شخصيات عصر الظهور، هل ذكرتهم الأديان
السابقة؟
مصطفى الهادي.
مع وجود القرآن والأحاديث النبوية الصحيحة لا
حاجة لنا بالإنجيل والتوراة لنستخرج منها ما يؤيد ديننا وما سوف
يحصل في قادم الأيام ، ولكن لولا أن القرآن اشار في عدة مواضع إلى
إمكانية الرجوع إليهما لوجود بعض الاشارات الصحيحة المتعلقة بهذه
المواضيع ومنها وجود ذكر رسول الله (ص). (1) مثل قوله تعالى :
(النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل).
وكذلك وجود ذكر الأئمة المعصومين وما سوف يجري
عليهم وكذلك ذكر القاعدة الصالحة من صحابة الرسول (ص). (محمد رسول
الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا
يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك
مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل). (2) يضاف إلى ذلك ما رأيناه
من استخدام نبينا وأئمتنا المعصومين من اسلوب الحوار مع اليهود
والنصارى وأهل الملل المختلفة كلٌ بكتابه ويُلزموه بما عنده. (قل
فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين). (3)
من هذا المنطلق قمنا بالكثير من البحوث
استخرجنا فيها بعض ما كان خافيا اضافة إلى الاستعانة بما يُقدمه
المفسر المسيحي من تفسيرات، لأننا لا نجد حِكم وأقوال وأحاديث
الانبياء السابقين في كتاب منفرد بسبب اختلاطها بنصوص التوراة
والإنجيل.
نبدأ من شخصية إيليا التي وردت كثيرا في
الإنجيل والتوراة. هذه الشخصية المثيرة للجدل بصورة كبيرة والتي
ظهرت عبر مراحل نبوات الأنبياء السابقين في صور مختلفة وكان آخر
ظهور لهذه الشخصية قبل رحيل عيسى إلى ربه في لقاء غامض جمع بين
موسى وعيسى وإيليا. ويدلنا على عظيم مكانة إيليا عند المسيح أنه
ــ حسب رواية الإنجيل ــ استنجد به واخذ يستغيث به بصوت عال سمعهُ
كل من كان حوله مما دفعهم للتندر والسخرية من السيد المسيح الذي
يزعم في نظرهم أنه نبي أو اله او ابن اله ، وإذا به يستغيث بشخصية
غير معروفة عندهم.(4) فلا ضير إذن من البحث في كامل الكتاب المقدس
لاستخراج ما تم اخفائه او تحريفه او تبديله، فنحن نستجلي النصوص
ونُقدم ما نراه منطقيا مقبولا على ضوء الأدلة والبراهين.
فماذا نجد في الكتاب المقدس حول هذا الموضوع.
نجد في هذا الكتاب يعضده كم لا بأس به من
الروايات الإسلامية من ان أخنوخ هو الخضر فبعد ما عاش ما يقرب من
اربعمائة سنة اخفاه الله لمهمة على غاية السرّية .كما نقرا :
(فكانت كل أيام أخنوخ ثلاث مائة وخمسا وستين سنة. وسار أخنوخ مع
الله ولم يوجد لأن الله أخذه).(5) يقول المفسر المسيحي ، بأن
أخنوخ بعد ما عاش طويلا أخذهُ الله إليه ليجعلهُ في حالة فردوسية
لا يشيخ ولا يهرم ولا يموت : (وأخنوخ يُمثل استرداد الإنسان
لحالته الفرودسية الأولى وانتقال أخنوخ هو نبوة عملية عن الحياة
الأبدية. فلا يمكن للموت الروحي أن يجد له موضعا فيه).(6)
ثم يقول بأن أخنوخ وإيليا سيعودان إلى الأرض
مرة أخرى،يقول الأنبا بشوي : (على مدى تاريخ البشرية رفع الله
شخصين من الأنبياء أحياء إلى السماء، وهما أخنوخ السابع من آدم
وإيليا الذي صعد بمركبة نارية وخيل ناري إلى السماء. ولكن ليس إلى
السماء العليا سماء السموات في الملكوت، بل إلى سماء معينة وقد
وعد أنه سوف يرسل إيليا قبل مجيء يوم الرب العظيم المخوف، فالله
يحفظهما عنده لكي يشهدا للمسيح الحقيقي امام الوحش).(7) ثم يتكلم
هذا المفسر عن قدرات إيليا الهائلة المتصلة بالله تعالى فيقول :
(هذان لهما السلطان أن يغلقا السماء حتى لا تمطر، وأن يضربا الأرض
بكل ضربة ، من الذي صلى ولم تمطر السماء ثلاث سنين وستة أشهر؟ إنه
إيليا).(8)
مما تقدم نفهم أن إيليا واخنوخ هما من أهم
عناصر عصر الظهور وهذا ما تراه المسيحية أيضا ودورهما ينحصر في
أنها سيظهران مع المسيح ولذلك بقيا أحياء وعندها يظهر إيليا مرة
أخرى، فكما حبس إيليا المطر ثلاث سنين بدعائه ، سوف يطلق السماء
مدرارا على الأرض التي تُظهر خيراتها.وأنهما سيحاربان الوحش
(الدجال) ويؤسسا مدينة العدل الإلهية ومن هنا نرى القس مار مرقس
يقول في تفسيره لعودة إيليا وموسى ولقائهما بالسيد المسيح : (ظهر
موسى الذي يُمثل اليهود، وإيليا الذي يُمثل الأنبياء، وقد أكد
المسيح أن إيليا سيأتي ثانية ليدعو الناس للتوبة، وسيحدث هذا قبل
الدينونة مباشرة، وسط هياج الشر، ليعيد الناس إلى الإيمان، في آخر
فرصة متاحة للبشرية قبل اليوم الأخير).(9)
فظهور موسى وإيليا ولقائهما بعيسى وصلاتهم خلف
إيليا هو مصداق ما نريد قوله من أن عيسى سوف يُصلي خلف المهدي
يقول متى : (وظهر إيليا مع موسى، وكانا يتكلمان مع يسوع).(10) هذا
الثلاثي الذي يُمثل اليهود والنصارى والمسلمين لا بل شخصية إيليا
تُمثل كل الأنبياء كما ورد في تفسير المفسر أعلاه. هذا الثلاثي هو
الذي سوف يتصدى لكل أنواع الانحراف المادي المتمثل بشخصية الدجال
(الوحش).
وتتجلى الحكمة الإلهية في اختيارها لمن تريد
ابقائه حيا إلى يوم القيامة حيث يختار الله شخصا من أوليائه في
فترات متباعدة قد تبلغ ألوف السنين ، مثلا اختار تعالى (أخنوخ)
الخضر، الذي هو السابع من ولد آدم ، ثم اختار إيليا ، ثم اختار
عيسى وبينهما فاصلة ألوف السنين ، وهكذا اختار من الاسلام شخصا
أيضا الفاصلة الزمنية بينه وبين عيسى الوف السنين وهؤلاء عاصروا
أمورا مصيرية اكسبتهم خبرة هائلة اضافة إلى ما افاضه الله عليهم
من علم وحكمة، ومن بين أحد أهم هذه الخبرات هي معاصرتهم لقيام
الامبراطوريات العظمى منذ نشوئها وحتى انهيارها حيث يعرفون في
دراسة عملية اسرار نهوضها وأسرار سقوطها.
يضاف إلى ذلك وجود شخصية غامضة جدا في الإنجيل
اطلقوا عليه اسم (ملكي صادوق) فوصفوا هذه الشخصية بأوصاف غريبة
منها أنه : بلا بداية ولا نهاية، لا بل أنه ينتحل شخصية المسيح
كما يقول : (ملكي صادق هذا، بلا اب ، بلا أم ، بلا نسب. لا بداءة
أيام له ولا نهاية حياة. بل هو مشبّه بابن الله).(11) وكأن ملكي
صادق هذا يسير جنبا إلى جنب الخضر أخنوخ إلى آخر يوم يظهر فيه
متلبسا شخصية السيد المسيح ومن هنا نستطيع القول بأنه لربما
المسيح الدجال. ولرب قائل يقول : بأن ملكي صادق رجلٌ صالح ، فأقول
له : بحسب رواية الكتاب المقدس فإن شخصية ملكي صادق أيضا تلبسها
أشخاص آخرون كما نقرأ : (إلى أن يقوم كاهنٌ آخرُ على رتبةِ ملكي
صادق ولا يُقال على رتبة هارون. على رتبة ملكي صادق يقومُ كاهنٌ
آخرُ).(12)
ومن هذا النص يتبين أن هناك كاهن او كهنة على
رتبة ملكي صادق. أي منتحلين شخصيته ايضا ، حيث نفى النص أن يكون
على رتبة هارون، أي لم تكن الوصاية فيه.
ها قد مضت اليهودية والمسيحية ولم تتحقق بعض
النبوءات التي جاء ذكرها في كتبهم. وأما في الإسلام فهو لا يزال
يسعى نحو اليوم الذي ذكرته الأديان والذي ستنعم فيه البشرية
بالأمان والعدل والسلام. ففي سفر ملاخي ورد وصفٌ لشخص اطلقوا عليه
اسم إيليا هذا الشخص سيأتي في يوم خصصه الله تعالى لتأديب
الظالمين ويُشعل عليهم الأرض نارا، وها قد مضت الأديان ولم يأت
إيليا الذي أوعد الله فيه البشرية بالخلاص على يديه كما نقرأ في
هذا السفر: (فهوذا يأتي اليوم المتقد كالتنور، وكل المستكبرين وكل
فاعلي الشر يحرقهم اليوم الآتي، فلا يبقى لهم أصلا ولا فرعا.هأنذا
أرسل إليكم إيليا قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم المخوف، فيرد
قلب الآباء على الأبناء، وقلب الأبناء على آبائهم). سفر ملاخي 4 :
1 ــ 6. وشخصية إيليا لا علاقة لها بالأنبياء السابقين فهي شخصية
مستقلة ورد ذكرها في الروايات الإسلامية كثيرا.
خلاصة البحث أن هذه الشخصيات الأربعة التي
اختار الله بقائها عبر الزمان وإلى نهايته هي التي ستدور عليها
أحداث يوم الخلاص. وإذا كان إيليا الذي هو ابرز شخصية بينهم وكما
يقول البعض بأنه هو المهدي فهذا يعني أن بقاء هؤلاء الاشخاص أحياء
هو من اجل مسايرة المهدي طيلة هذه الفترة وأن حضور إيليا على جبل
التجلي وصلاة عيسى خلفه ، يدفعنا بأن نقول بأن عيسى فعلا سوف
يُصلي خلف المهدي في عودته الثانية.
المصادر:
1- سورة الأعراف آية : 157.
2- سورة الفتح آية : 29.
3- سورة آل عمران آية : 93.
4- في عقيدتي أن نداء استغاثة المسيح بإيليا، له علاقة بما يطلقه
بعض المسلمين من نداء استغاثة بالقائم المهدي ، في دعاء الندبة
الذي يقولون فيه : (يا مولانا يا صاحب الزمان الغوث الغوث الغوث
ادركني ادركني ادركني الساعة الساعة الساعة العجل العَجل العَجل).
5- سفر التكوين 5 : 22.
6- شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص أنطونيوس فكري تفسير
سفر التكوين 5 .
7- مكتبة الكتب المسيحية المكتبة القبطية الأرثوذكسية كتاب سلسلة
محاضرات تبسيط الإيمان - الأنبا بيشوي مطران دمياط 215- عودة
أخنوخ و إيليا إلى الأرض.
8- مكتبة الكتب المسيحية المكتبة القبطية الأرثوذكسية كتاب سلسلة
محاضرات تبسيط الإيمان - الأنبا بيشوي مطران دمياط 215- عودة
أخنوخ و إيليا إلى الأرض.
9- شرح الكتاب المقدس - الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد:
كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة شرح لكل آية متى 17 - تفسير إنجيل
متى.
10- إنجيل مرقس 9: 4.
11- رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 7 : 1 ـ 3 .
12- الرسالة إلى العبرانيين 7 : 11 ــ 15.