سلمان الفارسي شخصية حيّرت المسيحية.

2024/03/25

سلمان الفارسي شخصية حيّرت المسيحية.
مصطفى الهادي.
دراسة لبعض الجوانب الخفيّة.
لم يُظلم سلمان الفارسي من قبل بعض الصحابة ، بل أن عذابه وظلمه سبق الإسلام على أيدي أمم وأقوام وأفراد. ففي رحلته من أصفهان إلى الجزيرة العربية التفافا على تركيا ثم سوريا، وقطعه لمسافات شاسعة وتعرضه لما تعرض له من عذاب ومشقه وعيشه مع عدد من الرهبان حيث قيل أنه اعتنق المسيحية لأنه رآها افضل من الزرادشتية. ثم الغدر به في الطريق وبيعه كعبد، كأن ذلك لا يكفيه ، فقام النصارى بسرقة هذه الرحلة وحوروها بطريقة زعموا فيها أن شخصا مجوسيا أو عدة مجوس (حسب بعض الروايات المسيحية كان سلمان وأخيه) رأوا نجما يُشير لهم أن يسيروا خلفه ويتبعون أثره. فكانت رحلتهم او رحلته من أجل البحث عن السيد المسيح ، فاختلقوا عدة شخصيات تكاد تتشابه لما ورد من قصة سلمان الفارسي.
هذا الزعم أوقعهم في إشكالات لا يُمكن الخروج منها، أو تجاوزها. كما سيأتي بيانه.
رحلة البحث هذه سرقها النصارى ودونوها على أنها من مآثر نبيهم السيد المسيح (ع) كما يرويها لنا متى في إنجيله بطريقة لا يقبلها العقل ولذلك رفضها غيره بسبب إبهامه لعددهم وأسمائهم. ومتى هذا هو الوحيد الذي ذكر قصة المجوس أو المجوسي الذي جاب الدنيا باحثا عن نبي آخر الزمان، فقد عزفت كل الأناجيل عن ذكر هذه القصة. مع قولهم أن متى شخص مجهول، وأن إنجيله كان آخر ما كُتب من الأناجيل .فحسب عدد من المؤرخين النصارى فإن إنجيل متى كُتب في القرن الثالث بعد الميلاد، أو على احسن الأحوال كُتب في أواخر القرن الثاني أي بعد رحيل السيد المسيح بسنوات. وإذا حسبنا ذلك إلى بعثة نبي الإسلام يكون المجموع مائتين سنة أو أكثر بقليل وهي الفترة بين كتابة إنجيل متى ومبعث نبينا (ص). وهذا هو العمر الافتراضي الذي يذكره المؤرخون لسلمان الفارسي حيث قالوا بأنه عاش ما بين ثلاث مائة وخمسين سنة وقيل مائتان وخمسون. قال الذهبي أنه عاش مائتين وخمسين سنة. (1) وقال ابن الأثير عن العباس بن يزيد: قال أهل العلم عاش سلمان ثلاثمائة وخمسين سنة.(2)
فكما هو معروف بين المسلمين فإن الفترة الزمنية بين رحيل السيد المسيح وولادة نبينا اكثر من خمسمائة عام بقليل. فإذا طرحنا منها الفترة التي كتب فيها متى إنجيله ، أصبحت الفترة الباقية تُمثّل عمر سلمان الفارسي على أغلب الروايات. وبهذا فهو لم ير السيد المسيح ولم ير القيصر ولكن إذا جمعنا الروايات المسيحية والروايات الإسلامية فيكون عمر سلمان الفارسي كما تذكره الروايات. فإذا قيل أنه أكثر من أربعمائة سنة فإن الإنجيل يكون شاهد على ذلك. وإذا قلنا اقل من أربعمائة سنة تكون الروايات الإسلامية شاهد على ذلك.
عمر سلمان الفارسي في روايات المسيحيين وأهل السنة والشيعة.
إذا اعتمدنا رواية إنجيل متى فيكون عمر سلمان الفارسي أكثر من خمسمائة عام. لأن متى يقول بأن المجوسي رأى يسوع واره وهو في المهد صغيرا، وأنهُ هو من أشاع خبر ولادته كما سيأتي في قسم الإنجيل.
قال الطبرسي. قال النبي (ص) : (اتهنون سلمان بالإسلام وهو يدعو بني إسرائيل إلى الإيمان بالله منذ أربعمأة سنة وخمسون سنة).(3)
وقال في الباب الرابع عشر ، أنهُ قال صلى الله عليه وآله لزوجاته : (سلمان عيني الناظرة، ولا تظنون أنه كمن ترون من الرجال، إن سلمان كان يدعو إلى الله تعالى، وإليَّ قبل مبعثي بأربعمأة وخمسين سنة).
وقال السيد المرتضى في الشافي : (روى أصحاب الأخبار أن سلمان الفارسي عاش ثلاثمأة وخمسين سنة وقيل إنه أدرك عيسى (ع). وقال بعضهم : بل عاش أكثر من أربعمأة سنة ، وقيل إن ما ذُكر هنا هو برواية الأكثر، وأما الأقل فمأتان وخمسون سنة).
وفي مجمع البحرين قال : نقل أنه عاش ثلاثمأة وخمسين سنة، وأما مأتين وخمسين فممّا لا يُشك فيه. بل في السيرة الحلبية : ونقل بعضهم الإجماع على أن سلمان عاش مأتين وخمسين سنة. وفي حواشي تلخيص الرجال للميرزا محمد ،عن تهذيب الأسماء: إن سلمان عاش مأتين وخمسين سنة، وقيل : ثلاثمأة وخمسين سنة، وقيل: أنه أدرك وصي عيسى عليه السلام. ولربما تُشير هذه الرواية إلى لقائه بـ (متى) لأنهُ من الأوصياء الاثنا عشر للمسيح وهو كاتب الإنجيل بزعم المسيحيين وهو الوحيد الذي نقل قصة المجوسي.
وقال العباس بن يزيد : (قال أهل العلم: عاش سلمان ثلاثمائة وخمسين سنة، فأما مائتان وخمسون فلا يشكون به).(4)
من ذلك نفهم أن سلمان الفارسي (رض) أدرك عيسى (ع) أو، وصي عيسى حسب ما نفهمه من هذه الروايات وعلى ما يبدو أن متى ارتاع عندما سمع أن شخصا من أصفهان يدور ويبحث عن نبي آخر الزمان ، فقام بقلب القصة بالشكل الذي عزفت عنهُ الأناجيل الثلاث الأخرى. ولو سلّمنا جدلا بصحة قولهم بأن سلمان أدرك عيسى (ع) فهذا يعني أن سلمان قد سمع البشارة بنبي آخر الزمان من عيسى كما ورد في الرواية من أن آخر راهب مسيحي أخبر سلمان بقرب ولادة نبي آخر الزمان وأنه في يثرب. وبناء على ذلك استمر سلمان بالبحث متنقلا من ديرٍ إلى دير. إلى أن تم الغدر به وبيعهُ على أنهُ عبد وقد نقلهُ من اشتراه إلى يثرب وعمل في بساتينها، كما تذكر روايات الفريقين.
وبالعودة إلى إنجيل متى ناقل القصة تبين أنهُ لا مصدر لمتى حول قصة المجوسي، لأن مؤرخي المسيحية قالوا: اعتمد مؤلف إنجيل متى بحسب الباحثين على ثلاثة مصادر رئيسية لكتابة إنجيله، أحدها إنجيل مرقص حيث أكد المؤرخون أن متى اقتبس من إنجيل مرقس نحو (600) آية من مجموع (661) آية، وهذا يعني أن متى اقتبس أكثر من 98% من إنجيل مرقس، حيث يكاد يُعتبر إنجيل متى نسخة مكررة او مستنسخة عن إنجيل مرقس. وكذلك أخذ متى من إنجيل لوقا اكثر من (220) آية لا توجد في بقية الأناجيل ولا يعلم أحد من أين جاء بها. وهذا دليل آخر على أن قصة المجوسي الباحث عن السيد المسيح كما يزعمون متأخرة جدا ولذلك فهي غير موجودة في إنجيل مرقس ولوقا ويوحنا اللذين سبقوا متى بسنوات وعاصروا السيد المسيح (ع). لأن متى اقتبس منهما أكثر من (98) بالمائة. فإذا قيل لنا بأن هناك أدلة على أن متى كتب إنجيله قبلهم ، نقول لهم: ولماذا لم يذكر مرقس ولوقا ويوحنا قصة المجوسي الباحث عن عيسى؟ فعزفوا عن ذكرها وانكروها. فإذا كانت هذه القصة وحيا، فقد ارتكبوا إثما عظيما بحذفها. وإن لم تكن وحيا لماذا لم يذكروها فيما ذكروا من قصص أخرى أقلّ شأنا منها مثل قصة سرقة الحمارة، وقصة صناعة الخمر ، وقصة الدعاء على التينة وغيرها.
يؤكد القس فهيم عزيز مجهولية كاتب إنجيل متى فيقول : (لا نستطيع أن نعطه اسمًا، وإذا لم يكن متى هو كاتب الإنجيل المنسوب إليه، فمن هو كاتب هذا الإنجيل؟ في الإجابة عن السؤال نقول: نتائج الدراسات الغربية التي أكدت أن هذا الإنجيل قد كتبه متى آخر غير متى التلميذ، ونسبه إليه من القرن الثاني).(5) ويقول القس فهيم أيضا : (ولكن من هو كاتب إنجيل متى. هذا سؤال صعب والجوب عليه يتطلب دراسة واسعة غالبا ما تنتهي بالعبارة : لا يعلم إلا الله وحده من الذي كتب هذا الإنجيل).(6)
هذا الإنجيل المجهول هو الذي ذكر قصة المجوسي الذي قطع مساحات هائلة من أجل الوصول إلى النبي القادم. فماذا يقول متى في إنجيله؟ (مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم، إذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدمهم فلما رأوا النجم فرحوا فرحا عظيما جدا. حتى جاء النجم ووقف فوق حيث كان الصبي. وأتوا إلى البيت ، ورأوا الصبي مع مريم أمه. فخروا وسجدوا له. ثم إذ أوحي إليهم أن لا يرجعوا إلى هيرودس).(7) سبق وأن قلنا بأن بعض الروايات المسيحية تقول بأن المجوسي وأخيه تركوا الجيش الفارسي وذهبوا إلى سوريا كما سيأتي بيانه، ولذلك النص يتكلم بصيغة الجمع.
والسؤال هو : هل يوحي الله تعالى إلى المشركين به من عبدة النار؟ أليس من المعروف أنه تعالى يوحي إلى الأنبياء. وأما عن النجم الذي رأوه وتبعوه من إيران ــ أصفهان ــ مرورا بتركيا ثم سوريا ثم فلسطين مع ما في ذلك من صعوبات عبور أنهر وبحيرات وجبال وغابات. فهل كان هذا النجم ينام بنومهم ويسير أمامهم فكما هو معروف أن النجوم لا تظهر إلا ليلا. عن ذلك تتحدث إلينا الموسوعات المسيحية قائلة: (كيف يُمكن تحديد بيت بعينه عن طريق نجم في السماء؟ وكيف تساوت سرعة المجوس مع سرعة النجم؟ لأن النجم أكبر من الشمس أو هو مساو لها. وهل المجوس كانوا ينامون ليلا أم أنهم يتبعون النجم، أم أن النجم كان ينام بنومهم؟ وكيف يوحي الله للمجوس الكفرة؟ وهل كانت سرعة المجوس على الأرض تساوي سرعة النجم في السماء؟ ومن المعلوم أنهُ لا يوحي الرب إلا إلى أنبيائه، فهل أوحى الرب إلى الكفار وأنزلهم بذلك منزلة الأنبياء؟ أليست هذه دعوة إلى إتباع ملة المجوس؟).(                </div>
            </div>

        </div>
        <div class=
أخترنا لك
هل آمن البشر كلهم يوما بالديانة اليهودية. مصطفى الهادي

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف