التفضيل : حديث جلد المفتري.

2024/06/21

يحتج أهل السنة بالحديث الذي نسبوه  للإمام علي (ع) ويزعمون أنهُ قالهُ على منبر الكوفة : (لا أوتى برجل يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري).(1) 
إن الافتراء أخص من الكذب مطلقاً وذلك من جهتين:
الأول: كونه يطلق على خصوص الكذب العظيم أو الكبير لا كل كذب، كما قال في مجمع البحرين: (الفرية: الكذبة العظيمة التي تتعجب منها، والافتراء العظيم من الذنب).(2)
الثاني: ان الافتراء انتهاك حق الغير، وليس مطلق الكذب كذلك، فالافتراء مأخوذ من الفري ـ والفري هو القطع مثل فري الأوداج ــ  فكأن الكاذب المفتري قد فرى وقطع واقتطع من حقهم، و الآيات التي وصفت الكفار بالافتراء ناظرة الى انتهاك لحق المنعم وحق الخالق.(3) 
نعم صحيح ، من فضّل عليا على أبي بكر وعمر وجب جلده، لأنهُ لا قياس ولا تساوي ولا تفضيل بين ابو بكر وعمر وبين الإمام علي. ومن يفعل ذلك فهذا افتراء على الله ورسوله، والمفتري يجب أن يُجلد. لأنهُ لا قياس بين الفاضل والمفضول. أن تقيس مثلا بين الثرى والثريا. فلو كان ابو بكر وعمر أفضل من الامام علي عليه السلام لماذا لم يزوجهما النبي فاطمة عندما خطباها، وقبِل تزويجها للإمام علي (ع) وسبب وجوب حد المفتري من حيث نسب لهما بالمفاضلة مالا يستحقانه من الفضل.
قائل هذا الحديث أوجب حد المفتري على الرسول الله (ص)، وحاشا له من ذلك، لان رسول الله (ص) قد فضل أمير المؤمنين (ع) على سائر الخلق، وآخى بينه وبين نفسه، وجعله بحكم الله في المباهلة نفسه، وسد أبواب القوم إلا بابه، ورد أكثر الصحابة عن انكاحهم ابنته سيدة نساء العالمين (ع) وأنكحه، وقدمه في الولايات كلها ولم يؤخره، وأخبر أنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وأنه أحب الخلق إلى الله تعالى، وأنه مولى من كان مولاه من الأنام، وأنه منه بمنزلة هارون من موسى بن عمران، وأنه أفضل من سيدي شباب أهل الجنة، وأن حربه حربه وسلمه سلمه. 
وهذا الحديث أيضا أوجب الحد على أمير المؤمنين نفسه إذ أبان فضله على سائر أصحاب الرسول الله (ص) حيث يقول: (أنا عبد الله وأخو رسول الله، لم يقلها أحد قبلي ولا يقولها أحد بعدي إلا مفتر كذاب).(4) فعلي عليه السلام هنا يُفضّل نفسه على أبي بكر وعمر وسائر الصحابة. فهل نعمل بالحديث ونجلده حد المفتري. 
ومثله ما قاله رسول الله (ص) : (ما أَظَلَّتِ الخضراءُ، ولا أقَلَّتِ الغَبْراءُ من ذي لهجَةٍ أصدقَ ولا أوْفى من أبي ذَرٍّ ؛ شَبَه عيسى ابنِ مريمَ . فقال عمرُ بنُ الخطابِ كالحاسدِ : يا رسولَ اللهِ ! أَفَنَعرِفُ ذلك له ، قال : نعم ! فاعْرِفوه).(5) 
 فلم يكن أبو ذر بهذا القول أصدق من رسول الله (ص). فكلاهما أضلتهما الخضراء. وأقلتهما الغبراء. وعلى ضوء هذا الحديث فإن أبا ذر كان أفضل من عمر وأبي بكر ومن جميع الصحابة.
أهل السنّة يحتجون على الشيعة بأن هذا الحديث مذكور في كتبهم ابتداء من البحار إلى الخوئي في معجمه.(6) ولكن أهل السنة فاتهم أن الشيعة إنما يذكرون هذه الأحاديث في كتبهم لا للاعتراف بها بل للرد عليها وكشف زيف أمثال هذه الأحاديث وتناقضها. فالشيعة كانوا في معرض الردّ ، وهذا الحديث من مرويات أهل السنة لا من مرويات الشيعة. ولو دققت في هذا الحديث لوجدت أن أي مصدر ذكره من مصادر الشيعة وضع الردود تحته. 
 وخلاصة القول : إذا كان أبو بكر أفضل الصحابة بعد النبي (ص) وأنهُ أفضل من علي (ع) فلماذا يمتنع عن بيعته سعد بن عبادة الأنصاري زعيم الخزرج وعشيرته ، وكذلك الإمام علي وبنو هاشم، والكثير من الصحابة في المدينة، وبعض قبائل المدينة أمثال قبائل عبس وذبيان ، وقبائل اليمن ومن حول المدينة أمثال قبيلة  بني تميم وزعيمها مالك بن نويرة. ثم قبائل مثل : قبيلة طيئ وبني اسد بقيادة طليحة بن خويلد الأسدي، ثم بني حنيفة، ثم قبيلة غوث وجُديلة. فهل كل هؤلاء لا يعرفون فضل أبي بكر، فيمتنعون عن بيعته فيرسل لهم ابو بكر الجيوش بقيادة خالد بن الوليد لقتالهم بتهمة الارتداد. وهم لم يرتدوا بل توقفوا ليروا ما ينجلي عليه الأمر بعد وفاة رسول الله (ص) وعندما علموا أن أبا بكر نزا على السلطة امتنعوا عن البيعة وبعضهم امتنع عن إعطاء الزكاة لانهم سمعوا في غدير خم غير الذي يروه يحصل في المدينة. فكانت قبائل الأعراب المنافقين وكذلك أهل النفاق في المدينة خير عون لأبي بكر للقضاء على من رفضوا البيعة له. (7)
المصادر : 
1- ابن تيمية ، مجموع الفتاوى ج4 ص 479) . الحديث ورد في البحار أيضا، ولكن في معرض الرد عليه راجع بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٠ - الصفحة ٣٧٧.
2- مجمع البحرين: ج١ ص٣٢٩.
3- مجمع البحرين: ج١ ص٣٢٩.
4- المصنف في الأحاديث والآثار، ابن أبي شيبة، كتاب الفضائل، فضائل علي بن أبي طالب ، ج6 ص : 368. ثم مالنا نرى علي ابن أبي طالب (ع) يملأ خطبه بذم الشيخين أبو بكر وعمر ومعهم عثمان، ودونك الشقشقية فاقرأها. 
5- المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري، ج 4 ص حديث رقم : 5511.
6- البحار 10/344 ، 47/354 ، 49/192 ، الصراط المستقيم 3/152 ، الصوارم المهرقة 323 ، 292 ، 277 ، رجال الكشي 393 ، عيون أخبار الرضا 2/187 ، الفصول المختارة 167 ، كفاية الأثر 312 ، معجم الخوئي 8/153-326 .
7- ) وهم الذين وصفهم الله تعالى بالنفاق : (وممن حولك من الأعراب ومن أهل المدينة منافقون مردوا على النفاق).سورة التوبة آية : 101.بأمثال هؤلاء قاتل أبو بكر من أرتد عن بيعته.


الكاتب مصطفى الهادي 


أخترنا لك
دعوة السفياني : الإصلاح والسلمية.

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة