البكاء ولطم الصدور ما له وما عليه . تحليل حديث الحرمة . ج 2. مصطفى الهادي

2019/09/27

لطم الصدور ما له وما عليه . تحليل حديث الحرمة.ج2.

مصطفى الهادي.

الذي نأخذه على أهل السنة أنهم يعتبرون افعال واقوال الصحابي سنّة وتشريع يعملون به حتى لو كان منافقا او فاسقا فاجرا حيث وضعوا روايات كثيرة لتبرير ذلك منها مانسبوه للنبي (ص) من أنه قال : (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم أهتديتم).(1) وكذلك ما نسبوه للنبي (ص) أيضا أنه قال : ( الصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم براً كان أو فاجراً وإن عمل الكبائر‏‏‏).(2)  وقال النووي مبررا ذلك : (صلاةُ ابن عمر خلف الحجاج بن يوسف ثابتة في صحيح البخاري، وفي الصحيح أحاديث كثيرة تدل على صحة الصلاة وراء الفاسق والفاجر والأئمة الجائرين وقال أصحابنا: الصلاة وراء الفاسق صحيحة). (3) ولا أدري كيف عزب عنهم أن القرآن قال : (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون).(4) وقوله تعالى : (إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم).(5) فكيف تُقبل الصلاة خلف الفساق والفجار وهم من أهل النار. يعني أنهم زعموا أن النبي امر بذلك وأن ابن عمر فعل ذلك بصلاته خلف الحجاج بن يوسف فأصبح تشريعا بفعل أبن عمر!.

 وعلى هذه القاعدة اخذ اهل السنة دينهم عن كل فاسق فاجر منحرف تحت عنوان الصحبة فجعلوا من قوله وفعله تشريعا مساويا لما قاله النبي او فعله.ومن ذلك الحديث في حرمة اللطم والتشنيع على القائمين به حيث رووا حديثا عن عائشة في ذلك وهو ليس حديث نبوي ، بل كلام قالته عائشة وهو مختلف مضطرب وفيه إهانة لنساء المسلمين من انصاريات ومهاجرات ومع الأسف الشديد أن أهل السنة يعتبرون قول عائشة (تشريع) فيستنبطون منه الحرمة. تقول عائشة: (مات رسول الله ‏ ص‏ ‏بين ‏ ‏سحري ‏ ‏ونحري ‏، ‏وفي ‏ ‏دولتي ‏ ‏لم أظلم فيه أحداً فمن ‏ ‏سفهي ‏ ‏وحداثة سني ‏ ‏أن رسول الله ‏ ‏قبض ‏وهو في حجري ، ثم وضعت رأسه على وسادة وقمت ‏ ‏ألتدم ‏ ‏مع النساء وأضرب وجهي)6).) وقولهم : (تقول عائشة) ، هذا مصدر تشريع جديد.

ما نراه في رواية عائشة :

أولا : في روايتها ترى عائشة ان فعلها (اللطم والبكاء ولدم الوجه) مبني على السفه وحداثة السن  هذا هو ظاهر قولها ولكن المتمعن في روايتها يرى كذب ذلك لأن النبي لم يمت في حضن زوجاته كما يحلو للمنحرفين ان يُشيعوا ذلك  وللمستشرقين ان يُشنعوا على المسلمين بان نبيهم مات في حضن نسائه ، فأين اصحابه واهله واقربائه. كذب هذه الرواية يفضحهُ عمر بن الخطاب عندما سألوه : (ما كان آخر عهد عهد به نبيكم اليكم؟ فقال : سلوا علي ابن ابي طالب فهو آخر الناس عهدا به).(7) اي أن النبي مات في حجر علي وهذا هو الصحيح.

والسؤال هو: أن عائشة تقول بأنها كان سفيهة وحديثة سن يعني صغيرة وأن فعلها باللطم إنما كان بسبب ذلك ، ولكن ماذا تقول عن جمهرة نساء المهاجرين والانصار ممن كان يلطم وينوح ويضرب  الوجوه على فقد رسول الله (ص)؟ كما تقول : (وقمت ألتدم مع النساء ابكي واضرب وجهي).

يضاف إلى ذلك أن قولها (من سفهي وحداثة سني) أختفى في الروايات الأخرى التي ينقلها المؤرخون. يقول ابن سعد : (عن عروة عن عائشة قالت توفي رسول الله (ص) بين سحري ونحري وفي دولتي ولم أظلم فيه أحدا فعجبت من حداثة سني أن رسول الله (ص) قبض في حجري فلم أتركه على حاله حتي يغسل ولكن تناولت وسادة فوضعتها تحت رأسه ثم قمت مع النساء أصيح وألتدم وقد وضعت رأسه على الوسادة وأخرته عن حجري) .(8)

 وكذلك في رواية ابن الاثير اختفت جملة من سفهي وكذلك في لسان العرب (9) وابن الأثير كذلك قال : (اللدم بالتحريك : الحرم ، جمع لادم ، لأنهن يلتدمن عليه إذا مات ، والإلتدام : ضرب النساء وجوههن في النياحة ، ومنه حديث عائشة ،) قبض رسول الله ص وهو في حجري ، ثم وضعت رأسه على وسادة وقمت ألتدم مع النساء وأضرب وجهي.( (10)وعلى ما يبدو أنهم شعروا بالحرج من قول عائشة بأنها كانت ( سفيهة) فحذفوهما.

يضاف إلى ذلك ان قول عائشة (من سفهي) لا تقصد اللطم اوالبكاء بل ما قامت به من تحريك رسول الله من مرقده ووضع رأسه في حجرها. لانها تقول في بداية حديثها : (فعجبت من حداثة سني أن رسول الله (ص) قبض في حجري فلم أتركه على حاله حتي يغسل ولكن تناولت وسادة فوضعتها تحت رأسه).

مما تقدم نفهم أن استهداف شعيرة اللطم والبكاء على الميّت إنما جاء نتيجة لفعل عمر بن الخطاب الذي كان يستخدم عصاه في ضرب الرجال والنساء في حال بكائهم . ومن فعل عمر بن الخطاب قالوا بحرمة البكاء اواللطم عند المصيبة.(11)  ومن كل ذلك نفهم أنه ليس هناك تشريع ورد عن رسول الله (ص) يُحرّم فيه مظاهر الحزن والبكاء على  الميّت.

﴿وأنهُ هوَ اضحك وأبكى﴾ .(12)

 المصادر:

1- هذا الحديث رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ص 895 وابن حزم في الإحكام ج6 ص244. ومع اعترافهم ببطلانه إلا أنهم دائبين على الاستشهاد به.

2- رواه البيهقي في شعب الايمان و في سنن الدار قطني رقم 10 ص57ج2.وسنن البيهقي ج4 ص19 رقم الحديث 6623.

3-  المجموع شرح المهذب النووي ج4 ص :151. مطبعة الإرشاد تحقيق: المطيعي.

4- سورة السجدة آية : 18.  

5- سورة الانفطارآية : 14.

6- مسند أحمد - باقي مسند الأنصار ، باقي المسند السابق  رقم الحديث : 5144.

7- الغريب أن عائشة تُناقض نفسها فهي تروي ان النبي ص مات في حجرها ولكنها لربما نسيت فقالت : مات بين سحري ونحري ، او مات : بين حاقنتي وذاقنتي . انظر: شرح الاخبار للقاضي النعمان المغربي 1: 430 .وفي البداية لابن كثير ، وراية تقر فيها عائشة ان النبي مات في حجر علي (ع): عن ابن عمير أن أمه وخالته دخلتا على عائشة فقالتا : يا أم المؤمنين أخبرينا عن علي، قالت : أي شئ تسألن عن رجل وضع يده من رسول الله موضعا فسالت نفسه في يده فمسح بها وجهه. البداية والنهاية ج7: ص 397.

8- إبن سعد - الطبقات الكبرى - الجزء : 2  - رقم الصفحة : 261 .

9- ابن منظور  الجزء : 12 .رقم الصفحة : 540 .

10- إبن الأثير - النهاية في غريب الحديث - الجزء  4  رقم الصفحة : 245

 11- مارس عمر الخطاب الضرب بحق كل من يبكي ومنذ زمن مبكر ولكن الرسول (ص) نهاه عن ذلك (دعهم يا عمر، فإن العين دامعة، والنفس مصابة، والعهد قريب). مسند أحمد 3 ص 333. وحجة عمر في ذلك انه سمع رسول الله (ص) يقول : أن الميت ليُعذب ببكاء اهله عليه. ولكن عائشة كذبت هذا الحديث وقالت : (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه). فالحديث لا يشمل البكاء على المؤمن كما ترى بل أن الكافر اهله يبكون عليه وهو يُعذب في قبره. انظر :صحيح البخاري في أبواب الجنائز، وصحيح مسلم ج 1 ص 342، 343.والغريب ان عمر يضرب الباكين أشد الضرب وهو نفسه بكى عندما قُتِل النعمان بن مقرن المزني في معركة نهاوند.

12- سورةالنجم آية: 43.

أخترنا لك
الغدير والحالات الثلاث .

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة