تدليس لا مثيل له المهدي في نص لوقا. دراسة مقارنة.

2019/12/03

????️ تدليس لا مثيل له المهدي في نص لوقا. دراسة مقارنة.
مصطفى الهادي.
???? لا تُخفى الحقيقة إلا لكونها تُشكل خطرا على بعض الجهات دينية كانت او سياسية لأن الحقيقة من أهم وسائل الاطاحة بالاكاذيب وكشف زيف التحريف. وقد تم اخفاء الكثير من الحقائق بسبب الانانية والحقد مما أدى إلى حصول ارباك في عقول الناس وزرع بذور الشك فيها وهذا هو الهدف الذي ينشده من يقوم بإخفاء الحقيقة لأن زرع بذور الشك هي النوافذ التي يتسلل منها هؤلاء الدجالين لتحقيق مطامعهم.

???? في بحوث كثيرة بيّنت فيها كيف يتم اخفاء الحقائق والاسباب التي تدفع بعض من كبار رجال الدين إلى التواطئ مع الحكومات السياسية فيعمدون إلى خداع الناس عن طريق طمس الحقيقة وتغييرها اوتشويهها.

???? بين يديّ نصٌ في الإنجيل هو على شكل نبوءة يُلقيها عظيم الملائكة جبرائيل إلى زكريا هذه النبوءة تقول : (فظهر له ملاك الرب. فقال: يا زكريا،امرأتك أليصابات ستلد لك ابنا وتسميه يوحنا. ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس. ويتقدم أمامه بروح إيليا وقوته، ليرد قلوب الآباء إلى الأبناء، والعصاة إلى فكر الأبرار، لكي يهيئ للرب شعبا مستعدا).(1) ثم يتوجه عظيم الملائكة بالخطاب إلى الصبي فيقول له : (وأنت أيها الصبي نبي العلي تدعى، لأنك تتقدم أمام وجه الرب لتعد طرقه. بأحشاء رحمة إلهنا التي بها افتقدنا المشرق من العلاء. ليضيء على الجالسين في الظلمة وظلال الموت، لكي يهدي أقدامنا في طريق السلام). (2)

???? كل ما ورد في النصين أعلاه لم يقم بأي منها النبي يوحنا ولم يعمل بأي منهما ، لأن يوحنا قُتل في زمن مبكر جدا بحيث لم يترك القيصر له المجال ليقوم حتى بالتبليغ فيوحنا لم يتحقق على يديه اي شيء مثلا أنه لم يتقدم بروح إيليا وقوته ولم يرد قلوب الآباء إلى الأبناء ولم يُهيئ الشعوب لله ولم يُضيئ للجالسين في الظلمة ولم يهدي اقدام الناس إلى طريق السلام ، ولم يُقم حكومة العدل.

???? فإذا كان كذلك ، فماذا كانت مهمة يوحنا الحقيقية ؟ تعالوا نحتكم إلى الإنجيل الذي يقول : (جاء يوحنا المعمدان يكرز قائلا: توبوا، لأنه قد اقترب ملكوت السماوات).(3) إذن فيوحنا إنما جاء ليُعلن للناس اقتراب ملكوت الله، اي (حكومة العدل الإلهي). حيث كانت أحد أهم أركان رسالته، وانه حذر الامم وعلى رأسهم اليهود من الغضب الآتي أيضا ولذلك يُخاطبهم بغضب قائلا : (يا أولاد الأفاعي، من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي؟) . (4)

???? البعض يقول ان هذا الغاضب هو السيد المسيح وهذا محال لأن النص كله يتحدث عن يوحنا إضافة إلى ذلك فإن يوحنا يُبين ماهية هذا الغضب فيقول : (الذي يأتي بعدي هو أقوى مني، الذي لست أهلا أن أحمل حذاءه. هو سيعمدكم بالروح القدس ونار. الذي رفشه في يده، وسينقي بيدره، ويجمع قمحه إلى المخزن، وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ). (5)

???? من هذا يتبين لنا أن يوحنا لم يكن هو المقصود في هذا النص (الذي يأتي بعدي)، لأن النص يُشير إلى شخصية عالمية ستكون مسددة بالوحي وتمتلك قدرات يصفها يوحنا (نار لا تطفأ إلى أن يُنقّي البيدر). وهذا مما لم يتوفر في شخصية يوحنا ولا السيد المسيح أيضا الذي رحل باكرا جدا ولم يتحقق على يديه اي شيء.

???? ويوحنا كذلك قضى شطرا من عمره في السجن فلم يُحدث أي تغيير ابدا ولم يؤمن به إلا القليل ثم قُتل وهو في السجن (6) ولكن يتبين لنا أن يوحنا كان شاكّا بشخصية السيد المسيح فلم يكن يعلم أن الذي سوف يأتي بعده المسيح او غيره، وذلك بعدما رأى ان المسيح رجلٌ مسالم تعجب وارسل من يسأل عنه : (أما يوحنا فلما سمع في السجن بأعمال المسيح، أرسل اثنين من تلاميذه، وقال له: أنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟). (7) فقد رأى يوحنا أن أعمال السيد المسيح لا تدل على انه هو المقصود ولذلك سأله هل انت هو الآتي أم ننتظر آخر؟

???? وقد اجاب السيد المسيح على سؤال يوحنا فقال للرسولين : (اذهبا وأخبرا يوحنا بما تسمعان وتنظران: العمي يبصرون، والعرج يمشون، والبرص يطهرون، والصم يسمعون، والموتى يقومون). (8) أي قولوا ليوحنا أنا لست صاحبه الذي تنبأ عنه أنا شغلي الان هو ما تراه من معجزات لإثبات رسالتي ولم آتي لأقيم دولة لأن وقولوا ليوحنا أن يسوع يقول : (مملكتي ليست من هذا العالم).(9) ففي هذا النص يخبرنا السيد المسيح بأنه لم يأت لكي يُقيم مملكة او دولة وأنه لم يعط حق الجهاد لأتباعه حتى لو تعرض للخطر شخصيا فليس لهم الحق ان يشهروا السيوف لكي يُدافعوا عنه وهذا ما نراه واضحا عندما امر السيد المسيح أحد أتباعه أن لا يشهر سيفه ويرده إلى غمده (وإذا واحد من الذين مع يسوع مد يده واستل سيفه فقال له يسوع: رد سيفك إلى مكانه). (10)

???? ثم يستمر السيد المسيح في بيان مهمته عبر الاجابة التي قدمها على سؤال رئيس الكهنة اليهود الذي سأله : (أأنت المسيح ابن المبارك؟ فقال يسوع: أنا هو. وسوف تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة، وآتيا في سحاب السماء). (11) فالسيد المسيح بعد أن اجاب على سؤال رئيس الكهنة من انه هو ابن المبارك (يوسف النجار) كما يزعمون. ولكن السيد المسيح انتقل بكلامه إلى موضوع آخر وشخص آخر فقال لهم : (بأنهم سوف يُبصرون ان ابن الانسان آتيا على سحاب السماء بقوة) . وهذا ما نراه جليا واضحا في الاحاديث التي تقول بأن المهدي سوف ينزل من السماء بسبع قباب من نور، وفي رواية أخرى سوف ينزل من السماء واضعا يده على جناح ملكين.

???? ولم تكن هذه البشارة جديدة على يوحنا والسيد المسيح ، فقضية الوصول بالبشرية إلى بر الأمان وقيام حكومة ملكوت الله بشّر بها الوحي والانبياء كما يخبرنا السيد المسيح بذلك فيقول : (كان الناموس ــ الوحي ــ والأنبياء إلى يوحنا. ومن ذلك الوقت يبشر بملكوت الله، وكل واحد يغتصب نفسه إليه). (12) فالناموس (الوحي) والانبياء كلهم ذكروا هذا اليوم ولكن هناك كثيرون كانوا يغتصبون هذا اليوم لأنفسهم زاعمين أنهم المهدي، وحتى في الاسلام حصل ذلك حيث نرى أن أكثر من سبعين مهديا ظهر من اهل السنة والجماعة وحدهم ، وكذلك زعم بعض افراد من الشيعة انهم المهدي، ولكن لم يتحقق على ايديهم أي شيء وذهبوا إلى النارمفترين على الله ورسوله.

???? ولربما يزعم المسيحييون بأن يوحنا بشّر بالسيد المسيح على أنه هو الموعود،ولكن السيد المسيح ينفي ذلك حيث نراه يقول : (كان إنسان مرسل من الله اسمه يوحنا. هذا جاء للشهادة ليشهد للنور، لكي يؤمن الكل بواسطته. لم يكن هو النور، بل يشهد للنور .. هذا هو الذي قلت عنه: إن الذي يأتي بعدي صار قدامي، لأنه كان قبلي وهذه هي شهادة يوحنا، حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه: من أنت؟ فاعترف ولم ينكر، وأقر: إني لست أنا المسيح. فسألوه: إذا ماذا؟ إيليا أنت؟ فقال: لست أنا. ألنبي أنت؟ فأجاب: لا). (13) من هذا النص يتبين لنا أن يوحنا جاء ليشهد للنور، وهذا النور ليس المسيح ، وانهم ولا واحد منهم يكون (إيليا أو النبي)

???? ولكن يوحنا عندما اصروا عليه اجابهم اجابة مبهمة صارفا نظرهم عن اصل القضية لكي لا يعمدوا إلى تزويرها وتحريفها : (فقالوا له: من أنت، لنعطي جوابا للذين أرسلونا؟ ماذا تقول عن نفسك؟ قال: أنا صوت صارخ في البرية: قوموا طريق الرب، كما قال إشعياء النبي). (14) فكان جوابه مبهما بالنسبة لهم بأنه مجرد صوت صارخ في البرية . ولكنه طلب منهم ان يُقوّموا طريق الله أولا، وثانيا أن يوحنا أشار إلى اليهود بأن يبحثوا عن نبوئة إشعياء النبي ليعرفوا من هو ولماذا جاء وليشهد على ماذا.

???? وبالرجوع إلى نص نبوءة إشعياء الذي نقله بولص من التوراة تتضح الحقيقة حيث يقول بولص : (يقول إشعياء: سيكون أصل يسى والقائم ليسود على الأمم، عليه سيكون رجاء الأمم). (15) ومن أجل ان نتأكد من صحة النبوءة رجعنا إلى سفر إشعياء النبي في التوراة فوجدنا إشعياء النبي يقول : (ويكون في ذلك اليوم أن أصل يسى القائم راية للشعوب، إياه تطلب الأمم، ويكون محله مجدا).(16) في كلا النصين نقف امام أمرين.

???? الأمر الأول : إما يكون بولص قد أضاف على النص حرف (و) .
???? والثاني: أو أن اليهود قاموا بحذف (و) من نص اشعياء. وأنا أميل إلى الرأي الثاني وذلك أن اليهود في هذا النص من التوراة حذفوا حرف (و) لكي يتم تحريف النص وتشويه صورته وأغلب الظن ان عملية التحريف حصلت بعد أن تبين أن (يسّي) لم يكن من نسل داود وان يوحنا والسيد المسيح نفوا ان يكونوا هم المعنيين بهذه البشارة وان هذا القائد سوف لا يكون من أمة اليهود ولكن بولس اليهودي المتضلع بالتوراة وهو من كبار طبقة الكهنة عرف الخلل فأرجع حرف (و) إلى محله فظهر النص جليا واضحا (سيكون أصل يسّي والقائم). شخصيتان سيقودان العالم نحو العدل.
مفسروا وعلماء المسيحية حاولوا جاهدين صرف النص عن معناه والزعم بأن الذي يأتي في آخر الزمان هو عيسى المسيح وحده الذي سوف يحكم العالم.

???? ولكننا بيّنا ضعف هذا الرأي من خلال انكار المسيح بأن تكون له مملكة في هذا العالم: (مملكتي ليست من هذا العالم.. الآن ليست مملكتي من هنا). (17) والمسلمون كانوا أكثر انصافا من المسيحيين حيث ذكروا بأن المسيح والقائم المهدي سيأتيان في آخر الزمان وتكون القيادة والدولة للإمام المهدي القائم لأنهُ عليه وحده سيكون رجاء الأمم).

???? إن الفوضى العارمة التي حصلت نتيجة لذهاب السيد المسيح المفاجئ واختفاء تلاميذه (الحواريون) بصورة مريبة وكذلك اختفاء الانجيل بصورة غامضة منذ زمن مبكر جعلت المسيحية تتخبط في تفاسيرها التي ارتكزت بالاساس على كتاب هم كتبوه ووضعوا فيه ما شاء لهم ان يضعوا فيه.

???? من هذا النصوص وخلاصة البحث كله تتضح حقيقة أن كل الأنبياء إلى زمن يوحنا والسيد المسيح كانوا يحملون نبوءة إشعياء النبي وبشارته بأن اعتماد الأمم سوف يتحقق على يد اثنين وهما (يسوع والقائم) ولكن الرجاء سيكون على يد القائم وأنهما وحدهما فقط سوف يُحققان رجاء الأمم بالسلم والامان والعدل. وما علينا إلا أن ننتظر، ونكون مستعدين لذلك اليوم.

????️ المصادر :
1- إنجيل لوقا 1: 17.
2- إنجيل لوقا 1: 76.
3 – إنجيل متى 3: 1.
4- إنجيل متى 3: 7
5- إنجيل متى 3: 1 ــ 12.
6- إنجيل متى 14: 3 ـ 10 (فإن هيرودس كان قد أمسك يوحنا وأوثقه وطرحه في سجن وقطع رأس يوحنا في السجن).
7- إنجيل متى 11: 2.
8- إنجيل متى 11: 4.
9- إنجيل يوحنا 18: 36.
10- إنجيل متى 26: 52.
11- إنجيل مرقس 14: 61.
12- إنجيل لوقا 16: 16.
13- إنجيل يوحنا 1: 21.
14- إنجيل يوحنا 1: 22.
15- رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 15: 12.
16- سفر إشعياء 11: 10.
17- إنجيل يوحنا 18: 36.

أخترنا لك
الميثاق في اليهودية والمسيحية والاسلام .مصطفى الهادي

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة