هل المهدي ستقتلهُ امرأة ؟ نظرة على رواية الزام الناصب

2022/04/22

هل المهدي ستقتلهُ امرأة ؟ نظرة على رواية الزام الناصب.
مصطفى الهادي.
رواية يتيمة وردت في كتاب الزام الناصب تفيد بأن الإمام المهدي عليه السلام عندما يحكم العالم بعد حروب، سوف تقتله امرأة برمي حجر الرحى او الجاون على رأسه. هكذا وبكل بساطة يتم القضاء على المهدي وكأن لا جيوش ولا اتباع ولا انصار ولا حراسات وحمايات الهية ملائكية وغيرها من احتياطات يعرفها حتى ابسط الناس. هذه الرواية تلاقفها من في قلوبهم مرض وبنوا عليها أوهام وخيالات مفادها عدم صلاحية التشيع ولا فائدة منه لأن قائده سوف تقتله امرأة.وقد تتبعت ما يكتبه هؤلاء المرضى فهالني كثرة ما حيك من اباطيل حول هذه الرواية اليتيمة.

بحثت عن اصل الرواية فوجدت بعض الكتب تنقلها ولكنها مقطوعة السند (مرسلة) ولكن البعض اعتمد في النقل على كتاب الزام الناصب الذي يذكرها أيضا من دون ذكر مصدر أو دليل او راو. .الرواية تقول : (فإذا تمت السبعون سنة أتى الحجة الموت فتقتله امرأة من بني تميم اسمها سعيدة ولها لحية كلحية الرجل بجاون صخر من فوق سطح وهو متجاوز في الطريق).(1)

بعد التدقيق والتتبع لم نعثر على روايةٍ أو نقلٍ في تراثِنا عن المعصومين يشيرُ إلى ذلكَ، سوى ما نقلهُ الشّيخُ علي الحائري اليزدي المتوفي سنة 1333 هجرية) نقلا عن بعضِ العلماءِ ولم يذكر لهم اسما وبعضهم ينسبها للامام الصادق عليه السلام من دون واسطة، ثم يتبين أنها رواية وليست حديث، وما اكثر الروايات التي يتناولها اصحاب المنابر.

قبل الدخول في اصل الرواية او اصل فكرة الرواية لابد من القول، أن بعض علمائنا الأجلاء ينقلون كل رواية ورد فيها ذكر ائمة أهل البيت حتى لو كانت من كتب المخالفين أو من الاسرائليات وهي قليل لا يُعتد بها، ولكن هذا لا يعني انهم يعترفون بصحة هذه الرواية بل من باب العلم بالشيء.لأنهم آلوا على انفسهم نقل كل ما يتعلق بتراث آل البيت عليهم السلام فكل رواية او حديث يذكر احد المعصومين يقومون بنقله ثم يقومون بفرزه والاشارة إلى مواطن الخلل فيه وهل هو مكذوب أو ضعيف او مقطوع وهكذا.

بعد البحث تبين أن اصل الرواية يعود إلى التوراة التي تقول بأن أبي مالك ملك شكيم في فلسطين وما جاورها انتصر في حروب كثيرة ولكنه عندما اقترب من مدينة (تاباص) واقتحمها وجد فيها برجا منيعا، فكمنت له ابنة (يفتاح).(2) من فوق احد البيوت وهي تحمل حجر الرحا أو الجاون فتقول الرواية : (فجاء أبيمالك إلى البرج وحاربه، واقترب إلى باب البرج. فطرحت امرأة قطعة رحى على رأسه فشجت جمجمته. فدعا حالا الغلام وقال له: اقتلني، لئلا يقولوا عني: قتلته امرأة).(3)

ولربما أن خيال بعض اليهود أو بعض ارباب المنابر ممن دس إليه اليهود هذه الفكرة،خصوصا وإننا نرى اثر مشابه لها في روايات المسلمين في واقعة بني النضير استوحى قصة قتل المهدي على يد امرأة ، فقام بنسج رواية من خياله زعم فيها أن المهدي سوف يُقتل بحجر الرحا على رأسه ، فجمع بين رواية البيهقي التي تقول بأن اليهود تآمروا على النبي لقتله بالقاء صخرة على رأسه. ورواية التوراة التي تذكر بأن امرأة قتلت احد الملوك بالقاء حجر الرحى على راسه. ليخرجوا لنا بنسيج مشوّه، لا يشبه بعضه بعضا وخصوصا المرأة ذات اللحية التي لم نجد تفسيرا لها، ففي كلا الروايتين استخدم اليهود حجر الرحى في القضاء على خصومهم، ولكن في رواية التوراة ذكرت بأن امرأة هي التي قتلت الملك.

اما رواية بني النضير فمفادها: (خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى بني النضير يستعينهم في الدية، قالوا: نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت، ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى جانب جدار من بيوتهم قاعد. فقالوا: من رجل يعلو هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيقتله بها فيريحنا منه، فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال ... فأتاه الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام وقال لأصحابه: لا تبرحوا، فخرج راجعا إلى المدينة).(4)

ولما كان اليهود يعلمون بأن من العار على الرجل أن تقتله امرأة عمدوا إلى الزعم بأن المهدي تقتله امرأة بالقاء حجر الرحى على رأسه كما تذكر توراتهم عن احد الملوك الذي رمته امرأة بحجر الرحى على رأسه فقال لعبده (اخترط سيفك واقتلني لكي لا يُقال أن امرأة قتلتني). فكان هدفهم في اضافة المرأة إلى المشهد هو الامعان في اهانة شخصية المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.خصوصا وأنهم يعلمون بأن الامام المهدي عليه السلام مثل أبيه الإمام علي عليه السلام سوف يحطم دولتهم ويسفّه احلامهم ويقضي عليهم وينقذ الناس من شرّهم.

وبالعودة إلى رواية الزام الناصب ، فهي على أقلّ ما يُقال عنها أنها رواية تناقلتها الألسن وليست حديث يُنسب إلى المعصوم أو جهة معينة . ومن يقول بغير ذلك عليه أن يُقدم لنا دليل على قوله، فاكثر ما يُقال عن الرواية أنها مرسلة لا يُعتد بها ، ولذلك اهملها علمائنا كليا.وما اكثر الروايات التي يستشهد بها ائمة المنابر لكي يجعلوها خاتمة لمجالسهم، وعادة ما يقوم بذلك فئة معينة من الشيوخ بعضهم لم يدرس في حوزة او جهة دينية بل قرأ كتبا ثم حشر نفسه في قرى بعيدة ليصبح فيها شيخا يرتزق من ذلك، فلا عجب إذا ظهرت على السنتهم الكثير من الروايات الاسرائيلية او المدسوسة او الخيالية، فهؤلاء لا علم لهم. وغايتهم وهمّهم هو استغلال هذه المنابر للنفع المادي. ومن هنا ورد عن الأئمة المعصومين انهم قالوا : (ملعون من استأكل بنا).

وفي رواية عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (الشيعة ثلاث: محب واد فهو منا، ومتزين بنا ونحن زين لمن تزين بنا، ومستأكل بنا الناس، و من استأكل بنا افتقر).(5) اي ملعون من جعل ذكرنا مصدر رزقه ويقضي عمره فقيرا.

المصادر :
1- إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب - الشيخ علي اليزدي الحائري - ج ٢ - الصفحة ١٤٣. و: ج 2 ص 167. وفي نسخه ثانيه ج2 ص 146 وفي نسخه ثالثه ج2 ص 139.
2- وكان يفتاح الجلعادي جبار بأس، وهو ابن امرأة زانية). سفر القضاة 11: 1.
3- سفر القضاة 9: 52 ـ 54.
4- دلائل النبوة، البيهقي 3 / 354، طبعة دار الكتب العلمية، سنن البخاري، كتاب المغازي، باب حديث بني النضير، فتح الباري 7 / 329، وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب إجلاء اليهود من الحجاز ص 1387 - 1388، ح 62.
5- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٦٥ - الصفحة ١٥٣. 
أخترنا لك
شبهات حول الأربعين .

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة