لماذا لا
نرى مؤلفات للأئمة(ع) بخط أيدهم؟
مصطفى الهادي.
من أباح دمائهم وأزهق
أرواحهم هل سيترك كتبهم بعدهم.
لو قام الأئمة سلام
الله عليهم بتأليف كتب لعلومهم المختلفة لحصل لها ما حصل
للقرآن والحديث فمع أن القرآن منزّل من الله تعالى وتعهد
بحفظه ، إلا أن اهل الأهواء عندما عجزوا عن مجاراته او
تقليده عمدوا إلى إحاطته بالروايات الطاعنة فيه والمثيرة
للشكوك والشبهات حوله مثل القول بتحريف القرآن ، او أن
النبي أخذ الآيات من اليهود والنصارى أو ان هناك رجلا
روميا او فارسيا كان يُعلّمهُ القرآن وأن ورقة بن نوفل له دخل في
القرآن .هذا على مستوى كلام الوحي. وأما أحاديث النبي
وخطبه فهي أيضا وحي لأنهُ لا ينطق عن الهوى ولكن سهام
المنافقين استهدفوها وانظر لحالها اليوم، ثم أين خطب
النبي ليوم الجمعة طيلة سنوات الدعوة التي تبلغ ما مجموعه
510 خطبة جمعة، نُقل لنا منها خطبة الوداع وخطبة سورة
ق.(1)
القرآن كما تقدم بيّن
لنا أسباب ضياع خطب الجمعة بقوله تعالى : فقد كان الصحابة
مشغولين بالتجارة ومتابعة زفن السودان ولعبهم وهذا
يُشغلهم عن حضور خطب الجمعة حيث تأتيهم القوافل يوم
الجمعة، فضاع اكثر خطب النبي (ص) . فما بالك بكلام
المعصومين عليهم السلام بعده. لقد فعل الأئمة كما فعل
رسول الله (ص) عندما لم يترك كتابا مدونا لأحاديثه. بل
كان يُلقيها على الصحابة فيحفظونها ويتناقلونها إلى أن
حان وقت تدوينها بعد أن أمعنوا فيها وضعا، وأشبعوها كذبا
بما يتلاءم وأهوائهم.
ثبت تاريخيا أن الشيعة
أول من دوّن الحديث، وصحيفة الإمام علي عليه السلام خير
شاهد وأما بقية الأئمة، فلهم أسوة بجدهم فكانوا يلقون
أحاديثهم وعلومهم على عدد كبير من أصحابهم في مساجد
الكوفة والمدينة لأن عصرهم كان عصر مؤامرات عليهم لا بل
عدم التورع عن قتلهم . فهل يترك الظالمون مؤلفات الأئمة
بعدهم لتفضح جهل الحكام وتُظهر علوم معادن الرسالة وحقهم
في الخلافة والحكم ؟ انظر لحال كتاب سليم بن قيس الهلالي
الذي إلى هذا اليوم يتبعهُ أعداء آل البيت بالنقد
والتشكيك والطعن لا بل انظر لحال الكتب السماوية السابقة
عندما رحل الأنبياء ووقعت هذه الكتب بأيدي الناس.لا بل أن
كتب أهل السنة تخبرنا بأن أبا بكر أحرق خمسمائة حديث، وأن
عمر كان يمنع رواية الحديث. وأن الصحابة كان لديهم مصاحف
خاصة بهم فرفضوا من بينها فقط مصحف الإمام علي عليه
السلام واليوم نحن نقرأ القرآن برواية ورش و حفص بن عاصم
وأضرابه ، ثم استعانوا بزيد بن ثابت لتدوين القرآن وتركوا
عدول القرآن الذين أوصى بهم رسول الله (ص) وقرنهم معا:
(كتاب الله والعترة).وقال عنهم لن يفترقا. فعن أي مؤلفات
نتحدث للأئمة. هل سلم الأئمة من القتل حتى تسلم مؤلفاتهم
بعدهم. ألم نشهد نحن في هذا الجيل عمليات الطعن في كل
تراث آل البيت عليهم السلام على يد أدعياء التشيع أيضا
أمثال : أحمد القبانجي ، وأحمد الكاتب والصرخي والطائي
والشيخ المؤيد وكمال الحيدري الذي قالها بكل وقاحة من على
منبر الفضائيات بأن (كل تراث الشيعة مأخوذ من المجوس
واليهود والنصارى).حتى أصبح الوهابية يتندرون بنا فيقولون
: (لم يترك لنا كمال الحيدري صاروخا لنطلقهُ على
الشيعة).
مع كل ما مرّ به الأئمة
فقد تركوا سلام الله عليهم تراثا وعلما لا حصر لمقداره
حملته صدور أصحابهم المخلصين يتناقلونه شفاها او على شكل
صحف يحوطونها بالسرية. إلى أن حل عصر تدوين تلك العلوم في
فترة الاضطرابات العباسية مع الأمويين في آخر عهدهم مما
أتاح الفرصة لتدوين علوم الأئمة ،وفي كل فترة تحل فيها
الفرصة تظهر مدونات حتى توفر بين أيدينا مئات المصنفات عن
أئمة اهل البيت في الطب ، والفقه ، والتفسير ،والبلاغة،
والكيمياء. لا بل ان هناك كتابا بخط يد الامام علي عليه
السلام سُمّيَ (كتابَ عليٍّ)، ويُسمّى أيضاً
(الجامعة)،(2) ورسالةُ الإمامِ الصّادقِ (ع) إلى
النّجاشيّ والي الأهوازِ المعروفةِ برسالةِ عبدِ اللهِ
بنِ النّجاشي .(3) والكتابُ المُسمّى بتوحيدِ المُفضّلِ
فهوَ مِن تأليفِ الإمام الصّادقِ (عليه السّلام) وإملائه
وهوَ أحسنُ كتابٍ في ردِّ الدّهريّةِ وإثباتِ الصّانعِ
.(4) وكتابُ رسائلِه عليه السلام رواهُ عنهُ جابرٌ بنُ
حيّانَ الكوفي قالَ اليافعي في مرآةِ الجنانِ : لهُ كلامٌ
نفيسٌ في علومِ التّوحيدِ وغيرِها وقَد ألّفَ تلميذُه
جابر بنُ حيان كتاباً يشتملُ على ألفِ ورقةٍ يتضمّنُ
رسائلَه وهيَ خمسمائةِ رسالة (5) وعلى سبيل المثال فكتاب
(بحار الأنوار) مثلا الذي هو أكثر من مئة مجلد يمكن عدّه
من مؤلّفات الأئمّة (عليهم السلام) فلم يرد فيه إلا ما
صدر عنهم ، وهكذا الكتب الأربعة ناهيك عن تفاسير خاصة
بالأئمة ، وهناك عشرات المصنفات أملاها الأئمة على
أصحابهم نظرا لصعوبة وضع اسم الإمام عليها ولو فعلوا ذلك
لضاعت هذه العلوم. فقد دعا رسول الله (صلى الله عليه
وآله) بمنى فقال: أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين ـ ما
إن تمسكتم بهما لن تضلوا، كتاب الله وعترتي ثم قال أبو
جعفر(عليه السلام): أما كتاب الله فحرفوا، وأما الكعبة
فهدموا، وأما العترة فقتلوا، وكل ودائع الله قد نبذوا
ومنها قد تبرؤوا.(6) فهل لو كتب الأئمة كتبا ومؤلفات سوف
تسلم من المنافقين.
المصادر :
1- ذكره الطبري في
تفسير سورة الجمعة عن قتادة: (بينما رسول الله صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يخطب الناس يوم الجمعة، فجعلوا
يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة، فقال: كم أنتم؟
فعدّوا أنفسهم فإذا اثنا عشر رجلا وامرأة؛ ثم قام في
الجمعة الثانية فجعل يخطبهم؛ قال سفيان: ، فجعلوا يتسللون
ويقومون حتى بقيت منهم عصابة، فقال: كم أنتم، فعدّوا
أنفسهم، فإذا اثنا عشر رجلا وامرأة؛ ثم قام في الجمعة
الثالثة فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة،
فقال كم أنتم؟ فعدّوا أنفسهم، فإذا اثنا عشر رجلا وامرأة،
فقال: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوِ اتَّبَعَ آخِرُكمْ
أوَّلَكُمْ لالْتَهَبَ عَلَيْكُمُ الْوَادِي نَارًا ،
وأنـزل الله عزّ وجلّ: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ
لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا).
تفسير الطبري تفسير سورة الجمعة آية : 11.ومثلة في بحار
الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٧٦ - الصفحة ٢٤٨.
2- العلامة الحلي (ت:
726هـ) كشف اليقين، تحقيق علي آل كوثر، منشورات مجمع
إحياء الثقافة الإسلامية، قم، طِّ، ص52.
3- وسائل الشيعة: ج12،
ص151.
4- التوحيد - المفضل بن
عمر الجعفي - الصفحة ٨.
5- أعيان الشيعة -
السيد محسن الأمين - ج ١ - الصفحة ٦٦٩.
6- بحار الأنوار: 23 /
140، باب 7، الحديث: 91.