قصة السرداب. من هو صاحب الكذبة الأولى. (1)

مصطفى الهادي .

والله أنهم ليعرفون معنى (سرداب) فهم أساطين اللغة العربية ، وقواميس اللغة بين أيديهم ولكن البغض أعمى عيونهم والخوف من المهدي اقض مضاجعهم ، فحرفوا المعنى وخدعوا العامة ولكن هيهات لابد ان تظهر الحقيقة يوما فتُخزي الكذّابين المفترين.

توضيح على بعض الروايات التي تتهم الشيعة بأن المهدي عليه السلام سيخرج من السرداب الذي دخل فيه.

يقوعبد الله القصيمي الذي تحامل على الشيعة، وافترى عليهم بشأن الإمام المنتظر عليه السلام، فيقول في أكاذيبه.( وإن أغبى الأغبياء، وأجمد الجامدين هم الذين غيبوا إمامهم في السرداب، وغيبوا معه قرآنهم ومصحفهم، ومن يذهبون كل ليلة بخيولهم وحميرهم إلى ذلك السرداب الذي غيبوا فيه إمامهم ينتظرونه وينادونه ليخرج إليهم، ولا يزال عندهم ذلك منذ أكثر من ألف عام).(2) .

وأما قول القصيمي قصم الله ظهره : (بأن الشيعة يذهبون كل يوم إلى باب السرداب ومعهم السيوف والخيول والبغال والطبول ويصرخون يا مهدي اخرج إلينا وهم يفعلون ذلك من أكثر من ألف عام). (3) أين ذلك ؟ ومن فعله من الشيعة وهذه سامراء ماثلة للعيان يأمها الزوار بعشرات الألوف والملايين كل عام وهي مليئة بأهل السنة والجماعة فلم يقل لنا احدٌ من اهل سنّة سامراء بأن الشيعة يفعلون ذلك فكيف عرف القصيمي ذلك وهو نزيل مصر.

الأغرب من ذلك أن هذه الأقلام المأجورة المستأجرة القصيمي واضرابهُ يعلمون أن كل الشيعة يؤمنون إيمانا قاطعا بأن المهدي سيخرج في مكة وليس من السرداب ، وهذه كتبهم تشهد على ذلك ولديهم مئآت الأحاديث التي ترويها مصادرها من أن المهدي (يخرج في مكة ويُبايع له بين الركن والمقام). لا بل أن أهل السنة أيضا يقولون بذلك. (4)   

في جواب ذلك أقول : من ضمن الخطط التي أعدها الامام العسكري (ع) للحفاظ على بقية الله سلام الله عليه هي أنه أخفى أمره قبل وبعد ولادته فتكتم في ذلك إلا عن خواص الشيعة.وذلك لكي يخفى شكله على من يُريد به شرا . يضاف إلى ذلك ومن باب الاحتياط اتخذ الإمام ممرا سريا يؤدي إلى خارج أسوار المدينة. ولربما كان السرداب الطريقة المُثلى لضمان نجاة الامام المهدي (عج) وسلامته من خلال إحداث ممر سري يضمن للامام خروجا صامتا إلى شلة من خلّص اصحابه ينتظرونه هناك . ومن هنا نرى الروايات كلها تؤكد على أن المهدي عندما دخل السرداب لم يخرج منه ، وبعض الروايات تقول أن السرداب امتلأ بالماء بعد دخوله.اي أن المهدي (ع) بعد دخوله الممر السري واغلاقه خلفه فتح كوة تسرب منها ماء الفرات لإغراق السرداب لمنع تقفي اثره أو اللحاق به من قبل جلاوزة الخليفة.

ولو تأملنا في زمن الامام العسكري عليه السلام لوجدناه من اشد العصور والازمنة على الأئمة وشيعتهم . ولو أخذنا فقط قول الخليفة المهتدي العباسي الذي يقول فيه (والله لأخلينّهم عن جديد الأرض).(5) اي يُبيد الامام وشيعته ، لعرفنا لماذا قام الإمام الحسن العسكري بكل هذه الاحتياطات في إخفاء شخص ولده المهدي ، وحفر نفق سري في بيته يؤدي إلى خارج المدينة ، لحفظ ولده من القتل.   

ومثال على ذلك ما نراه في سراديب النجف انها متصلة بعضها ببعض إلى خارج المدينة. فلم يكن السرداب مقرا ابديا للمهدي عليه السلام بل كان ممرا للطوارئ وافضل واسهل طريقة لمغادرة المدينة الشديدة الحراسة لانه كما نعلم أن سامراء كانت قاعدة عسكرية ضخمة والبيوت هي بيوت الجنود الأتراك. اضافة إلى ذلك فإن اضطراب الروايات هو أيضا مدروس بعناية لكي يتم تشتيت تفكير اعداء المهدي (عج) لأن أعدائه بعد اختفائه لم يجدو رواية ثابتة ترشدهم إليه او على الاقل تساعدهم في الوصول إلى مكانه. ومن المعروف أن جميع الكنائس القديمة يكون تحتها قبو أو سرداب يكون باباً يؤدي إلى ممرات تحت الأرض. وهكذا المدن المحصنة لا يغفل مهندسوها عن بناء السراديب والممرات السرية إلى خارج المدينة.

 فهذه السراديب والأقبية والممرات السرية تُعتبر أهم ما في مخططات المدن وحتى البيوت. ولو طالعت الكتب التي تتحدث عن هذه الممرات والسراديب والاقبية لهالك ما سوف تقرأه . مثلا في مدينة ديرينكويو وسط تركية هناك ممرات وسراديب تحت الأرض تتسع لأكثر من خمسين ألف شخص واطلقوا عليها مدن الجن لغرابة ممراتها السرية.مع وجود آبار كثيرة فيها.وهكذا مدينة بارى تروجولوديتى في فرنسا التي تطل على وادى الرون وقناة موندراغون، فإن فيها من الاقبية والسراديب والممرات ما يُذهل العقل.

وفي بكين يوجد هناك حوالي 90 مدخل لأنفاق تحت الأرض، وهذه المداخل مخبأة بسرية تامة في المحلات التجارية على طول الشوارع الرئيسية في كيانمين .وقد قالت الحكومة الصينية وقتها أن هذه الأنفاق يمكن أن تستوعب جميع سكان بكين حوالى 6 ملايين .وهذه غزة وجنوب لبنان مليئة أرضها بالسراديب والانفاق تحت الأرض حفرها حزب الله وحماس وهذه داعش ملئت ارض العراق بانفاق تحت الأرض.وفي جنوب ديالى في قضاء المقدادية (40 كم شمال شرق بعقوبة) والتي تقع على طريق سامراء عُثر على ممرات وسراديب تحت الأرض يعود تاريخها إلى 1500 عام قيل أنها تعود لسجون قديمة.

 بعد هذه اللمحة الموجزة فإن هناك امر آخر مهم ، وهو أن السيد محمد عم الامام المهدي (6) أمره والده الامام الهادي أن يسكن خارج سامراء بالقرب قرية الدجيل في بلد، التابعة لسامراء آنذاك وهناك كان في انتظار الإمام عند خروجه من الممر السري ، ومن أجل ان لا تصل عيون الجواسيس إلى هذا المكان أشيع أن هناك سبعا ضاريا يجوب هذه المنطقة فتحاشا الناس المرور بها لا بل أن اعوان السلطة ايضا ابتعدوا عنها وهذا يدل على أن المهدي لربما اتخذ من هذه الناحية مقرا مؤقتا لهُ بعد خروجه من السرداب إلى أن هدأت الملاحقة وازف وقت الغيبة الكبرى. وتم سرد حكايات كثيرة عن هذا السبع حتى أطلق لقب سبع الدجيل على ذلك المكان. ولذلك نرى كثرة ظهور الإمام المهدي (ع) في هذه المنطقة وله مقامات كثيرة فيها. (7)

مصدر الإشاعة.

عند تتبع اشاعة خروج الإمام المهدي من السرداب وأنه نائم طيلة هذه المدة فيه تبين أن اول من افترى ذلك هو ياقوت الحموي الذي ذكر هذه المزاعم في كتابه معجم البلدان عند الكلام عن سامراء فقال: وبها (سامراء) السرداب المعروف في جامعها الذي تزعم الشيعة أنّ مهديّهم يخرج منه). (8) فهو اول من قال بخروج المهدي من السرداب ثم تلاقف ذوي الأنفس المريضة ذلك ونسجوا حوله الاساطير واضافوا عليه ما يعلم الله ببطلانه.

المصادر :  
1- السرداب كما في تعريف ومعنى سرداب في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي فيقول : الجمع سرادِب وسراديب، وهو نفق تحت الأرض. وأما في قاموس المعجم الوسيط ،اللغة العربية المعاصرة ،الرائد ،لسان العرب ،القاموس المحيط.فيقول : بنى سرداب في وسط المدينة : نفق تحت الأرض تدخل فيه السيارات لتنفذ منه إلى الطرف الآخر، ومن هنا يُعتقد أن المكان الذي دخل فيه الإمام المهدي (ع) كان نفقا كما اسلفنا يؤدي إلى خارج المدينة وليس سردابا بالمعنى المتعارف عليه يعني (قبو) لأن القبو عادة لا مخرج فيه غير باب واحد ودرج ينزلون منه.

2- الصراع بين الإسلام والوثنية تأليف عبد الله القصيمي ج1 ص 374.

3- أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٦٢.المعروف أن قضاء سامراء (مركز المدينة والأرياف) تابع إلى تكريت، ويبلغ عدد سكانه حوالي 250,000 نسمة من العرب السنة. من عشائر السوامرة ( البو عباس والبو نيسان والبو دراج والبوباز والبوعيسى والبوبدري والبوأسود والبورحمن والبوحداد والبوويس) والبيات والبو بدران والدليم (البو نمر والبو فهد) والجبور والعزة والعبيد وبني تميم.والشيعة فيها قليل.يعني ربع مليون من أهل السنّة يسكنون في سامراء حول ضريح الإمام العسكري ويُحيطون بالسرداب لم يخبرنا اي احدٌ منهم بأنه شاهد الشيعة يأتون كل يوم ويقفون على باب السرداب بالخيول والبغال والطبول والسيوف ويصرخون اخرج يا مهدي؟!

4- انظر كتاب المهدي الموعود المنتظر عليه السلام عند علماء أهل السنَّة والاماميَّة تأليف: الشيخ نجم الدين جعفر بن محمَّد العسكري وهو في جزأين. احصى فيه المؤلف مئآت الروايات حول ذلك. ومن كتب اهل السنة وكلها تقول أن المهدي يُبايع له في مكة بين الركن والمقام . انظر : الصحيح المسند الرقم: 1345  : وأخرجه أحمد في مسنده رقم (7910) ، والطيالسي في (المسند) حديث رقم (2494)، وابن حبان رقم الحديث (6827).

5- اُصول الكافي: 1/510 ح 16 وعنه في الارشاد: 2/331 وفي اعلام الورى: 2/144، 145 وعن الارشاد في كشف الغمة: 3/204 .

6- محمد بن علي سبع الدجيل هو أبي جعفر محمد بن علي الهادي.أخو الامام العسكري وعم الإمام المهدي وقد أشيع انه توفي وعمره بحدود (24) سنة في بلد قرب سامراء. وقد ذُكر خبر موته دون التعرّض لكيفية الوفاة ولم يعلم أهل بيته بحاله إلاَّ بعد موته؟ وأنا أرى أنه لم يتوفى بل غاب بأمر والده الهادي لتكليفه بمهمة خطيرة وهي مهمة حفظ ابن اخيه المهدي في الجزيرة بين سامراء  وبلد وبغداد ولذلك نرى كثرة مقامات المهدي بها ، يضاف إلى ذلك أن قبر السيد محمد كان مكانه عبارة عن أملاك اشتراها الامام الهادي (ع) وكان ضمنها بساتين وضياع ، ولربما كان الامام الهادي (ع) يؤسس قاعدة يتخذها الامام المهدي (ع) سكنا أو ملجأ مؤقتا له ، ومن هنا كانت مسألة خفاء العنوان الشغل الشاغل للشيعة والخصوم على السواء .

7- راجع كتاب مجالس السيد محمد سبع الدجيل ، فاطمة الجعفر ، طبع الكويت 2008.

8-  ياقوت الحموي، معجم البلدان، ج 3، ص 173.