توضيح على بحث السيدة إيزابيل آشوري حول ولادة السيد
المسيح في كربلاء.
دراسة للوقائع التاريخية.
مصطفى الهادي.
هذه دراسة تضع النقاط على الحروف وتكشف جانبا مهما لم يُكشف عنه لحد الآن حول مكان ولادة السيد المسيح عليه السلام . مع شكري مقدما.
الوجه الأول : الذي لم تبحثه السيدة آشوري هو مسألة الملوك المجوس الثلاث (1) الذي زاروا فلسطين ليكونوا شهودا على ولادة السيد المسيح ، فلو ان نص الإنجيل اكتفى بالقول انهم حضروا ولادة السيد المسيح لكان ذلك لربما مقنعا ، ولكن ان يقول الكتاب المقدس ان قيصر روما استدعاهم ومثلوا بين يديه ثم خدعوه وانصرفوا بأمان فهذا مما لا يقبله العقل أبدا . فهل كان القيصر ساذجا أو مغفلا . هكذا وبكل بساطة يُدخل مملكته وقصره ثلاثة من ألد اعدائه (الفرس المجوس) الذي كان في حرب طاحنة معهم مع علمه أن الاختراق والتجسس واردٌ من كلا الطرفين.ثم يتركهم يضحكون عليه ويكذبون ويُثيرون البلبلة في كل المناطق التي دخلوها وهم يُرجفون بولادة (ملك اليهود) ويخرجون بسلام بعد اشاعتهم الفوضى في مملكة القيصر؟
ثم لماذا شهدوا بولادة ملك اليهود المسيح وما هو النفع الذي سوف يعود عليهم وهم لا علاقة لهم بالسيد المسيح فهم يعبدون النار . إلا اللهم قيامهم بخلق بلبلة ستؤدي في النهاية إلى قتل السيد المسيح وهو بعد صغير مما يؤدي إلى إثارة الرأي العام في الامبراطورية فيستغل الفرس هذه الفرصة لدحر قوات القيصر التي اصبحت على مشارف عاصمتهم بعد ان تجاوزت الموصل في شمال العراق ووصلت إلى هيت.
وأغلب الظن أن هؤلاء (المجوس الثلاث) بعد أن علموا ان السيد المسيح ولد في مملكتهم في جنوب العراق الذي كان تحت حكمهم وعرفوا بانتمائه إلى اليهود الأمة المتمردة في فلسطين ونواحيها والتي تُسبب دائما القلق للقيصر عمدوا إلى استغلال ذلك فسافروا يقطعون الاكام والاجام وهم يُرجفون بولادة السيد المسيح طمعا في إثارة اليهود الذين كانوا ينتظرون ولادة (مخلّصهم) (2) فتثور ثائرة القيصر فيعمد إلى سحب جيشه من مشارف هيت ويقتل السيد المسيح فتندلع ثورة عارمة تُطيح به فيرتاح المجوس من قتاله.
الخطأ في نص الإنجيل أن هيرودس عندما سمع من المجوس أن عيسى ولد خاف واضطرب كما يقول الإنجيل : (فلما سمع هيرودس الملك اضطرب وجميع أورشليم معه).(3) لماذا اضطرب واضطربت معهُ إورشليم كلها فلم يرد نص في الانجيل يقول بأن عيسى بن مريم كان يُشكل تهديدا على كرسي القيصر ــ كما في قصة موسى وفرعون ــ اغلب الضن ان كاتب النص كان يهوديا تأثر بقصة موسى وفرعون فأدرجها ونسبها إلى المسيح ولذلك نرى عزوف بقية الاناجيل عن ذكر قصة اضطراب هيرودس. والاشد من ذلك أن كاتب الإنجيل يصور لنا القيصر هيرودس يستعين بأعدائه (المجوس) ليتجسس على ولادة السيد المسيح كما يقول : (حينئذ دعا هيرودس المجوس سرا، وتحقق منهم ثم أرسلهم إلى بيت لحم، وقال: اذهبوا وافحصوا بالتدقيق عن الصبي. ومتى وجدتموه فأخبروني). (4)
هل تجد سخرية اكثر من هذه المزاعم ؟ الحرب محتدمة بين القيصر وبين الفرس (5) وهم على وشك احتلال عاصمة الفرس في المدائن ثم يستعين القيصر بثلاث من ملوك الفرس اعدائه ليكونوا جواسيسا له. والقيصر يمتلك مليون جندي.
إذن مما تقدم نفهم أن كاتب قصة ولادة السيد المسيح كان مؤرخا يهوديا تأثر كثيرا بقصة موسى عليه السلام وطلب فرعون له لقتله وهو في المهد وذلك بسبب العرافين والسحرة في قصره الذين اخبروه بأن مولودا سوف يلد يكون زوال ملكه على يده، وفعلا زال مُلك فرعون على يد موسى. ولكن الغريب أن هذا المؤرخ اليهودي نسى أن عيسى المسيح هو الذي زال من الدنيا ورحل عنها وبقى القيصر في ملكه وهذا يكفي لتكذيب القصة بكاملها التي تقول ان القيصر كان يبحث عن السيد المسيح لقتله لأن العرافين والسحرة المجوس اخبروه بأن زوال ملكه على يده.
وبالعكس بدلا من أن يكون السيد المسيح ضد القيصر كان يأمر الناس بأن يعطوا له الجزية عندما سأله عموم الناس عن ذلك فسألوه: (أيجوز أن تعطى جزية لقيصر أم لا؟ ـ فاجابهم ـ أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله). (6) فلم يصطدم السيد المسيح مع القيصر أبدا حتى أن القيصر عندما حاكم السيد المسيح قال : (لم اجد عليه ذنبا). بل كانت كل خلافات السيد المسيح مع اليهود والذين كانوا السبب في اعدام السيد المسيح وهذا ما يؤكده القرآن.
اما الوجه الثاني للقصة وباختصار اقول أن كاتب هذه النص لم يكن يهوديا بل كان رومانيا من اتباع القيصر ، حاول ان يُبعد مكان ولادة السيد المسيح من العراق ضاحية بابل الشمالية التي هي كربلاء الحالية لينقله إلى فلسطين لكي يُبعد هذه الكرامة والمنقبة عن الفرس كون المسيح ولد في أرضهم ، وينسبها إلى القيصر، فهذا جزءٌ اساسي من الحرب الدائرة بين القيصر والفرس.وأن وجود المجوس بالقرب من مكان ولادة السيد المسيح يكون منطقيا اذا عرفنا ان تلك المناطق من المدائن إلى البصرة كانت تحت السيطرة الفارسية، ولكن المؤرخ الروماني تجشم عناء اختراع قصة لا يُصدقها العقل حيث قال (بأن المجوس لما رأوا النجم في السماء عرفوا انه علامة ولادة نبي عظيم فتبعوه من إيران مرورا بشمال إيران و العراق وتركيا جبالها وانهارها ثم سهول سوريا ثم انتقلوا إلى فلسطين ثم بيت لحم ليروا ولادة السيد المسيح ثم يعطوه (علكه وبخور) ويرجعون من حيث اتوا).(7)
وهذا ما لا يُصدقه العقل اذا عرفنا ان هذه الرحلة تستغرق اكثر من ستة شهور. فهل كان النجم يسير امامهم طيلة هذه الشهور ليدلهم على مكان ولادة السيد المسيح ؟؟؟ طبعا لا. ومن هنا نعرف ان السيد المسيح لم يولد في فلسطين ولا مصر ولا سوريا او الأردن او تركيا لانها كلها كانت تحت سلطة القيصر بل ولد في العراق وفي كربلاء تحديدا وهذا ما نراه واضحا من كثرة الكنائس التي تم اكتشافها في كربلاء والقبور المحيطة بها والمعروفة تاريخيا بـ (النواويس) وهذا ما ورد على لسان الامام الحسين عليه السلام عندما قال في خطبته : (كأني بأوصالي هذي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء). (8( وانا اجزم بأن هناك تحريفا حصل في مكان ولادة السيد المسيح حيث يذكر الإنجيل بأن السيد المسيح سوف يولد في (افراته) ــ ارض الفرات ــ وليس كما فسروها بانها بيت لحم لأن بيت لحم تفتقر إلى السبب الذي من اجله يطلقون عليها افراتة.(9)
و وجود النواويس في كربلاء يدل على أن النصارى لهم اثر مقدس في هذا المكان أثرٌ عزيز على قلوب النصارى ومن هنا نرى كثرة القبور حول مكان ولادة السيد المسيح في كربلاء. فكما هو معروف في ثقافات الشعوب الدينية إن الناس يدفنون موتاهم حول الاماكن الأكثر قدسية مثل الكنائس وقبور القديسين والأضرحة ولشدة ولع النصارى بالاماكن المقدسة بنو كنيسة على حافر بغلة عيسى، ألا يدل ذلك على ان النصارى بنو نواويسهم ــ قبورهم ــ حول مكان مقدس في أرض كربلاء؟.كما نفعل نحن عندما ندفن موتانا بجوار الضريح المقدس للإمام علي عليه السلام في النجف؟ (10)
بقى أن نعرف جيدا ان كل هذا وارد إذا عرفنا أن العراق هو ارض الانبياء مما يعطي دلائل يقبلها العقل حول ولادة المسيح في العراق اضافة إلى اتفاق الروايات على أن السيد المسيح سيظهر مع المهدي (عج) في العراق انطلاقا من الكوفة وبما أن المهدي من مواليد العراق فهل في ذلك اشارة إلى أن السيد المسيح ايضا من مواليد العراق مقر القيادة العالمية للتوحيد والقيادة ابتداءا من نبي الله إبراهيم شيخ الانبياء وابو التوحيد وانتهاءا بالسيد المسيح والمهدي عليهما السلام؟
المصادر:
1- هكذا تُفسر المسيحية النص وتزعم ان الذين كانوا شهودا على ولادة يسوع هم ثلاث من ملوك المجوس . وانا اتحدى اي مسيحي أن يأتيني بدليل من الكتاب المقدس على انهم كانوا ثلاث؟
2- انتظار مجيئ الماشيح أو (المسيّا) هو أحد مبادئ الإيمان اليهودي حسب قائمة المبادئ الثلاثة عشر التي ألفها موسى بن ميمون، من كبار الحاخامين اليهود. انظر موسى بن ميمون في كتابه ميشنيه توراة، وفي الجزء الرابع عشر من سلسلة كتبه الشريعة اليهودية في القسم المسمى شرائع الملوك وحروبهم الفصل الحادي. ونرى اسم ملك اليهود يلوح في إنجيل متى 2: 1(ولما ولد يسوع في أيام هيرودس الملك، إذا مجوس من المشرق قد جاءوا قائلين: أين هو المولود ملك اليهود؟).
3- إنجيل متى 2: 3.
4- إنجيل متى 2: 7.
5- انظر كتاب تاريخ يوسيفوس اليهودى الفصل الرابع باب : عودة انطونينوس من بلد الفرس بعد قتله ملك الفرس ولقاء هيرودس لهُ. الناشر ktab INC.
6- إنجيل متى 22: 17.
7- إنجيل متى 2: 10(فلما رأوا النجم فرحوا فرحا عظيما جدا وأتوا إلى البيت، ورأوا الصبي مع مريم أمه. فخروا وسجدوا له. ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا: ذهبا ولبانا ومرا.). مخترع القصة لم يُبين لنا سبب فرح المجوس ، فهم يعبدون النار لماذا فرحوا بميلاد السيد المسيح . هذا ما سكت عنه الانجيل او مخترع هذا الفصل.
8- انظر قاموس المعاني حيث يقول : الناووس صندوق يضع فيه النصارى جثة الميت . وهو أيضا يُطلق على مقبرة النصارى والجمع نواويس. وهي الآن تقع في المكان الذي فيه مزار الحر بن يزيد الرياحي من شاطئ الطف ما بين الغرب وشمال كربلاء وقد ذكرها الشعراء في قصائدهم : عند النواويس أجسادٌ موزعةٌ ـــ من آل يس في صالٍ من البيدِ.
9- كما ورد في نص سفر ميخا 5: 2 ( أما أنت يا بيت لحم أفراتة، فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطا ، ومخارجه منذ القديم، منذ أيام الأزل حينما تكون قد ولدت والدة).هذه النبوءة وردت في التوراة ولكننا نرى أن الانجيل لم يذكر (أفراته) فقد تم حذفها من النبوءة فذكر فقط بيت لحم وهذا يزرع الشك في اصل النص الذي يخبرنا بأن السيد المسيح سيلد في افراتة على ارض الفرات وتشرب امه من ماء الفرات. كما يقول القرآن : ( قد جعل ربك تحتك سريا). اي جعل اسفل منك نهرا اشربي منه وكلي من تمر النخل وقري عينا. انظر سورة مريم آية : 24. هذا اضافة إلى أن بيت لحم تم بنائها سنة 339 ميلادية ، اي بعد ميلاد السيد المسيح بأكثر من ثلثمائة عام.
10- إن المحاورة التي حصلت بين السيد المسيح وهو بعد طفلٌ رضيع (قالوا كيف نُكلّم من كان في المهد صبيا). إنما حصلت في كربلاء حيث كان اليهود ينتشرون في بابل وضاحيتها (فجائت به قومها تحمله) وقوله ــ قومها ــ هم من بني إسرائيل يهود السبي البابلي الذين تكاثروا ومارسوا الزراعة وسكنوا ضواحي بابل الجنوبية ايضا. وهذا ما ذكره القرآن من أنها ذهبت بعيدا لتلد السيد المسيح ( فحملته فانتبذت به مكانا قصيا ) والمكان القصي هو البعيد عن موطنها وبما أن مصر وسوريا وفلسطين ولبنان واجزاء من تركيا والاردن كلها تحت حكم القيصر ، فلم يبق إلا العراق الذي كان يقع تحت سلطة الفرس ولأن فيه من بني قومها بني إسرائيل فكان اكثر أمانا لها لتضع وليدها فأمرها الله أن تذهب إليه وسهّل لها سبل الوصول.
دراسة للوقائع التاريخية.
مصطفى الهادي.
هذه دراسة تضع النقاط على الحروف وتكشف جانبا مهما لم يُكشف عنه لحد الآن حول مكان ولادة السيد المسيح عليه السلام . مع شكري مقدما.
الوجه الأول : الذي لم تبحثه السيدة آشوري هو مسألة الملوك المجوس الثلاث (1) الذي زاروا فلسطين ليكونوا شهودا على ولادة السيد المسيح ، فلو ان نص الإنجيل اكتفى بالقول انهم حضروا ولادة السيد المسيح لكان ذلك لربما مقنعا ، ولكن ان يقول الكتاب المقدس ان قيصر روما استدعاهم ومثلوا بين يديه ثم خدعوه وانصرفوا بأمان فهذا مما لا يقبله العقل أبدا . فهل كان القيصر ساذجا أو مغفلا . هكذا وبكل بساطة يُدخل مملكته وقصره ثلاثة من ألد اعدائه (الفرس المجوس) الذي كان في حرب طاحنة معهم مع علمه أن الاختراق والتجسس واردٌ من كلا الطرفين.ثم يتركهم يضحكون عليه ويكذبون ويُثيرون البلبلة في كل المناطق التي دخلوها وهم يُرجفون بولادة (ملك اليهود) ويخرجون بسلام بعد اشاعتهم الفوضى في مملكة القيصر؟
ثم لماذا شهدوا بولادة ملك اليهود المسيح وما هو النفع الذي سوف يعود عليهم وهم لا علاقة لهم بالسيد المسيح فهم يعبدون النار . إلا اللهم قيامهم بخلق بلبلة ستؤدي في النهاية إلى قتل السيد المسيح وهو بعد صغير مما يؤدي إلى إثارة الرأي العام في الامبراطورية فيستغل الفرس هذه الفرصة لدحر قوات القيصر التي اصبحت على مشارف عاصمتهم بعد ان تجاوزت الموصل في شمال العراق ووصلت إلى هيت.
وأغلب الظن أن هؤلاء (المجوس الثلاث) بعد أن علموا ان السيد المسيح ولد في مملكتهم في جنوب العراق الذي كان تحت حكمهم وعرفوا بانتمائه إلى اليهود الأمة المتمردة في فلسطين ونواحيها والتي تُسبب دائما القلق للقيصر عمدوا إلى استغلال ذلك فسافروا يقطعون الاكام والاجام وهم يُرجفون بولادة السيد المسيح طمعا في إثارة اليهود الذين كانوا ينتظرون ولادة (مخلّصهم) (2) فتثور ثائرة القيصر فيعمد إلى سحب جيشه من مشارف هيت ويقتل السيد المسيح فتندلع ثورة عارمة تُطيح به فيرتاح المجوس من قتاله.
الخطأ في نص الإنجيل أن هيرودس عندما سمع من المجوس أن عيسى ولد خاف واضطرب كما يقول الإنجيل : (فلما سمع هيرودس الملك اضطرب وجميع أورشليم معه).(3) لماذا اضطرب واضطربت معهُ إورشليم كلها فلم يرد نص في الانجيل يقول بأن عيسى بن مريم كان يُشكل تهديدا على كرسي القيصر ــ كما في قصة موسى وفرعون ــ اغلب الضن ان كاتب النص كان يهوديا تأثر بقصة موسى وفرعون فأدرجها ونسبها إلى المسيح ولذلك نرى عزوف بقية الاناجيل عن ذكر قصة اضطراب هيرودس. والاشد من ذلك أن كاتب الإنجيل يصور لنا القيصر هيرودس يستعين بأعدائه (المجوس) ليتجسس على ولادة السيد المسيح كما يقول : (حينئذ دعا هيرودس المجوس سرا، وتحقق منهم ثم أرسلهم إلى بيت لحم، وقال: اذهبوا وافحصوا بالتدقيق عن الصبي. ومتى وجدتموه فأخبروني). (4)
هل تجد سخرية اكثر من هذه المزاعم ؟ الحرب محتدمة بين القيصر وبين الفرس (5) وهم على وشك احتلال عاصمة الفرس في المدائن ثم يستعين القيصر بثلاث من ملوك الفرس اعدائه ليكونوا جواسيسا له. والقيصر يمتلك مليون جندي.
إذن مما تقدم نفهم أن كاتب قصة ولادة السيد المسيح كان مؤرخا يهوديا تأثر كثيرا بقصة موسى عليه السلام وطلب فرعون له لقتله وهو في المهد وذلك بسبب العرافين والسحرة في قصره الذين اخبروه بأن مولودا سوف يلد يكون زوال ملكه على يده، وفعلا زال مُلك فرعون على يد موسى. ولكن الغريب أن هذا المؤرخ اليهودي نسى أن عيسى المسيح هو الذي زال من الدنيا ورحل عنها وبقى القيصر في ملكه وهذا يكفي لتكذيب القصة بكاملها التي تقول ان القيصر كان يبحث عن السيد المسيح لقتله لأن العرافين والسحرة المجوس اخبروه بأن زوال ملكه على يده.
وبالعكس بدلا من أن يكون السيد المسيح ضد القيصر كان يأمر الناس بأن يعطوا له الجزية عندما سأله عموم الناس عن ذلك فسألوه: (أيجوز أن تعطى جزية لقيصر أم لا؟ ـ فاجابهم ـ أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله). (6) فلم يصطدم السيد المسيح مع القيصر أبدا حتى أن القيصر عندما حاكم السيد المسيح قال : (لم اجد عليه ذنبا). بل كانت كل خلافات السيد المسيح مع اليهود والذين كانوا السبب في اعدام السيد المسيح وهذا ما يؤكده القرآن.
اما الوجه الثاني للقصة وباختصار اقول أن كاتب هذه النص لم يكن يهوديا بل كان رومانيا من اتباع القيصر ، حاول ان يُبعد مكان ولادة السيد المسيح من العراق ضاحية بابل الشمالية التي هي كربلاء الحالية لينقله إلى فلسطين لكي يُبعد هذه الكرامة والمنقبة عن الفرس كون المسيح ولد في أرضهم ، وينسبها إلى القيصر، فهذا جزءٌ اساسي من الحرب الدائرة بين القيصر والفرس.وأن وجود المجوس بالقرب من مكان ولادة السيد المسيح يكون منطقيا اذا عرفنا ان تلك المناطق من المدائن إلى البصرة كانت تحت السيطرة الفارسية، ولكن المؤرخ الروماني تجشم عناء اختراع قصة لا يُصدقها العقل حيث قال (بأن المجوس لما رأوا النجم في السماء عرفوا انه علامة ولادة نبي عظيم فتبعوه من إيران مرورا بشمال إيران و العراق وتركيا جبالها وانهارها ثم سهول سوريا ثم انتقلوا إلى فلسطين ثم بيت لحم ليروا ولادة السيد المسيح ثم يعطوه (علكه وبخور) ويرجعون من حيث اتوا).(7)
وهذا ما لا يُصدقه العقل اذا عرفنا ان هذه الرحلة تستغرق اكثر من ستة شهور. فهل كان النجم يسير امامهم طيلة هذه الشهور ليدلهم على مكان ولادة السيد المسيح ؟؟؟ طبعا لا. ومن هنا نعرف ان السيد المسيح لم يولد في فلسطين ولا مصر ولا سوريا او الأردن او تركيا لانها كلها كانت تحت سلطة القيصر بل ولد في العراق وفي كربلاء تحديدا وهذا ما نراه واضحا من كثرة الكنائس التي تم اكتشافها في كربلاء والقبور المحيطة بها والمعروفة تاريخيا بـ (النواويس) وهذا ما ورد على لسان الامام الحسين عليه السلام عندما قال في خطبته : (كأني بأوصالي هذي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء). (8( وانا اجزم بأن هناك تحريفا حصل في مكان ولادة السيد المسيح حيث يذكر الإنجيل بأن السيد المسيح سوف يولد في (افراته) ــ ارض الفرات ــ وليس كما فسروها بانها بيت لحم لأن بيت لحم تفتقر إلى السبب الذي من اجله يطلقون عليها افراتة.(9)
و وجود النواويس في كربلاء يدل على أن النصارى لهم اثر مقدس في هذا المكان أثرٌ عزيز على قلوب النصارى ومن هنا نرى كثرة القبور حول مكان ولادة السيد المسيح في كربلاء. فكما هو معروف في ثقافات الشعوب الدينية إن الناس يدفنون موتاهم حول الاماكن الأكثر قدسية مثل الكنائس وقبور القديسين والأضرحة ولشدة ولع النصارى بالاماكن المقدسة بنو كنيسة على حافر بغلة عيسى، ألا يدل ذلك على ان النصارى بنو نواويسهم ــ قبورهم ــ حول مكان مقدس في أرض كربلاء؟.كما نفعل نحن عندما ندفن موتانا بجوار الضريح المقدس للإمام علي عليه السلام في النجف؟ (10)
بقى أن نعرف جيدا ان كل هذا وارد إذا عرفنا أن العراق هو ارض الانبياء مما يعطي دلائل يقبلها العقل حول ولادة المسيح في العراق اضافة إلى اتفاق الروايات على أن السيد المسيح سيظهر مع المهدي (عج) في العراق انطلاقا من الكوفة وبما أن المهدي من مواليد العراق فهل في ذلك اشارة إلى أن السيد المسيح ايضا من مواليد العراق مقر القيادة العالمية للتوحيد والقيادة ابتداءا من نبي الله إبراهيم شيخ الانبياء وابو التوحيد وانتهاءا بالسيد المسيح والمهدي عليهما السلام؟
المصادر:
1- هكذا تُفسر المسيحية النص وتزعم ان الذين كانوا شهودا على ولادة يسوع هم ثلاث من ملوك المجوس . وانا اتحدى اي مسيحي أن يأتيني بدليل من الكتاب المقدس على انهم كانوا ثلاث؟
2- انتظار مجيئ الماشيح أو (المسيّا) هو أحد مبادئ الإيمان اليهودي حسب قائمة المبادئ الثلاثة عشر التي ألفها موسى بن ميمون، من كبار الحاخامين اليهود. انظر موسى بن ميمون في كتابه ميشنيه توراة، وفي الجزء الرابع عشر من سلسلة كتبه الشريعة اليهودية في القسم المسمى شرائع الملوك وحروبهم الفصل الحادي. ونرى اسم ملك اليهود يلوح في إنجيل متى 2: 1(ولما ولد يسوع في أيام هيرودس الملك، إذا مجوس من المشرق قد جاءوا قائلين: أين هو المولود ملك اليهود؟).
3- إنجيل متى 2: 3.
4- إنجيل متى 2: 7.
5- انظر كتاب تاريخ يوسيفوس اليهودى الفصل الرابع باب : عودة انطونينوس من بلد الفرس بعد قتله ملك الفرس ولقاء هيرودس لهُ. الناشر ktab INC.
6- إنجيل متى 22: 17.
7- إنجيل متى 2: 10(فلما رأوا النجم فرحوا فرحا عظيما جدا وأتوا إلى البيت، ورأوا الصبي مع مريم أمه. فخروا وسجدوا له. ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا: ذهبا ولبانا ومرا.). مخترع القصة لم يُبين لنا سبب فرح المجوس ، فهم يعبدون النار لماذا فرحوا بميلاد السيد المسيح . هذا ما سكت عنه الانجيل او مخترع هذا الفصل.
8- انظر قاموس المعاني حيث يقول : الناووس صندوق يضع فيه النصارى جثة الميت . وهو أيضا يُطلق على مقبرة النصارى والجمع نواويس. وهي الآن تقع في المكان الذي فيه مزار الحر بن يزيد الرياحي من شاطئ الطف ما بين الغرب وشمال كربلاء وقد ذكرها الشعراء في قصائدهم : عند النواويس أجسادٌ موزعةٌ ـــ من آل يس في صالٍ من البيدِ.
9- كما ورد في نص سفر ميخا 5: 2 ( أما أنت يا بيت لحم أفراتة، فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطا ، ومخارجه منذ القديم، منذ أيام الأزل حينما تكون قد ولدت والدة).هذه النبوءة وردت في التوراة ولكننا نرى أن الانجيل لم يذكر (أفراته) فقد تم حذفها من النبوءة فذكر فقط بيت لحم وهذا يزرع الشك في اصل النص الذي يخبرنا بأن السيد المسيح سيلد في افراتة على ارض الفرات وتشرب امه من ماء الفرات. كما يقول القرآن : ( قد جعل ربك تحتك سريا). اي جعل اسفل منك نهرا اشربي منه وكلي من تمر النخل وقري عينا. انظر سورة مريم آية : 24. هذا اضافة إلى أن بيت لحم تم بنائها سنة 339 ميلادية ، اي بعد ميلاد السيد المسيح بأكثر من ثلثمائة عام.
10- إن المحاورة التي حصلت بين السيد المسيح وهو بعد طفلٌ رضيع (قالوا كيف نُكلّم من كان في المهد صبيا). إنما حصلت في كربلاء حيث كان اليهود ينتشرون في بابل وضاحيتها (فجائت به قومها تحمله) وقوله ــ قومها ــ هم من بني إسرائيل يهود السبي البابلي الذين تكاثروا ومارسوا الزراعة وسكنوا ضواحي بابل الجنوبية ايضا. وهذا ما ذكره القرآن من أنها ذهبت بعيدا لتلد السيد المسيح ( فحملته فانتبذت به مكانا قصيا ) والمكان القصي هو البعيد عن موطنها وبما أن مصر وسوريا وفلسطين ولبنان واجزاء من تركيا والاردن كلها تحت حكم القيصر ، فلم يبق إلا العراق الذي كان يقع تحت سلطة الفرس ولأن فيه من بني قومها بني إسرائيل فكان اكثر أمانا لها لتضع وليدها فأمرها الله أن تذهب إليه وسهّل لها سبل الوصول.