الطوافر ودولة العصر الجديد!

2022/03/06

الطوافر ودولة العصر الجديد!
مصطفى الهادي.
ترسخت القناعة لدى الغرب وحلفائه والسائرين في ركابه ممن مسخت عقولهم الأوهام، بأن الدين والسياسة والعلم والتكنولوجيا لم يُقدما للبشرية حلولا دائمة للمشاكل التي تتفاقم كل يوم . ومن هنا بدأوا يفكرون بوضع نظام عالمي جديد بعيد كليّا عن كل تجارب وممارسات البشرية السابقة. ومن هذا المنطلق بدأ يُفكر بتأسيس دولة يقوم نظامها على ما يُطلق عليه (حركة العصر الجديد الثورية). التي ستكون نواة الدولة المستقبلية السعيدة. وبدأت هذه الفكرة منذ عصر (الهيبزة).(1) التي انطلقت بدايتها سنة 1967 في سان فر انسيسكو في أ مريكا.

وخصوصا في اواسط الحرب على فيتنام حيث قام الشباب الأ مريكي بالتذمر والتمرد على كل القيم السائدة آنذاك واعتبرها قيم بالية، موجها الدعوة إلى قيام حكومة عالمية تسودها الحرية والمساواة والحب والسلام. ولكنهم وبعيدا عن التوجه الديني تميزوا بعادات غريبة جدا ، حيث اطالوا شعورهم وارتدوا الملابس الرثة المهلهلة والتجول على هواهم والعيش في مغاور في الغابات وراجت بينهم الموسيقى والجنس والمخدرات بشكل ادى في النهاية إلى اضمحلالهم وتلاشيهم.

فانطلقت بعدهم مباشرة الدعوة إلى قيام (حركة العصر الجديد). منذ سبعينات وثمانينات القرن الماضي ، ولكن العالم لاحظ اشياء مهمة حصلت بعد انطلاق هذه الفكرة ، فبدلا من أن يبدأ الغرب بوضع أسس الدولة السعيدة ، لاحظ أن عدد قتلى الحروب والنزاعات المسلحة حول العالم فاق عدد ضحايا الحربين العالميتين بشكل كبير جدا جدا ، ناهيك عن الاضرار الاقتصادية وانتشار الامراض المستعصية التي أودت بحياة الملايين . ولعل الأغرب من ذلك أن مقومات هذه الاطروحة الجديد كانت بعيدة عن العقل والتفكير السليم ، فلم تتخذ من الدين والعلم وسيلة لبناء الدولة السعيدة ، ولكنها اعتمدت في رؤيتها للعصر الجديد على ممارسات وشعوذات غير منطقية تستمدها من (السحر ، والتنجيم الاتصال بالأرواح ، الصحون الطائرة استخدام البلورات والابراج والتنجيم والتقمص). وغيرها.

حركة العصر الجديد التي تدعوا إلى تأسيس الدولة السعيدة سيكون مقرها أ مريكا حيث ستكون قاعدة الانطلاق والبناء لهذه الدولة، فقام بالترويج لها مئآت او الوف من المنظمات ويبلغ عدد فلاسفتها ومعلميها مئآت الألوف. واعضاء حركة العصر الجديد ليس لهم اله شخصي يعبدونه ، ولكنهم يُشيعون فكرة إيجاد اله في كل مكان وفي أي مكان.ومن هنا انبثقت فكرة إيجاد دين شامل يجمع كل البشرية من دون تخلي اعضاء حركة العصر الجديد عن أديانهم وإيمانهم فكان هذا الدين هو (الدين الإبر اهيمي الجديد).

والتفكيرالسائد اليوم لدى حركة العصر الجديد هو إيجاد مكان يُمثل البشرية كلها ليتم تأسيس نواة الدولة العالمية الجديدة ، وإلى هذا اليوم فقد تم اختيار الجزيرة العربية فاقاموا معالم دولتهم الأولى ومعابدهم بجوار مكة المكرمة التي يعتقد الغربيون انها انسب مكان لقيام دولة العدل الإبر اهيمي الجديدة وذلك لأن مكة في زمن ما كانت وثنية وفيها يهود ونصارى ثم مسلمون. وإذا تعذر ذلك اقاموا كنيستهم الكبرى في أور العراق (كنيسة مار أبرام في الناصرية).

الغريب أن العالم كلما اقترب من الألفية الثانية ودخل فيها تنامت لديه فكرة مستقبل أفضل وألف سنة قادمة أفضل وتأسيس دولة يسودها مجتمع (يوطوبي) ، واليوطوبية هي : دولة كاملة بشكل مثالي في اوجهها الاجتماعية والسياسية والأدبية ، يتخيل فيها الانسان العيش في مجتمع مثالي ، مجتمع يزخر بأسباب الراحة والسعادة لكل بني البشر.وأما سبل الوصول إلى تغيير التفكير التقليدي لدى الناس لتقبل فكرة حركة العصر الجديد والابر اهيمية بحلتها الجديدة فيتم بواسطة اعادة المعرفة (الصوفية الأ وربية) التي جرى اخفائها وتجاهلها في عصر النهضة وما بعده فيزعمون أن تبني ذلك من شأنه ان يطلق العنان للطاقة البشرية الكامنة وستُدخل سلاما روحيا عالميا.

ولعل الذي يثير الشك والريبة في نفوس المفكرين ان كل هذه المزاعم تستند في اساسها على تنبؤات المنجمين وأرباب السحر، الذين زعموا أن سبب تخلف البشرية وحروبها ودمارحضاراتها وتضرر اقتصادياتها هو ا لدين ا لمسيحي حيث يُشيرون باصابع الاتهام إليه بصفته المذنب الرئيسي في خلق مجتمع مادي ومتخلّف وإعاقة التقدم والتطور لأكثر من الفين عام.

يقول المنجّمون الذين هم فلاسفة العصر الجديد وقوام الدولة السعيدة وحكمائها : اليوم وعلى ضوء حركة العصر الجديد ستتوضح خلال عصر الدلو الوشيك الذي هو عصر التنوّر الروحي ، فيزعمون أن حركة التغيير القادم سينتَج من قوى كونية غير بشرية ، أو من عرق خاص ينشأ من أفكار حركة العصر الجديد عقلاء جدا يطلق عليهم (الطوافر). يقول المنجّمون عن هؤلاء : أنهم العرق البشري المميز الذي سيخرج من البذور الوراثية التي زرعها القدماء المتنورون منذ (3500) عام، سيزدهر هذا العرق وينقذ العالم.(2)

ولو تمعنت في قولهم جيدا ستجد أنهم يقصدون بداية عصر بدء بني إسر ائيل المزروع فيهم بذور إليهة كونهم (ا بناء الله واحبائه) وهم يؤمنون بأنهم أحياء موجودون لا يموتون كما تصفهم التور اة : (لا يستطيعون أن يموتوا ، لأنهم مثل الملائكة، وهم أ بناء الله).(3) فعلى عاتق اليهود ستقع مسؤولية انشاء دولة حركة العصر الجديد بعد أن ينزل (مُسيّاهم). الذي سيقودهم لإنشاء هذه الدولة (على هذه الأرض التي لا يليق بأحد غيرهم أن يعيش فيها).(4)

ولذلك يؤكد العرّافون بأن هذه الشخصية ستأتي من عالم آخر، فيقولون : (أن التغيير القادم سينتج من قوى كونية غير بشرية).(5)

وفي اعتقادي أن كل ذلك بعضه مقتبس من الرؤية الإسلامية لشكل دولة المهدي العالمية التي سيستتب فيها العدل والسلام.لأن الروايات تتفق على أن دولة الامام المهدي عليه السلام هي دولة كونية ترتفع فيها الحواجز المادية فتكون متصلة بعوالم أخرى حيث تتحقق الوحدة بين عالمنا وعوالم الغيب الواسعة المحجوبة عنا. فقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام : (أما إنه سيركب السحاب ، ويرقى في الأسباب ، أسباب السماوات السبع والأرضين السبع).(6) وهذا مما لا يتسنى للعالم الغربي بكل قواه وسحرته ومنجميه ومشعوذيه تحقيقه.

المصادر :
1- الهيبزة، هي الحركة الهيبية (الهيبز) التي انطلقت في أمريكا لتشكيل نواة المجتمع السعيد، ولكنها فشلت فشلا ذريعا وتسبب بمآس اخلاقية مروّعة.
2- انظر صحيفة ذا وول ستريت جورنال عدد 11، كانون الثاني 1989.
3- إنجيل لوقا 20 : 36.
4- وابناء الله هم العرق الوحيد الذي يُليق بالأرض ان ينتشروا فيها كما تقول توراتهم في سفر الحكمة 12: 7 (لكي تكون الأرض التي هي أكرم عند الله عامرة بأبناء الله كما يليق بها).
5- مجلة استيقظ عدد 8 آذار مارس 1994الطبعة العربية بروكلين امريكا. وهي احد مجلات حركة شهود يهوه التي هي أيضا ترسم شكلا للدولة السعيدة ، ولكن بعد حرب هرمجدون التي ستقضي على ثلثي البشرية.
6- البحار : ج٥٢ص :٣٢١.
أخترنا لك
روايات سلمان الفارسي.

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة