قائلين : أين هو المولود ملك اليهود؟وأتوا إلى البيت، ورأوا الصبي مع مريم أمه. فخروا وسجدوا له.ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا : ذهبا ولبانا ومرا).إنجيل متى 2 : 1ــ 11.

ولذلك نرى القيصر قد ارتاع لهذا الخبر، لأن ولادة نبي في ارض أعدائه يعني استثمار الأعداء له لاثارة الفتن والقلاقل في مملكته يقول في إنجيل متى 2: 3. (فلما سمع هيرودس الملك اضطرب).سبب اكرام المجوس الفرس للسيد المسيح هو أنهم سمعوا بأنه سيكون الملك، ولذلك عندما وصل الوفد إلى العراق سأل المجوس كما يقول إنجيل متى 2: 2 . (قائلين: أين هو المولود ملك اليهود؟). وهذا يعني أن الفرس استخدموا ميلاد السيد المسيح ورقة سياسية ضد ملك الروم ، خصوصا وأن بني إسرائيل في فلسطين كانوا ميالين للثورة، ومن هنا نرى غضبه واصداره لأمر قتل كل الاطفال الذين ولدوا في هذه السنة داخل فلسطين وخارجها كما يخبرنا إنجيل متى 2: 16: (لما رأى هيرودس أن المجوس سخروا به غضب جدا. فأرسل وقتل جميع الصبيان ..من ابن سنتين فما دون، بحسب الزمان الذي تحققه من المجوس).

الأمر الثاني وكما اسلفنا، هو أن قيصر الروم امر بذبح كل الاطفال الذين يولدون في هذه السنة كما نقرأ ذلك واضحا في الانجيل (حينئذ غضب ـ هيرودوس ـ جدا. فأرسل وقتل جميع الصبيان من ابن سنتين فما دون). (3) أمام هذا المشهد المروّع والمجزرة الرهيبة ليس من المعقول أن ترجع مريم برضيعها البالغ من العمر ساعات قليلة فهي بذلك كانها تُقدمه ضحية لغضب الوالي الروماني.يضاف إلى ذلك هناك نقطة مهمة جدا، وهي أن الإنجيل بعد أن يذكر ولادة السيد المسيح لم يتطرق لذكر مريم وأبنها إلى أن بلغ عيسى ثلاث وثلاثين عاما.فلا يوجد أي ذكر لمريم وابنها لأكثر من ثلاثين عاما من الطفولة الى مرحلة الصبا ثم الشباب ثم الكهولة.

فأين كانا طيلة هذه الفترة؟ ولماذا سكتوا عن ذلك. ولكن الإنجيل يذكر لنا حادثة تدلنا على أن عيسى لم يكن في فلسطين من الطفولة وحتى الكهولة وذلك عند دخول السيد المسيح إلى بيت لحم أول مرة قادما من المكان الذي كان فيه (العراق) فرح الناس فرحا عظيما وفرشوا له اغصان الزيتون في طريقه وبعضهم فرش ثيابه لكي تطأها بغلة او حمارة عيسى، فابتهاجهم بهذه الطريقة يدل على أنهم كانوا في شوق لرؤية عيسى ، وأنهم كانوا يسمعون أخباره من بعيد ، ولو كان بينهم طيلة هذه السنين لما حصلت هذه الحفاوة بهذه الصورة المبالغ فيها. فهي بمثابة فرح بمناسبة قدوم الغائب. فقد اتفقت ثلاث أناجيل على ذكر حادثة استقبال السيد المسيح من غيابه الطويل وهم : (متى ، مرقص ، لوقا). ثلاثتهم اتفقوا على وصف مقدار الفرح الذي ابداه الناس لقدوم عيسى : (والجمع فرشوا ثيابهم في الطريق. وآخرون قطعوا أغصانا من الشجر وفرشوها في الطريق.والجموع الذين تقدموا كانوا يصرخون : مبارك الآتي باسم الرب).(4) وهذا شبيه فرح بني إسرائيل بقدوم موسى من مديان بعد غياب سنين ، وفرح الناس بقدوم النبي من مكة إلى المدينة.

ودليل آخر على أن السيد المسيح لم يكن في فلسطين لفترة طويلة هو أنه عند دخوله لأول مرة طاف في اكثر المدن وفي كل مدينة يدخل يفرش الناس له ثيابهم ويقطعون الاغصان للترحيب به ، فقد دخل أورشليم أول مرة ثم بيت لحم ومدينة فاجي ، وبيت عنيا، جبل الزيتون وكل مدينة يدخلها تصرخ الجموع ويسبّحون بصوت عظيم.(5) فقد كانت اخبارمريم وابنها تصلهم من العراق سرا، ولذلك كانوا في شوق عظيم للقائه.

فلو بقيت مريم في فلسطين مع وليدها لما تجاهلهما من كتب الاناجيل طيلة ثلاث عقود اضافة إلى تجاهل متى و يوحنا و مرقص و لوقا. وكذلك من المتأخرين بطرس وبولص وغيرهم ممن قاموا بكتابة الاناجيل وأرخوا حياة السيد المسيح ولكنهم تجاهلوا ثلاث عقود من عمره. وكذلك بعد رحيل السيد المسيح إلى ربه اختفى ذكر مريم العذارء مجددا فلم يورد لها أحد خبرا، وكل ما زعموه من تبرير اختفائها هو أن الله رفعها بجسدها أيضا إلى السماء.

يقول القمص تادرس : (أغلب الطوائف والكنائس المسيحية تقول أنّ السيدة مريم انتقلت إلى السماء بالروح والجسد (أي رفعها الله تعالى عنده مثل ولدها عيسى عليه السلام)، ولكنهم يختلفون في بعض التفاصيل مثل: الكنيسة الكاثوليكيّة تقول أنّ السيدة مريم عليها السلام انتقلت إلى السماء بروحها وجسدها في نفس الوقت.والكنيسة الأرثوذكسيّة تقول أنّ هذا الانتقال كان لروحها أولاً، وبعد وفاتها بفترة قصيرة انتقل جسدها إلى السماء.والغريب في أقوالهم أنهم يرفضون أن يكون عيسى قد رفعهُ الله إليه مباشرة جسدا وروحا. فيقولون أن الله سمح بصلب عيسى ومقتله بتلك الطريقة البشعة ثم بقاءه تحت الأرض ثلاث أيام ثم اقامه ورفعه. ولكن أمه يزعمون أن جيشا من الملائكة نزل ورفعها روحا وجسدا مباشرة إلى السماء حيث جلست على يمين الله.

ولكن بعض الطوائف المسيحية تنكر انتقال السيدة مريم، وتقول أنّ انتقال الروح والجسد للسماء كان فقط للنبي عيسى عليه السلام، ويقولون أن قبرها موجود في مدينة القدس في كنيسة الجسمانية، في داخل جبل الطور عند باب الأسباط. وسبب هذا الخلط هو أنها خرجت من فلسطين بعد رحيل أبنها، فبقى مكان مريم العذراء مجهولا لأكثر من عشرين عاما إلى أن أشار بطرس في رسالته الأولى إلى مكانها بقوله : (تُسلّم عليكم التي في بابل المختارة ومرقس ابني).(6) وعلى الأرجح انه ابهم اسمها خوفا عليها من الدولة الرومانية الوثنية التي بدأت تلاحق اتباع المسيح فتعدمهم قتلا أو في حلبات الصراع مع الاسود.

ودلنا على أن المقصود من كلام بطرس أنه يقصد مريم العذراء هو اختلاف المفسرين واضطرابهم في تفسير قول بطرس (تسلم عليكم المختارة). فالقمص تادرس يعقوب يقول : (أن بابل على الأرجح هي بابليون أي مصر القديمة). فالقمص هنا غير متأكد، ولكن مفسر آخر يُخالفه الرأي فيقول: (أن بابل هي زوجة القديس بطرس الرسول، وهي زوجة فاضلة مختارة من قبل الرب، كانت تعين الرسول وتجول معه ومعروفة لدى المؤمنين).(7)

نستطيع من خلال ما ذكرناه أعلاه لا بل لربما نُجزم بأن زوجة بطرس التي اطلق عليها اسم (المختارة). والمعروفة من قبل المؤمنين، هي مريم العذراء التي زعم بطرس أنها زوجته وأن ابنه منها هو مرقس وذلك لدفع الخطر عنها كما أسلفنا.

ونظرالهذا الاختفاء العجيب للسيدة مريم العذراء، ظهر عبر الزمان قبور عديدة يزعمون أنها للسيدة مريم. فلا أحد يعرف اين قبرها ، ولربما اخفاء قبرها كان متعمدا خوفا عليها من جلاوزة السلطة الرومانية ، كما فعل الإمام علي عليه السلام بقبر الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام عندما اخفى قبرها ، لا بل عمل عدة قبور وهمية، خوفا عليها من الظالمين. حتى قبره سلام الله عليه ولفترة طويلة لا أحد يعرف مكانه.(                </div>
            </div>

        </div>
        <div class=
أخترنا لك
بمناسبة شهر رمضان المبارك . اعرف ماذا عند الاخر .

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف