من الذي أطلق على السيد المسيح أنه ابن الله؟

2020/10/23

مصطفى الهادي.
@لا يُنسب الشخص إلى الله تعالى إلا إذا توفرت فيه صفات معينة فلا يُقال للأشخاص : عبد الله ، أمة الله حبيب الله ، خليل الله .جزافا ولكن لو كانت التسمية عفوية فهي تختلف عن تلك التي يُقصد منها الانتساب لله تعالى بطريقة ما. ولو رجعنا إلى الكتب المقدسة جميعها كمصدر أساس لمعرفة مواصفات أبناء الله أو ابن الله ، أو خليل الله ، لرأينا أن ذلك لا يحصل إلا عند فئة تم اختيارهم من قبل الله تعالى . مثل قول التوراة (أبناء الله).(1) ويقصدون بها الملائكة الذي خُلقوا بواسطته تعالى من دون واسطة أخرى فهم ينسبونهم إلى الله خالقهم.وأما لو استُخدم هذا اللقب على الناس وجب عليهم أن يتصفوا بصفات خاصة جدا لكي ينالوا امتياز (أبناء الله). فأبناء الله هم (الرحماء ، أنقياء القلب ، صانعي السلام. حلماء ، فقراء، هؤلاء أبناء الله يُدعون).(2)
@وبالمناسبة فإن السيد المسيح له عدة القاب اطلقها الناس عليه ، فنحن بطبيعتنا معتادون على استخدام كلمة ابن لوصف أي شخص من دون افتراض الربط الجسدي مثل قولنا : (ابن الفرات ، أو : ابن البلد ، أو ابن حلال). أو نسبة شيء إلى شيء آخر لا علاقة تربط بينهما مثل قولنا : ناقة الله ، وبيت الله. وللسيد المسيح اسماء وألقاب كثيرة مثل (ابن داود ، و حمل الله ، و ابن الإنسان). (3)
@وأما المعنى الحرفي لـ (ابن الله ، أولاد الله). فهي تعني المؤمن أو المؤمنون بالله حسب شهادة الإنجيل نفسه الذي يقول في يوحنا : (وأما الذين قبلوه أعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه). (4)أي انهم بتركهم لعبادتهم الباطلة وإيمانهم بالله تعالى كأنهم (ولدوا من جديد). فانتسبوا إلى الله من خلال الإيمان به فأصبحوا عباد الله. أو حسب تعبيرهم أبناء الله.
@وأما لو قال قائل بأن اليهود والنصارى أيضا وحسب مزاعم الكتاب المقدس هم أبناء الله على رغم جرائمهم وكفرهم وقتلهم الأنبياء . وجواب ذلك أن اليهود هم من قال ذلك ولم ينزل فيهم نص من الله. والقرآن أجاب على ذلك بقوله : (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يُعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشرٌ ممن خلق).(5) ولذلك نرى الكتاب المقدس نفسه يحكم بقتل من يزعم أنه ابن الله كما نقرأ في يوحنا : (وحسب ناموسنا يجب أن يموت ، لأنه جعل نفسه ابن الله).(6)
@الكتاب المقدس ولكي يتخلص من هذه الجريمة بحق الله زعم بأن من قالوا للسيد المسيح بأنه (ابن الله) هم مجموعة من المجانين والشياطين والأرواح الشريرة النجسة. وفي نصوص عديدة نذكر منها ما جاء في متى : (استقبلهُ مجنونان خارجان من القبور هائجان جدا قائلين : مالنا ولك يا يسوع ابن الله).(7)
@ولو رجعنا إلى تسلسل الأناجيل لوجدنا أن اقدم الأناجيل هو إنجيل مرقس (8) حيث يقول ومنذ وقت باكر جدا بأن الأرواح النجسة هي من أطلق على المسيح بأنه (ابن الله) فنقرأ في مرقس : (الأرواح النجسة حينما نظرته .. صرخت قائلة: إنك أنت ابن الله).(9) وفي مرقس أيضا تكرر نفس القول فيقول : (استقبله من القبور روح نجس، يصيح ويجرح نفسه بالحجارة وصرخ يا يسوع ابن الله).(10) والمفسر المسيحي يقول بأن الأرواح النجسة هم (الشياطين). مستندا في ذلك على نص إنجيل لوقا الذي يقول : (وكانت شياطين أيضا تصرخ وتقول : أنت المسيح ابن الله فانتهرهم ولم يدعهم يتكلمون).(11)
@يضاف إلى المجانين والشياطين والأرواح النجسة التي أطلقت على السيد المسيح بأنه (ابن الله) يضاف لهم (بولص اليهودي). الذي بذل جهودا جبّارة من أجل ترسيخ هذا اللقب في أذهان الناس ولذلك نرى إنجيله حافل بكلمات تصف المسيح بأنه الله ، أو هو ابن الله فكرر نفس قول الشياطين والمجانين كما يقول في كورنثوس : (لأن ابن الله يسوع المسيح).(12) والأغرب من ذلك أن يجعل بولص لقب (ابن الله) وساما يوزعهُ على من يشاء حتى لو كانوا ألوفا. فهو مثلا منحه لسكان مدينة كاملة كما يقول لأهل غلاطية : (لأنكم جميعا أبناء الله). (13)
@ومن أجل أن يتساوى بولص مع السيد المسيح لكي يكون مقبولا فقد منح نفسهُ وسام لقب (ابن الله) كما نراه يصف نفسه في العبرانيين : (وسقطوا، إذ هم يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية ويشهرونه). (14) فقد وصف نفسه بابن الله ، لأن الرومان اعتقلوه وخشى أن يقتلوه فوصف نفسه بذلك تهييجا للناس وخصوصا اليهود الذين كانوا يؤازرونه في الخفاء ويدعمون حركته لمحو المسيحية.
@مما تقدم اضافة إلى نصوص أخرى لم نذكرها تحاشيا لطول الموضوع ، نفهم ومن الكتاب المقدس نفسه بأن أول من أطلق لقب (ابن الله) على السيد المسيح هم مجموعة من (المجانين و الشياطين و الأرواح النجسة و المندسين). وعلى ما يبدو ان ذلك راق جدا للمسيحية فتمسكت به واعتبرته وحيا فسالت دماء وتم إبادة مذاهب فيما بعد دفاعا عن لقب يقول الإنجيل بأن الشياطين والأرواح النجسة هي من اطلقته على السيد المسيح. (فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تُصرفون). (15)
#المصادر:
1- سفر التكوين 6 : 2. (أن أبناء الله رأوا بنات الناس). أبناء الله هم الملائكة.
2- إنجيل متى 5 : 9. وكذلك وصفت التوراة آدم بأنه ابن الله لأنه لم يكن من نطفة رجل فقد خلقه الله تعالى بأمره. كما نقرأ في لوقا قولهم: (آدم ، ابن الله). إنجيل لوقا 3 : 38.
3- انظر مثلا : إنجيل يوحنا 1: 29. و: إنجيل متى 1: 1.و: إنجيل متى 8: 20.
4- إنجيل يوحنا 1: 12.
5- سورة المائدة آية : 18.
6- إنجيل يوحنا 19: 7.
7- إنجيل متى 8 : 29.
8- حسب كتاب مدخل إلى العهد الجديد ج1 الأب بولس نديم طرزي. فإن إنجيل مرقس يُعتبر أقدم الأناجيل ، فحسب رأيهم تم تأليفه سنة 60 ــ 65. في روما.
9- إنجيل مرقس 3: 11.
10- إنجيل مرقس 5: 7.يقول المفسر المسيحي (وكانت الأرواح النجسة شياطين).
11- إنجيل لوقا 4: 41.
12- رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 1: 19.
13- رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 3: 26.
14- رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 6: 6.
15- سورة يونس آية : 32.
أخترنا لك
(امرأة العزيز تراود فتاها). لماذا قال امرأة وليست زوجة؟

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة