اليمبوس وأرواح الاطفال .
مصطفى الهادي.
# أحكام كثيرة صدرت في الكتب المقدسة ضد الطفولة ، فكان الأطفال وبناءا على هذه النصوص الدينية المجحفة عرضة للتنكيل عند اي عمل عسكري ، يضاف إلى ذلك أن الأطفال هم الفئة الأكثر شقاءا كما يصفهم الكتاب المقدس : (إن جميع الاعداء هم أجهل الناس ، وأشقى من نفوس الأطفال).(1) ولا أدري ماذا عملت الطفولة حتى توصف بأنها شقية؟ فإذا حصل هجوم فإن النصوص المقدسة تأمر بـ (تحطم أطفالهم أمام عيونهم طوبى لمن يمسك أطفالك ويضرب بهم الصخرة). (2)
# والغريب أن النصوص الدينية لاحقت الأطفال بالتنكيل حتى بعد وفاتهم فلم تسمح لهم بدخول السماء لان نفوسهم شقيّة فسكتت الكتب المقدسة عن معالجة مسألة وفاة الطفل وأين يكون مصيره هل هو إلى الجنة أو إلى النار وبعد مضي اكثر من الف وخمسمائة سنة على نزول التوراة ، ومضي اكثر من ستمائة سنة على نزول الانجيل قام كبار رجال الدين المسيحي بوضع قانون اطلقوا عليه (أليمبوس). فقد اخترعوا منطقة ثالثة غير الجنة والنار وجعلوها خاصة لأرواح الأطفال الشقيّة هذه المنطقة أليمبوس المطهر، حيث تتعذب روح الطفل في القبر إلى أن تطهر ثم تدخل السماء.ولربما لن تدخل السماء لأنها لم تنل بركة المسيح.
# ثم جاء دانتي في جحيمه (الكوميديا الإلهية) فخصص عذابا للمنطقة الثالثة أليمبوس حيث يتم تعذيب هؤلاء الأطفال الاشقياء بتعليقهم في اثداء امهاتهم في الجحيم.وبيّن سبب هذا العذاب قائلا : هذه المنطقة تودع فيها أرواح الذين نشأوا في أزمنة الكفر ــ ويقصد من الأديان الأخرى الذين لم ينالوا بركة المسيح ــ. او كما يقول المفسر المسيحي: (أي هم في شقاء لإعتمادهم على آلهة لا تنفع، وعقلهم في جهلهم أصغر). (3)
# واما القمص تادرس يعقوب ملطي فقد انتبه إلى هذا الخطأ فقام بتحريف الآية لكي يستقيم النص فقلبه وكتبه هكذا (وأشقى من الأطفال أنفسهم).(4) فقدّم وأخّر متلاعبا بالنص المقدس. بينما النص الأصلي يقول : (وأشقى من نفوس الأطفال).
# وكما خصص المسلمون مكانا في الأرض تتعذب فيه ارواح الاشقياء في وادي برهوت في اليمن،(5) فإن بورخيس رسم خريطة لمنطقة تعذيب أرواح الاطفال في اليمبوس استنادا إلى توصيف دانتي فقال :أن المطهر أليمبوس يقع مقابل جبل صهيون في القدس وتحته مباشرة.(6)
# وهكذا يستمر مسلسل تحميل الأطفال ما لا ذنب لهم فيه فأمعنوا فيهم قتلا وذبحا حتى لو كانوا رضّعا : (اقتل رجلا وامرأة، طفلا ورضيعا، بقرا وغنما، جملا وحمارا).(7) وبلغ الحقد على الطفولة أن الكتاب المقدس يأمر ان يُشنق الاطفال في أعناق امهاتهم. (8) ولكن الأغرب من كل ذلك أن البابا أصدر مرسوما بابويا ألغى فيه عقيدة أليمبوس قائلا أن أرواح الاطفال تذهب مباشرة إلى السماء. وهكذا وبعد ثلاث آلاف عام تذكروا أن للاطفال أرواحا تستحق ان تذهب إلى السماء.(9)
المصادر:
1- سفر الحكمة 15: 14.
2- سفر إشعياء 13: 16.و سفر المزامير 137: 9.
3- أنظر شرح الكتاب المقدس انطونيوس فكري - العهد القديم - القس أنطونيوس فكري حكمة سليمان 15 - تفسير سفر الحكمة.
4- أنظر تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب سلسلة من تفسير وتأملات الآباء الأولين حكمة سليمان 15 - تفسير سفر الحكمة الوثنية وانحطاط البشرية.
5- في حديث قالوا: (أبغض البقاع إلى الله تعالى وادي برهوت بحضرموت فيه بئر ماؤها أسود منتن يأوي إليه أرواح الكفار).
6- أليمبوس له اسم آخر هو : تارتاروس وهو في الإلياذة يمثل السجن تحت الأرض يسكنه الذين تمردوا في حياتهم ضد الآلهة وهو مكان عقاب المخطئين وموقعه على الأرض بعد موتهم أصبح يستعمل كرمز للعالم السفلي.
7- سفر صموئيل الأول 15: 3.
8- سفر المكابيين الأول 1: 64. وعلقوا الاطفال في أعناقهن ، وانهبوا بيوتهن.
9- ولكن يرى بعض المراقبين ان الفاتيكان منع عقيدة أوليمبوس لا لأنها غير منطقية بل لمنع آباء وأمهات الأطفال المسيحيين الذين يموتون في الدول الفقيرة من التحول الى الاسلام، حيث تقول العقيدة الاسلامية ان الأطفال الأبرياء يذهبون الى الجنة مباشرة بعد وفاتهم. من مقال نشرعلى جريدة (BBC,ARABIC) عدد الجمعة 06 أكتوبر 2006 11:52.