مصطفى
الهادي.
لم يشأ الله تعالى أن
يجعل إسماعيل ذبيحا. في علم الله تعالى فإن القربان الذي
يُقدمه نبي الله إبراهيم فداء لدينه (الإسلام) سيكون في
زمن آخر ومكان آخر اختبارا للأمة، وذلك أن جميع الأديان
بعد إبراهيم عليه السلام تم تحريفها وإضاعة كتبها وقتل
الأنبياء الذين جاؤوا بها. فلم يجرأ أحد أن يُقدم نفسه
قربانا (ذبيحة) مع الأنبياء من أجل صيانة التوحيد
والتضحية من أجله. هذا الذبح العظيم تحقق في الإسلام
عندما أوشك الدين كله على الضياع (على أيدي أغيلمة
من قريش).(1)
فتحرك الإمام الحسين (ع) بهذا الاتجاه لأنهُ هو المعني
بقوله تعالى (وفديناه بكبش عظيم). أي فدينا الدين
الإسلامي بفداء عظيم. وهذا ما نراه في قول الإمام زين
العابدين (ع). (أنا ابن المذبوح بشط الفرات).(2) وهذا هو
الذبيح.
يقول فرانسيكو جوسلويس
: (أن النبي إبراهيم كاسر الأصنام ، قد أمره الله بأن
يُقدّم ولده قربانا ليُعبّر عن مدى ولائه، ولكن الله
برحمته فداه بذبح عظيم، فأكمل الحسين هذا الوعد من خلال
دمه الشريف وتضحيته المباركة).(3)
فالحسين (ع) مهوى
الأفئدة وربيع القلوب. ولذلك نرى أن الحسين عندما شدّ
الرحال إلى مكة عازما على الحج عدّل عن رأيه ولم يحج
فالحسين لم يذهب إلى مكة للحج عندما رأى أن أميرها يزيد
وواليها خادم ليزيد ، وإمام حرمها تابعا ليزيد، وجيشها
علوج ليزيد.
فقبل أن يتم تشريع الحج
بصورته التي نراها ، أمر الله نبيه أن يُطهر الكعبة من
الأصنام ويكسر عمود الشرك، وعمود الشرك ليس الأصنام
الحجرية ، بل من يقف وراء الأصنام من كهنة المعبد، هؤلاء
هم الأصنام التي تُعبد من دون الله تعالى، يقولون
فتُطيعهم الناس. والتي عادت من جديد لتحكم بيته الحرام
بعد رحيل نبيه. وما أكثر الأصنام التي يجب علينا كسرها في
هذا الزمان، وأولها أصنام النفس وآلهتها.(4)
فالحج هو رفض للشرك
والظلم وعبادة الأشخاص (5) فإن لم يرفض الحاجّ الظلم
والظالمين فهو لا يطوف إلا بأحجار . الحسين عليه السلام
كان يرى ذلك ويرى ان الحج في حقيقته تحول إلى (طواف بقصر
يزيد). وقد قالها ولاة الأمويين صراحة : (أن الطواف بقصر
أمير المؤمنين خير من الطواف بهذه الأحجار). (6) لا بل ان
دنيا الإسلام كلها أصبحت تطوف بقصر يزيد فقال قولته
الشهيرة : (إنا لله وإنا إليه راجعون، وعلى الإسلام
السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد، ولقد سمعت جدي
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: الخلافة محرمة على آل
أبي سفيان).(7) فلم يذهب إلى الحج لأنه لا يُريد ان يطوف
بقصر يزيد ولا أن يؤدي المناسك ليزيد ويعطي الشرعية ليزيد
فيُثبّت بذلك أركان حكمه ، وتوجه صوب مصرعه في كربلاء فحج
إلى واد طوى فختم مناسكه بالشهادة فجعل الله تعالى (أفئدة
من الناس تهوي إليه) وتزور مصرعه وتحفّ بقبره إلى يوم
القيامة.( 8 )
المصادر:
1- روى البخاري ومسلم
عن أبي زرعة أن النبي (ص) قال : (يهلك الناس هذا الحي من
قريش . قالوا فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: لو أن الناس
اعتزلوهم). ولكن الناس لم يعتزلوهم فهرعوا إلى السقيفة
فبايعوهم طمعا في الدنيا.
2- خطبة الامام زين
العابدين (ع) في الكوفة. بحار الأنوار - العلامة المجلسي
- ج ٤٥ - الصفحة ١١٣.
3- الباحث : فرانسيكو
جوسلويس الذي القى كلمة نيابة عن الوفد البرتغالي في حفل
اختتام فعاليات مهرجان ربيع الشهادة الثقافي العالمي
العاشر، من مقالة ، الكاتب ولاء الصفار منشورة في الموقع
الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة سنة 2014.
4- وهذا شرط إلهي بأن
أول الإيمان هو كسر آلهة النفس وأصنامها للوصول إلى الجنة
فقال تعالى : (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى
فإن الجنة هي المأوى). النازعات : 40. ولكن الإنسان لم
يفعل ذلك فقال تعالى : (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه).
الجاثية : 23.
5- تمام الحج لا يكون
إلا بالبراءة من المشركين، فأنزل تعالى سورة التوحيد
الخالص: (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر
أن الله بريء من المشركين ورسوله).سورة التوبة آية :
3.
6- كتاب الفتوح ابن
أعثم الكوفي ج5 ص : 17.
7- بحار الأنوار -
العلامة المجلسي - ج ٤٤ - الصفحة ٣٢٦.
8- كانت دعوة إبراهيم
(ع) من الله (فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم).إبراهيم :
37. فلم يطلب نبي الله إبراهيم (ع) من الله أن يجعل كل
أفئدة الناس تهوي إليهم. بل قال (من الناس) لأن إبراهيم
علم أن هناك من سوف يُبغضهم ويقتلهم. لأنه رأى ماذا فعل
به (نمرود) وشلّته في العراق عندما حاولوا إحراقه بالنار.
(قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم).