وشروه بثمن بخس دراهم. هل كانت الدراهم موجودة في زمن النبي يوسف (ع)

2023/02/26

(وشروهُ بثمنٍ بخسٍ دراهمَ). هل كانت الدراهم موجودة في زمن النبي يوسف (ع)
مصطفى الهادي.
يُشكل البعض على القرآن الكريم فيقول بأن القرآن اخطأ بقوله : (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة).(1) فيزعم هذا القائل أن الدراهم لم تكن موجودة في زمن النبي يوسف (ع).وإنما ظهرت بعد الاسلام في زمن خلفاء بني أمية ، فمن أين جاء القرآن بكلمة دراهم؟

ونقول أولا : أن الدرهم هو جزء من وحدة قياس كانت تُستعمل في الأوزان والمكاييل. وهو جزء من اثنا عشر جزءا من الاوقية. ولم يكن له شكلٌ معيّن. (2) ثم اتخذ شكله فيما بعد اختصارا للتعاملات التجارية والتخلص من عملية البيع والشراء بالمقايضة والكيل فضربوه من الذهب والفضة. ولعل السائل الذي اشكل على القرآن لم يطلّع على كتب الاقدمين بل اعتمد على ما ورد في كتب مثل الكامل في التاريخ وغيره الذين قالوا بأن عبد الملك بن مروان هو أول من ضرب الدنانير والدراهم في الاسلام .(3) فبرز في خاطر السائل سؤال مفاده ، إذا كان الدرهم تم ضربه بعد نزول القرآن ، كيف يقول القرآن (دراهم معدودات) ولكن السائل تغافل وتقاعس عن البحث وتمسك بما وجد وفاته أن وجود الدراهم قبل الإسلام أمرٌ مفروغ منه ، لأن عبد الملك بن مروان إنما ضرب دراهم اسلامية بعد أن استخدم الرومان دراهمهم سياسيا للتأثير على اقتصاد الدولة الاسلامية ، ومحاولة اهانة مقدساتها.

وقد استخدم القرآن كلمة درهم نظرا لشيوعها في زمن النزول فقد كانت عملة متداولة من الذهب والفضة في كل من الدولة الفارسية والرومية ويتداولها العرب أيضا. فكان اليهود والنصارى يعرفون هذه العملة، وقد اشتهر باسمها بعض الشخصيات في زمن الجاهلية والإسلام ، مثل : درهم ابو زياد ، ودرهم أبو معاوية وهما صحابيان ، وحمّاد بن زيد بن درهم، وهو محدّث. فاستخدم تعالى ما هو شائع في زمن النزول.

وذكر البلاذري أن الدراهم والدنانير كانت ترد إلى مكة في زمن الجاهلية ، فقال : (كانت دنانير هرقل ترد على مكة في الجاهلية و ترد عليهم دراهم الفرس البغلية).(4) فقد كانت هذه الدراهم شائعة قبل مجيء الاسلام وبعده. حتى أن عمر بن الخطاب قال : (لقد هممت أن أجعل الدراهم من جلود الإبل، فقيل له: إذن لا يبقى بعير فأمسك).

وفي قوله تعالى (بثمن بخس) اشارة إلى بخس الثمن وقلته الذي باعوا به نبيا ينحدر من سلالة أنبياء وهو كذلك شابٌ يافع قوي البنية شروه ببضع قطع من الفضة (دراهم) فكانوا بذلك من الزاهدين به.
والعرب تقول للشيء الذي تبيعهُ (اشتريتهُ) وقد قال ابن مفرّغ عندما باع عبدا لهُ اسمهُ بُردا :
وشريتُ بُردا ليتني ــ من قَبلِ بُردٍ كنتُ هامه.

فقوله تعالى : (وشروه بثمن بخس) اي باعوه. ونستفيد من قوله تعالى (دراهم معدودة) اي انها قطع نقدية يُمكن عدها ، وكما يقول المفسرون بأنها كانت أقل من أربعين درهما. لأنهم كانوا في ذلك الزمان لا يزنون ما كان وزنه أقلّ من أربعين درهما. وكان وزن الأوقية أربعين درهما.(5)
وفي تفسير القمي قال : الذي بيع بها يوسف ثمانية عشر درهما. وعن الإمام الرضا عليه السلام قال : كانت عشرين درهما.(6)
وفي تفسير الطباطبائي قال : (إنهم كانوا إذا كثرت الدراهم أو الدنانير وزنوها ولا يعدون الا القليلة منها والمراد بالدراهم النقود الفضية الدائرة بينهم يومئذ).(7)

ثانيا : تاريخيا فإن العملات القديمة التي كانت متداولة في زمن النبي يوسف وقبله هي الدنانير والدراهم من الذهب والفضة وهذا ما ورد في الكتب المقدسة ومنها التوراة مثلا حيث نقرأ في سفر أخبار الأيام (أعطوا لخدمة بيت الله عشرة آلاف درهم من الذهب).(                </div>
            </div>

        </div>
        <div class=