عناصر الخلق اربع : نار ونور وتراب وماء. من هذه العناصر خُلق الكون وما فيه. ولكل مخلوق مميزاته التي يتميز بها عن الآخر. وموضوعنا هو : ماذا يأكل الملائكة . وهل يموت الملائكة. وكيف يموتون.

في البداية نقول أن الموت واحد مهما تعددت صوره واختلفت اشكاله. ولكن أن نجعل مثلا الملائكة الذين هم خلق آخر لا علاقة له بالماديات ثم ننسب لهم افعال الإنسان ومنها الموت فهذا يُنافي العقل. ففي الكتاب المقدس فإن الملائكة تشتهي بنات الناس وتدخل بهن فيولد جيل مسخ لا علاقة له بالطرفين. وفي الكتاب المقدس أن الملائكة يأكلون الخبز واللحم وان

هذه الخبز باستطاعة الانسان ان يأكله أيضا.

أولا : ماذا يأكل الملائكة؟

في القرآن والأحاديث فإن زاد الملائكة هو التسبيح (يُسبّحون بحمد ربهم ويؤمنون به).(1) وقد اثبت لنا القرآن بأن الملائكة لا يأكلون طعام البشر، وهذا ما نراه يلوح في قصة إبراهيم عندما زاره الملائكة وأعد لهم الطعام (فما لبث أن جاء بعجل حنيذ فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة).(2) فالملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا يُصفون بذكورة أو أنوثة. (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون).(3) ولكننا وكما ذكرنا فإن الكتاب المقدس يجعل لهم تصرفات مثل البشر لا بل يذكر بأن للملائكة طعام في السماء خاص بهم ورد ذلك في عدة مواضيع نقرأ منها ما جاء في سفر الحكمة (اطعمت شعبك طعام الملائكة، وأرسلت لهم خبز السماء خبزا معدا لا تعب فيه،يتضمن كل لذة، ويُلائم كل ذوق).(4)

وكذلك نقرأ (وأمر عليهم منّا للأكل، وبِرّ السماء أعطاهم، أكل الإنسان خبز الملائكة، وأرسل عليهم زادا للشبع، فأكلوا وشبعوا جدا).(5)

في تفسير معنى خبز الملائكة وحنطتهم يقول المفسر المسيحي : (طعام الملائكة ويتشكل بأشكال كثيرة تناسب كل ذوق وهو طعام نازل من السماء وهو طعام سبق إعداده).(6) ويرى العلامة أوريجينوس : (إن المؤمن ينطلق في الطريق الملوكي وسط رحلة البرية . فينال خبز الملائكة). ويُعقب الأب أنثيموس الأورشليمي بقوله : (لقد انفتحت مخازن السماء العظيمة على مصراعيها، لم يتعبوا في زرع او حصاد أو طحن أو أعداد الطعام، لكنه كان مائدة معدة للطعام الفوري. قدم الله طعاما يأكل منه الكل بلا تمييز الكل يجد فيه كفايته). ولربما يقصد الاب بقوله (مائدة مُعدّة) هي المائدة التي نزلت على السيد المسيح وتلاميذه فأكلوا منها.(7) ولكن مع ذلك لا يُشير القرآن على أن هذه المائدة من طعام الملائكة. بل ورد في الأحاديث أن هذه المائدة من طعام الجنة.

ثم يقول القديس باسيليوس الكبير : (إنهُ الخبز نفسه الذي شارك فيه العبرانيون الملائكة ، نجد في المزمور مكتوبا أن الملائكة تتناول هي أيضا غذاء، تشارك فيه رجال العبرانيين فيصبحون بذلك معهم رفقاء مائدة).

مع أن نصوص خبز الملائكة توراتية خاصة باليهود ولكن المسيحية اعتبرت ذلك بشارة بالسيد المسيح كما نقرأ في اكثر تفاسيرهم ومنها قولهم : (كان خبز السماء نموذجا ليسوع ذاته، خبز الله الذي نقتات به وهكذا يشبع جوعنا الروحي فيُمطرُ علينا كل ما هو في المسيح والمسيح أيضا هو خبزُ السماء).(

أما موت الملائكة فلم يرد فيه شيء واضح لا في الكتاب المقدس ولا في القرآن ولكن الكتاب المقدس يذكر لنا الحروب الطاحنة التي حدثت بين الملائكة ومخلوق آخر في السماء انتصرت عليه الملائكة وطردته إلى الأرض. حيث ينفرد سفر الرؤيا في ذكر تفاصيل هذه الحرب ويقول بأنها حصلت بين الملائكة بقيادة كبيرهم ميخائيل، ضد أولئك الذين يقودهم (التنين).

يقول في سفر الرؤيا : (وحدثت حرب في السماء : ميخائيل وملائكته حاربوا التنين، وحارب التنين الملائكة. فلم يوجد لهم مكانهم بعد ذلك في السماء. فطرح إلى الأرض وطُرحت معهُ ملائكته).(9) ولم يذكر لنا هذا السفر نوع الأسلحة ولا عدد القتلى ولكن بالتأكيد كان هناك قتلى من الطرفين وبذلك يؤكد الكتاب المقدس من خلال هذا النص بأن الملائكة يموتون أيضا.

يربط الدكتور فريدريك هولويك بين معركة الملائكة في السماء مع هذه الشخصية الغامضة (التنين) وبين المعركة الأخيرة للبشرية على الأرض فيقول : (يتكلم يوحنا عن الصراع العظيم في نهاية الزمان، الذي يُمثل أيضا حرب السماء الواقعة في بداية الزمان،أصبح مفهوم حرب في السماء تنشبّ في نهاية الزمان ملحقاً لقصة سقوط إبليس عند نشأة الزمان).(10) القرآن لا يذكر لنا بأن هناك حربا ضروس اندلعت في السماء بين الملائكة والتنين او ما يُطلق عليه الشيطان وجنوده ، بل يقول بأن الله امر الشيطان وأتباعه بأن يهبطوا إلى الأرض مكان نفيهم: (قلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر).(11)

اما في الإسلام فمع أن الملائكة لها سلطة قبض الأرواح (الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم).(12) لا بل لهم سلطة استخدام الضرب الشديد لاستخراج الأرواح العاصية (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم).(13) إلا أن هؤلاء الملائكة لهم يوم يموتون فيه ثم يُحييهم الله. فلا يموتون مثل البشر الموت التدريجي عبر مراحل الحياة.فهم باقون ما دامت السماوات والأرض. وإذا بُدلت الأرض غير الأرض والسماء ومات الجميع غير السماء أحيا الله الملائكة من جديد.(14)

وورد في التفاسير والأحاديث عندما يُنفخ في الصور وتهلك البشرية تقول الملائكة : هلك أهل الأرض، فنزل قوله تعالى : (كل من عليها فان).(15) أي كل من على الأرض يفني ، ثم قال تعالى : (كل شيء هالك إلا وجهه).(16) فأيقنت الملائكة بالهلاك.(17) وهناك قصص وروايات اتفق فيها السنة والشيعة على أن الملائكة تموت حتى جبرئيل وميكائيل واسرافيل وآخرهم عزرائيل ملك الموت.(18)

المصادر:

1- سورة غافر الآية : 7.

2- سورة هود آية : 69.

3- سورة الزخرف آية : 19.

4- سفر الحكمة 16 : 20.

5- سفر المزامير 78 : 25.

6- انظر شرح الكتاب المقدس القمص أنطونيوس فكري تفسير سفر الحكمة.

7- سورة المائدة آية : 114. (إذ قال الحواريون ياعيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء).

8- انظر مقالة للدكتور جون فيلبس في 2 / اكتوبر/ 2014. موضوع تحت عنوان (خبز الملائكة).

9- سفر رؤيا يوحنا 10 : 7ــ 12.

10- انظر الموسوعة الكاثوليكية ص : 1911، مقال القديس ميخائيل كبير الملائكة، فريدريك هولويك.

11- سورة البقرة آية : 36.

12- سورة النساء آية : 97.

13- سورة الأنفال آية : 50.

14- أنظر تفسير المناوي فيض القدير الجزء 3، ص : 561.

15- سورة الرحمان آية : 26.النفخ في الصور كناية لطيفة عن كيفية نهاية العالم.وقوله يوم يُنفخ في الصور، قال بعضهم تعني النفخ في الوجه ، مثلما نفخ الله تعالى الروح في بدن الإنسان (نفخت فيه من روحي) فينفخ الله مرة أخرى في وجوه بني آدم فيسترد هذه الروح فيموتون جميعا، ثم ينفخ مرة أخرى فترجع فيهم الروح الى يوم الجزاء.

16- سورة القصص:88.

17- تفسير القرطبي ج 17 ، ص : 165.

18- ثم يجيء ملك الموت إلى الجبار، فيقول: يارب،قد مات حملة العرش، فيقول الله وهو أعلم: من بقى؟، فيقول: بقيت أنت يا رب، الحي الذي لا تموت، وبقي جبرئيل وميكائيل، وبقيت أنا،فيقول الله: فليمت جبرئيل وميكائيل، فيموتان..ثم يجيء ملك الموت إلى الجبار فيقول يا رب مات جبرئيل وميكائيل، فيقول الله وهو أعلم: فمن بقى؟ فيقول: بقيت أنت الحي الذي لا تموت، وبقيت أنا، فيقول الله: أنت خلق من خلقي خلقتك لما قد ترى، مت.. ثم ينادي: لمن الملك اليوم؟ ثم يرد على نفسه : لله الواحد القهار. ثم ينادي : أين الذين كانوا يدّعون معي شريكا؟ أين الذي كانوا يجعلون معي إلها آخر؟.أخرجه ابن ابي الدنيا في كتابه الأهوال.ص : 54. وابن حجر في فتح الباري الجزء 11 ، ص : 368.وكذلك الرواية عن طريق الشيعة بسندهم إلى أبي عبد الله عليه السلام. الحر العاملي الفصول المهمة في أصول الائمة الجزء الأول ، ص : 297.