النجاسة في مفهومها العام. نجاسة الكلب.
مصطفى الهادي.
نجاسة الكلب تزول بالماء ، ولكن نجاسة بعض
البشر لا تزول إلا بالدماء.
النجاسة بالمفهوم العام هي: القذارة.فكل نجس(مستقذر). ويقال: نجس
الشخص بمعنى: خبث طبعه. ودنس خلقه، والنجس: القذر أو غير الطاهر.
وكل مستقذر يُسمى: رجسا. وفي قواميس اللغة : نجس ، قذر غير طاهر.
ونجس الثوب : كان قذرا.وقد أمر الله نبيه : (وثيابك فطهّر).(1)
ومدح المؤمنين بقوله : (رجالٌ يحبون أن يتطهروا والله يُحبُ
المتطهرين).(2)
وهناك نجاسة حسية، ونجاسة معنوية. أن النجاسة
الحسية معناها أن عين الشيء نجس، فإذا لمسته بيدك مثلا وجب عليك
غسلها، ولا يجوز لك حمله ولمسه في الصلاة، فالبول نجس حسا إذا
أصاب يدك أو ثيابك وجب غسل ما أصابه، وأما النجس المعنوي فإذا
لمسته فإنه لم يجب عليك غسله، فالكافر نجس؛لقول الله تعالى :
(إنما المشركون نجس).(3) وإذا صافحت المشرك او الكافر لم يجب عليك
غسل يدك او شطفها لأنها نجاسة معنوية، والنجاسة المعنوية مقرها
القلب ومعنى أن قلبه نجس أي غير طاهر يُعادي الله ورسالاته. ولذلك
شبّه الله تعالى الكافر بالكلب فقال : (مثلهُ كمثل الكلب).
(4) قال الطبري في تفسير هذه الآية : فذلك هو الكافر، هو ضالٌّ إن
وعظته وإن لم تعظه وهو مثل الكلب إن طردته او ابعدته يبقى يلهث.
و من النجاسة المعنوية أيضا نجاسة الجنب
والحائض فلا يجوز لهما دخول المساجد او لمس المصاحف ، ولكنهما
بدنا طاهرين إنما نجاستهم معنوية لقذارة الدم والمني. بينما يرى
الكتاب المقدس ان نجاسة الحائض والمجنب نجاسة حسيّة تسري للملامس
فيقول نص الكتاب المقدس أن المرأة الحائض نجسة سبع أيام وكل شيء
تلمسه نجس يجب تطهيره وغسله. (5)
وأما أمر الله تعالى بتجنب النساء في المحيض
ووصفه بأنه (اذى) أي عدم مجامعتهن في الحيض. وكذلك وصف الجنابة
بالنجاسة وأمر بالتطهر منها بالماء وإن لم يكن فالتراب : ( فإن لم
تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا).(6) فربط بين التراب والماء وهذا
ما نراه في ولوغ الكلب في الإناء حيث امر تعالى ان يُغسل بالماء
ثم التراب.كما في الحديث : (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلبُ
أن يغسلهُ سبعَ مرات أولاهن بالتراب). (7)
وكذلك من اسباب عدم دخول الملائكة إلى البيت ،
هو لوجود كلب فيه كما في رواية صحيح مسلم : (إن الملائكة لا تدخل
بيتا فيه كلب).(8) كتاب اللباس والزينة، باب لا تدخل الملائكة
بيتا فيه كلب.فإذا كان النبي (ص) قد أمر بشطف مكان بول الطفل
بالماء ، فإن الكلب أولى بذلك.
ولم تكن قضية نجاسة الكلب وقفا على الإسلام بل
اتفقت الكتب السماوية على نجاسة الكلب وقرنته مع الخنزير ففي
الكتاب المقدس لم يعتبر الكلب فقط نجس بل ثمن الكلب رجس : (لا
تدخل أجرة زانية ولا ثمن كلب على بيت الرب لأنهما كليهما رجس).(9)
وقد اكد القرآن ذلك بقوله : (أن يكن ميتة أو دما مسفوحا أو لحم
خنزير فإنه رجس).(10) وقد جمع الكتاب المقدس بين الكلب والخنزير
في النجاسة. فقال السيد المسيح : (لا تعطوا القدس للكلاب، ولا
تطرحوا درركم قدام الخنازير، كلب قد عاد إلى قيئه ، وخنزيرة
مغتسلة إلى مراغة الحمأة).(11) ويؤكد الكتاب المقدس على أن مكان
الكلب هو خارج البيوت والأفنية كما نقرأ : (لأن خارجا الكلاب ،
والسحرة والزناة والقتلة وعبدة الأوثان).(12) فأدرج الكلب مع هذه
الرجاسات.
أما اسلاميا فإن خلاصة ذلك هو أن الراجح
عند أهل السنة ــ عدا الحنفية ــ هو نجاسة الكلب، ونجاسة
جميع أجزائه، ويجب تطهير الثوب أو البدن أو المكان مما
أصابه من لعابه أو بدنه المبلول وأن فضلات الكلب من بول وبراز
ولعاب نجسة في قول جميع أهل العلـــم، قال النووي ( أجمع المسلمون
على نجاسة بول الكلب وكذلك بول وغائط جميع الحيوانات مما لا يؤكل
لحمه).(13) وذلك لأن الكلب يقوم بلحس الجيف العفنة والفطائس ويقوم
بتنظيف بقايا برازه ــ الغائط ــ وبوله عن طريق اللحس بلسانه وهو
يقوم أيضا بتنظيف جسمه بلسانه وبذلك ينقل النجاسة إلى كافة
بدنه.وقد تطرف الكتاب المقدس جدا عندما امر بقتل كل من يلمس بهيمة
نجسة كما نقرأ : (الذي يمس شيئا نجسا إنسان أو بهيمة نجسة تقطع
تلك النفس من شعبها).(14)
وعلى ذكر النجاسة قد يقول قائل لماذا يصف
القرآن المشركين بالنجاسة؟ صحيح أن نجاستهم معنوية شديدة الضرر
لغيرهم إلا أن الكتاب المقدس يقول بأن نجاستهم لأنهم غير مختونين
كما نقرأ (ويتركون بنيهم قلفا، ويقذّروا نفوسهم بكل نجاسة ورجس).
فاعتبر الأغلف نجسا لا بل عده من ضمن الرجاسات.(15) لا بل حكم
عليه بالموت كما نقرأ : (وأما الذكر الأغلف الذي لا يختن في لحم
غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها، إنه نكث عهدي).وسبب قتله انه نجس
رجس نكث عهد الله بإبقائه على قلفته، ولم يبترها.(16)
والغريب أن هناك حكما لم اجد له تبريرا او
تفسيرا عندهم وهذا الحكم مفاده ان مس القبر نجاسة كما نقرأ : (وكل
من مس قبرا، يكون نجسا سبعة ايام). (17)
سبب هذا الخلط في الكتاب المقدس يُبيّنهُ لنا
الكتاب المقدس نفسه،فيخبرنا بأن الكهنة هم من قام بتحليل النجاسات
للناس من خلال عدم بيانها لهم (يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون
كثيرًا) فحللوا لحم الخنزير والميتة ومخالطة الكلاب وغيرها من
محرمات ونجاسات ذكرها الكتاب المقدس ولكن المنافع المادية اعمت
عيون الكهنة . فيقول : (الكهنة خالفوا شريعتي ونجسّوا أقداسي. لم
يُعلّموا الفرق بين النجس والطاهر). (18)
المصادر:
1- سورة المدثر آية : 4.
2- سورة التوبة آية : 108.
3- سورة التوبة آية : 28. يُبين لنا الانجيل سبب نجاسة الكافر او
المشرك فيقول في إنجيل متى 15: 11 : (ما يخرج من الفم يُنجّس
الإنسان فمن القلب يصدر ذلك،لأن من القلب تخرج أفكاره الشريرة
وذلك يُنجّس الإنسان).وهذا نفسه تقريبا ما اشار له القرآن بقوله:
(إنما المشركون نجس). وهو يُشير بذلك إلى خبث سريرتهم ونجاستهم
الباطنية.
4- سورة الأعراف آية : 176.
5- سفر اللاويين 15: 19ــ 30. التوراة لم تنصف المرأة الحائض
وتعتبر نصوص نجاستها مقدسة من الله كما نقرأ : (وإذا كانت امرأة
لها سيل دما فسبعة أيام طمثها. وكل من مسها يكون نجسا إلى المساء
وكل من مس فراشها أو مسها يغسل ثيابه ويستحم بماء، وكل ما تجلس
عليها يكون نجسا وإذا طهرت تأخذ فرخي حمام وتأتي بهما إلى الكاهن
ليُكفر عنها أمام الرب من سيل نجاستها).
6- سورة النساء آية : 43.
7- مسلم في صحيحه (1/234) كتاب : الطهارة، باب : حكم ولوغ الكلب)
8- صحيح البخاري رقم الحديث (3225)، وصحيح مسلم رقم الحديث
(2104). وفي وسائل الشيعة الحر العاملي ج11 ص 530 عن أبي عبد الله
قال : (يكره أن يكون في دار الرجل المسلم الكلب).
9- ) سفر التثنية الاصحاح 23 : 18.
10- سورة الأنعام آية : 154.
11- إنجيل متى الاصحاح 7 : 6.و بطرس الثانية الاصحاح 2 : 22.
12- سفر رؤيا يوحنا الاصحاح 22 : 15.
13- محي الدين النووي في (المجموع شرح المهذب، ج2، ص : 524) نقلا
عن البيهقي.
14- سفر اللاويين 7: 21.
15- سفر المكابيين الأول 1: 51.
16- سفر التكوين 17: 14.
17- سفر العدد 19: 16.
18- سفر حزقيال 22: 26. في سفر اللاويين : 11. هذا السفر كله يذكر
فيه اسماء الحيوانات النجسة التي لايجوز لمسها او أكل لحمها
. ومنها : البعير ، الأرنب الخنزير والكثير من الطيور والأسماك
والزواحف.