هل هو كتاب مقدس أو ناد للعراة .
مصطفى الهادي .
كلام الله كلام محتشم يصدر من حكيم والحكيم لا يستخدم الكلمات الهابطة
في وصف الناس ولا يفرض عليهم عقوبات تأباها الفطرة الإنسانية ، ومسألة
العري والتعري في الكتاب المقدس شائعة جدا حتى أنها طالت الانبياء
الذين هم اطهر واقدس البشر حيث يختارهم الله من صفوة عباده رجال خلصوا
حتى سموا على الملائكة واصبحوا نموذج تنعكس فيه كل صفاة الله
الجمالية. فليس من الممكن
أن يقوم الله بمعاقبة هؤلاء الأنبياء بأن يأمرهم بالتعري سنوات طويلة
يركضون بين الناس هكذا على المكشوف.
من بين هؤلاء الذين نالتهم هذه العقوبة المشينة إشعياء النبي وهو ابن
آموص ويُعتبر الكاتب لسفر إشعياء المشهور في التوراة يتكون سفره
من(66) اصحاحا اطلق الله عليه إسم (خلاص الرب) وهو التفسير الحرفي
لإسم إشعياء وهو من أنبياء اليهود الكبار حيث أن الله ارسل لليهود
عشرات الألوف من الأنبياء كلهم قتلوهم وذهب ذكرهم إلا من ترك سفرا في
التوراة يحمل اسمه.
قرأنا السفر كله فلم نر ذنبا لهذا النبي حتى يُعاقبه الله بهذه
العقوبة التي أمر فيها الله نبيه بأن يخلع ملابسه وحذائه ويركض بين
الناس ثلاث سنوات تتدردر عورته بين فخذيه وعجيزته نافرة بين الناس
وكأنه عمر بن العاص في معركة صفين. إلا اللهم أنه اراد أن يضرب مثلا
عن أمم أراد الله أن يُعاقبها بعقوبة التعري كما يلوح في آخر النص
ولكنها عقوبة لا مبرر لها من رب رحيم أن يترك خلقه عراة مكشوفين ولا
أدري لماذا فقط (الفتيان والشيوخ) يعاقبهم الله بهذه العقوبة
المشينة.
تقول التوراة على لسان الله عز اسمه : ((تكلم الرب عن يد إشعياء بن
آموص قائلا: اذهب وحل المسح عن حقويك واخلع حذاءك عن رجليك. ففعل هكذا
ومشى معرى وحافيا. فقال الرب: كما مشى عبدي إشعياء معرى وحافيا ثلاث
سنين، هكذا يسوق ملك أشور سبي مصر وجلاء كوش، الفتيان والشيوخ، عراة
وحفاة ومكشوفي الأستاه خزيا لمصر).
ولا أدري ما ذنب هذا النبي تتركه يركض عاريا وسط الناس مكشوف الأست
إذا أردت معاقبة ومصر وكوش وتسبيهم.
من جانبي كمحقق نصوص قديمة وجدت أن هذه الاهانة التي الحقها الله
بأنبياءه لا أساس لها من الصحة لأن سفر إشعياء مشكوك في صحته ، لأن
إشعياء يتكلم عن مرحلة ما قبل السبي ولكن الغريب أن سفر إشعياء أوله
قبل السبي والثاني بعد السبي وهذا محال. فإن الجزء الأول من سفر
إشعياء ابتداء من (الاصحاح الأول وإلى الاصحاح 39) تخبرنا أحداثه بأنه
كُتب قبل السبي بسنين طويلة ، بينما الجزء الثاني من السفر ابتداء من
(الاصحاح 40 إلى 66) قد تم كتابته ما بعد السبي إلى بابل. وقد اثبت
دوديرلن وإيشورن منذ سنة 1783 اي منذ زمن مبكر بأن الفصل الثاني الذي
يُعاصر فترة الملك كورش ملك فارس هو اضافة لا علاقة لها بالوحي وقد
أضيفت مؤخرا إلى الجزء الأول لأن إشعياء جاء قبل كورش بأكثر من (150)
سنة ، ولكن بعض الدارسين أيضا وجدوا أن هناك اضافة إلى هذين الجزئين
وهو الجزء الثالث من اشعياء والذي تم حذفه ويتكون من (الاصحاح 66 إلى
56).
من كل ذلك نرى أن الجزء الأول من إشعياء هو على شكل نبوءة يُحذر فيها
مدينة يهوذا من الاحتلال ، بينما القسم الثاني يبدو أنه يعطي تعزية
للناس المسبيين. ، بينما الجزء الثالث يتكلم عن دمار اورشليم يعني شيء
لا يشبه شيء على الاطلاق لأن الفترات بين هذه الاحداث متباعدة جدا لا
يبلغ عمر إشعياء مستواها لأن الوثنيين قتلوا إشعيا النبي وهو شاب. وقد
أثبت الباحث مار غاليوث (1964) بأن الجزأين المضافين في إشعياء لا
وجود لهما في الكتابات العبرية القديمة.
ولو قلنا جدلا بأن كورش أمر بإعادة سبي اليهود من بابل إلى يهوذا في
فلسطين كما يذكر إشعياء وأن هذا النص صحيح فإننا سوف نحكم على نبوءة
إرمياء النبي بأنها كذب وتزوير، لأن إرمياء قال عن أرض يهوذا: (لتجعل
أرضهم خرابا وصفيرا أبديا. كل مار فيها يدهش وينغض رأسه). فقد حكم
الله على ارض يهوذا بأن تبقى خرابا أبديا ، ولكننا نرى في سفر إشعيا
بأن كورش اعاد بناء يهوذا وبناء هيكلها وارجع سكانها إليها. فإيهما
صحيح؟؟
من كل ذلك نفهم أن هذا الجزء كله من إشعياء مشكوك فيه وانه من وضع
واضع لا يعلم أحدٌ نواياه تجاه نبي الله إشعياء فوصفه بهذا الوصف
المخزي ثم زعم أن هذا وحيٌ من الله. فعلى اخواننا في اليهودية
والمسيحية بيان ذلك والجواب على هذه الإشكالات الخطيرة التي تجعل من
كتابهم المقدس يتهاوى ويفقد مصداقيته.
المصادر:
1- سفر إشعياء 20: 2