من
عجائب التوراة : الشحم لسرور الرب، يتسبب بأول جريمة
قتل.مصطفى الهادي.
عندما
يرى الله تعالى أن أمة من الأمم اتخذت عادة سيئة أو استخدمت مخلوقا
للشرك أو العبادات الباطلة فإن الله يُحرمها من هذه النعمة ، ولذلك
نرى القرآن الكريم حرّم على بني إسرائيل الكثير من الأطايب كما في
قوله تعالى : (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم
حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم
ذلك جزيناهم ببغيهم).(1) فما هي علاقة الشحوم ببني إسرائيل ولماذا
حرمها الله عليهم ووصف فعلهم بالبغي والعدوان؟ لا بل أمر بقتل من يأكل
من الشحم؟! الغريب
أن هذا التحريم خص اليهود ولكننا نرى المسيحية تلتزم به حرفيا فعندما
زار البابا اربانوس ديرا فيه أيتام ، قدم أحد الأيتام هدية للبابا
صابونة اخترعها من الشحم والرماد فقرص البابا أذن اليتيم بشدة حتى
أدماها وقال له اغسل يديك بالرماد ومسحوق الاشنا وبالرماد أفضل ولا
تضع الشحم عليه لان الشحم حرام استخدامه لأنه وقود الرب الله الذي يحب
رائحة الشحم المحروق ويُصيبه السرور إذا صعد إليه دخان الشحم المحروق.
ولذلك عندما نذبح ذبيحة فإننا نقوم بحرق الشحم والعصعص لان الرب
يحبهما جدا كما يقول في سفر اللاويين 3: 17 (فريضة دهرية في أجيالكم
في جميع مساكنكم: لا تأكلوا شيئا من الشحم ولا من الدم ويوقد الكاهن
على المذبح رائحة سرور للرب الألية صحيحة من عند العصعص ينزعها).(2)
ولا أدري هل عادة إشعال البخور له علاقة بذلك؟ مما
تقدم نفهم أن سبب تحريم (الشحم) على بني إسرائيل هو أن الله اختار هذا
الجزء من الذبيحة لكي يوقدوه على النار كرائحة سرور له يُعلمه بوقت
تناول الطعام في وليمة خاصة له حيث ينزل عندما يشم رائحة الشحم المشوي
إلى خيمة الاجتماع ويستقر مع طبقة الكهنة السنهدريم في خيمة الاجتماع
ليتداول معهم أمور تدبير العالم والتذاكر معهم في نصوص التوراة ثم
يتناول الطعام بالمواصفات التي ذكرها لموسى كما نقرأ : (دعا موسى
هارون وبنيه وشيوخ إسرائيل. وقال لهارون خذ لك عجلا ابن بقر لذبيحة
خطية، وكبشا لمحرقة صحيحين خذوا تيسا من المعز لذبيحة خطية، وعجلا
وخروفا حوليين صحيحين وثورا وكبشا للذبح أمام الرب، وتقدمة ملتوتة
بزيت. لأن الرب اليوم يتراءى لكم فأخذوا ما أمر به موسى إلى قدام خيمة
الاجتماع. وتقدم كل الجماعة ووقفوا أمام الرب). وفي خيمة الاجتماع
يجلس بني إسرائيل فيقوم موسى ويتكلم مع الله وجها لوجه كما نقرأ :
(ويُكلم الرب موسى وجها لوجه كما يُكلم الرجل صاحبهُ).
(3) ما
نفهمه من نصوص التوراة فإن لله سوابق في عشقه للحوم الغنم والأبقار
كما نقرأ : (وقدم هابيل أيضا من أبكار غنمه ومن سمانها. فنظر الرب إلى
هابيل وقربانه. ولكن إلى قايين وقربانه لم ينظر). (4) سلوك الرب هذا
وانحيازه إلى جانب هابيل وذبيحته حسب وصف التوراة أدى إلى أول جريمة
سفك دم برئ في التاريخ ومنها اجترأ الإنسان على قتل أخيه الإنسان :
(فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين). (5) وقد كان من
نتيجة ذلك أن قابيل لما رأى أن الله لم يقبل منه ما قدمه له من طعام
نباتي ، وان الله فرح جدا بذبيحة هابيل وتقبلها واكل منها (حيث نزل
لسان من نار من السماء والتهم الذبيحة المشوية مع البصل والثوم
والكراث). (6) فغضب قابيل وعرف بعقله المحدود أن الله يريد ذبيحة دم
لكي يرضى ، فلم ير أحسن من أخيه هابيل فعمد إليه فقتله وأسال دمه على
الأرض ، وهكذا سن قابيل التشريع الشيطاني بتقديم القرابين البشرية
واستمر ذلك حتى يومنا هذا لا بل إلى يوم القيامة ، حيث لا حرمة
للدماء. المصادر
:1- سورة الأنعام آية : 46.
2- (ويقرب من ذبيحة السلامة وقودا للرب: الشحم الذي يغشي الأحشاء، وسائر الشحم الذي على الأحشاء، والكليتين، والشحم الذي عليهما الذي على الخاصرتين، وزيادة الكبد مع الكليتين ينزعها. ويوقدها على المذبح على المحرقة التي فوق الحطب الذي على النار، وقود رائحة سرور للرب. كل الشحم للرب.فريضة دهرية في أجيالكم في جميع مساكنكم: لا تأكلوا شيئا من الشحم). وكذلك ورد في سفر اللاويين 7: 23 (وكلم الرب موسى قائلا:كلم بني إسرائيل قائلا: كل شحم ثور أو كبش أو ماعز لا تأكلوا.وأما شحم الميتة وشحم المفترسة فيستعمل لكل عمل، لكن أكلا لا تأكلوه.إن كل من أكل شحما من البهائم التي يقرب منها وقودا للرب تقطع من شعبها، النفس التي تأكل).
3- سفر الخروج الإصحاح 33 : 11.
4- سفر التكوين الإصحاح 3 : 4.
5- سورة المائدة آية : 30.
6- الفصل السادس: أسئلة حول قصة الطوفان - كتاب مدارس النقد والتشكيك والرد عليها: ج5: سفر التكوين أسئلة على الطريق - أ. حلمي القمص يعقوب.
