أسباب قلة أنصار الحسين في كربلاء.
مصطفى الهادي.
لم يكن الحسين عليه السلام وحده من ابتلى بقلة
الناصر،فكل الأنبياء عانوا من قلة الناصر وخذلان الأمة لهم ، مما
تسبب في مقتلهم ومقتل الفئة التي آمنت بهم، وفي كثير من الأحيان
وبسبب قلة الناصر يتدخل الله لحماية نبيه والفئة التي آمنت به إما
بنزول الملائكة أو بالعقوبات فيقلب المدينة بمن فيها او يُغرقها
ثم يأمر نبيه أن يخرج منها.
فهذا موسى خذلهُ قومه وقالوا قال له (اذهب انت
وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون).(1) فالتفت موسى إلى ربه قائلا:
(رب لا املك إلا نفسي وأخي).(2) وهذا هارون قال لموسى : (يا ابن
ام ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلوني). (3) وهذا نوح قضى مئات
السنين بالتبليغ ولكن (ما آمن به إلا قليل).(4) فخرج فقط بأهله
حتى ابنه خذله وهلك وكان من المغرقين، وهكذا حكى الله عن النبي
لوط فقال : ( فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين).(5)
وهكذا نبي الله عيسى تركه اتباعه وهربوا حتى
تلاميذه تركوه وهربوا (6) فبقى وحيدا يُطاردهُ الجنود الرومان
واليهود . فأنقذه الله منهم ورفعه: (بل رفعهُ الله إليه).(7) وهذا
نبي الله يحيى(ع) خذله اصحابه فقتله القيصر وقطع رأسه وأهداه إلى
بغي من بغايا بني إسرائيل.(8)
ونبينا صلوات الله عليه ايضا تركه اصحابه في
معركة احد فلم يبق معه سوى عشر يدافعون عنه بينهم امرأة هي نُسيبة
الأنصارية، بينما فر الوف المسلمين تاركين رسول الله نهبا لسيوف
المشركين،والرسول يُناديهم ويدعوهم فلم يستجيبوا، فخلّد القرآن
عملية هروبهم هذه فقال : (إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول
يدعوكم في أخراكم ).(9) فقد فروا في كثير من المعارك وتركوا
الرسول وحده قال تعالى: (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن
عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين).(10)
وعلى طول الزمان وصف القرآن قلة المؤمنين في
آيات كثيرة منها قوله تعالى : (ثلة من الأولين ، وقليل من
الآخرين). قال المفسرون : (ثلة من الأولين اي جماعة صغيرة آمنوا
في الأمم الماضية ، وقليل من الآخرين ، يعني القليل آمن من أمة
محمد). (11)
ولعل الأغرب من ذلك هو أن لأهل الباطل : فراعنه ، اباطرة ، ملوك ،
قياصرة . لهم جيوش بالملايين وامكانيات عسكرية هائلة بسبب
استحواذهم على اموال الأمة وشرائهم للذمم بهذه الأموال.والناس
عبيد الدنيا.
وهكذا يتوالى مسلسل الخذلان للأنبياء ولأئمة الهدى من بعدهم واحدا
بعد الآخر.
وأما بعد وفاة الرسول (ص) فإن الامام علي سلام
الله عليه خذلته الأمة وهجموا على داره وسحبوه من بيته فخرج وحيدا
وهو يُنادي رسول الله : (يا ابن ام ان القوم استضعفوني وكادوا
يقتلوني). وعمر بن الخطاب فوق رأسه يقول : بايع وإلا ضربنا عنقك ،
فيقول لهم علي عليه السلام : إذن تقتلون عبد الله واخو رسول الله.
فقال له عمر : اما عبد الله فنعم ، وأما اخو رسول الله فلا.(12).
يقول الإمام علي (ع) : ثم حملت فاطمة وأخذت بيد ابني الحسن
والحسين (عليهما السلام) فلم أدع أحدا من أهل بدر وأهل السابقة من
المهاجرين والأنصار إلا ناشدتهم الله في حقي ودعوتهم إلى نصرتي،
فلم يستجب لي من الناس إلا أربعة رهط الزبير وسلمان وأبو ذر
والمقداد.
وضربوا الزهراء واسقط المحسن . والمسلمون
ساكتون (13) فاضطر أن يُبايع القوم. وقد قال المؤرخون أن عليا لم
يُبايع حتى رأى الدخان قد دخل عليه في بيته.(14) وكل ذلك جرى في
عاصمة الاسلام فأين كانت الوف المسلمين ؟؟ ثم بقى عليا وحيدا جليس
بيته ثلاثين سنة.
وفي معركة صفين كان جيش الامام علي يبلغ خمسين
الف هؤلاء كلهم سحبوا سيوفهم فوق رأس علي عليه السلام وقالوا له
يا علي أجب القوم و إلا قتلناك كما قتلنا ابن عفان، فو الله
لنفعلنها إن لم تجبهم.(15) فاضطر أن يقبل التحكيم مع معاوية ثم
قال قولته المشهورة (لا رأي لمن لا يُطاع).(16) ولو حصل الإمام
علي على مجموعة لقاتل بهم القوم كما يقول : (لو وجدت أربعين ذوي
عزم منهم لناهضت القوم).(17) وكذلك الإمام الحسن عليه السلام كان
جيشه اربعين الف ، فغدروا به وقاموا بطعنه في فخذه ونهبوا حتى
خيمته ، فاضطر للصلح مع معاوية .(18)
ولم ينته مسلسل الخذلان إلى يوم القيامة وخير
شاهد على ذلك هو قلة أنصار الإمام الحجة سلام الله عليه ، فلو وجد
الاعوان لظهر بإذن الله.(19) ولذلك نقرأ في كل صباح دعاء الافتتاح
الذين نقول فيه : (اللّهمّ إنّا نشكو إليك فقد نبيّنا صلواتك عليه
وآله وغيبة وليّنا وكثرة عدوّنا وقلّة عددنا وشدّة الفتن بنا
وتظاهر الزمان علينا).
والحسين عليه السلام له الأسوة بمن سبقه من الأنبياء وله الاسوة
بأبيه وأخيه الذين عانوا من الخذلان وقلة الأنصار.
المصادر:
1- سورة المائدة آية : 24.
2- سورة المائدة آية : 25. هرب موسى بالقلة من بني إسرائيل فتبعهُ
فرعون في مليون جندي ، فأغرقهم الله .
3- سورة الأعراف آية : 150.
4- سورة هود الآية : 40.
5- سورة الذاريات آية : 36.
6- (حينئذ تركه التلاميذ كلهم وهربوا فامسكوه ومضوا به).إنجيل متى
الاصحاح 26: 56.
7- سورة النساء آية : 158.
8- (هيرودس نفسه كان قد أرسل وأمسك يوحنا وأوثقه في السجن من أجل
هيروديا وقطع رأسه في السجن. وأتى برأسه على طبق). إنجيل مرقص
الاصحاح 6 : 28.
9- سورة آل عمران آية : 153.
10- قال الطبري في تفسير الآية : (إذ أعجبتكم كثرتكم)، وكانوا ذلك
اليوم، فيما ذكر لنا، اثنى عشر ألفًا.
11- الطبري جامع البيان ج27 ، ص: 172.
12- الإمامة والسياسة ج 1،ص 14، طبعة مصر سنة 1328 ه وقال
ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج 11، ص 111: قال ابن
قتيبة الدينوريّ: (أخرجوا علیاً، فمضوا به إلی أبي بكر،
فقالوا له: بايع! فقال (علیّ): إن أنا لم أفعل فمه ؟!
قَالُوا: إذَاً وَاللَهِ الَّذِي لاَإلَهَ إلاَّ هُوَ نَضْرِبُ
عُنُقَكَ! قَالَ علیٌّ: إذَاً تَقْتُلُونَ عَبْدَ اللَهِ وَأَخَا
رَسُولِهِ! قال عمر: أمّا عبدالله، فنعم. وأمّا أخو رسوله
فلا! فَلَحِقَ علیٌّ بِقَبْرِ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ
علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَصِيحُ وَيَبْكِي وَيُنَادِي: يَابْنَ
أُمَّ إنَّ القَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي).
13- ذكر حادث الهجوم على دار الزهراء الكثير من علماء السنة منهم
الطبري في تاريخه 2: 203 ، والبلاذري في أنساب الأشراف 1: 587/
طبعة دار الفكر. واليعقوبي في تاريخه 2: 126، والمقدسي في البدء
والتاريخ 5: 151، وابن الأثير في الكامل 2. 325.
14- الشافي في الإمامة: 3 / 241.
15- أنظر ابن مزاحم، وقعة صفين، ص490.
16- شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢ - الصفحة ٧٥.
17- السقيفة - الشيخ محمد رضا المظفر - الصفحة ١٨٠.
18- تاریخ الیعقوبي، دار صادر، ج2، ص214. و الدينوري، الأخبار
الطوال، 1368ش، ص217. والشيخ المفيد، الإرشاد، 1413 هـ، ج 2، ص12.
19- وجاء في (بشارة الإسلام) و(إلزام الناصب) و(يوم الخلاص) و(نور
الأنوار) و(بيان الأئمة) و(ينابيع المودة) و(علائم الظهور) وغيرها
من المصادر، أن أعداءه الفقهاء المقلَّدون، يدخلون تحت حكمه خوفاً
من سيفه وسطوته ورغبة فيما لديه.فعن الإمام الصادق عليه السلام
قال: - (إن قائمنا إذا قام استُقبل من جهلة الناس أشد مما استقبله
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جهالة الجاهلية. قلت: وكيف
ذلك؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتي الناس وهم
يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوته، وإن قائمنا إذا
قام أتي الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله، يحتج عليه به). بحار
الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥٢ - الصفحة ٣٦٢.