(ما كذب الفؤاد ما رأى أفتمارونه على ما يرى ... ما زاغ البصر وما طغى).

2023/01/17

(ما كذب الفؤاد ما رأى أفتمارونه على ما يرى ... ما زاغ البصر وما طغى).
مصطفى الهادي.
في هذه الآية جمع الله تعالى الرؤية في شيئين : الفؤاد و البصر. المحسوس وغير المحسوس فجعلهما من أقوى واهم عوامل المعرفة.

فالعقل هو الاساس في رؤية حقائق الأشياء إما عيانا عن طريق الحسّ او عن طريق آثارها، وكثيرا ما انتقل بنا العقل من المعلوم إلى المجهول ومن شاهد محسوس إلى شاهد غائب لا تُدركهُ الحواس المادية ،كما انتقل عقل الإنسان من مشاهدته لسقوط الأشياء على الأرض إلى حقيقة قانون الجاذبية غير المرئي وغير المحسوس فامتلأ قلب الإنسان إيمانا بوجود هذه الجاذبية واتفق جميع العلماء على وجودها، ولو طلبت منهم يوما أن يصفوا لك الجاذبية لعجزوا عن ذلك على الرغم من إيمانهم بوجودها.فلا يجوز للإنسان والحال هذه ان يُنكر الأشياء بسبب أنهُ لا يراها ، بل عليه أن يُدرب عقله في كيفية رؤيتها من آثارها. فكلما اشتد الإيمان فإنهُ يُحوّل المشاهد القلبية إلى رؤية عقلية، لأن ادراك القلوب فوق ادراك العيون،

ادراك القلوب لا لبس فيه بعكس ادراك العيون التي يقع فيها اللبس والاشتباه بما يُطلق عليه (الخدع البصرية). فكثير من الأشياء لم تلمسها الأيدي ولم ترها العيون ولكن ابصرها العقل وآمن بوجودها.ففي كثير من الأحيان يحصل القطع واليقين بوجود الشيء من خلال الآثار والحقائق والآيات الدالة عليه ولربما حسابات عقلية بسيطة دلت عليه.كما حصل في قضية اكتشاف كوكب (نبتون) من قبل عالم الفلك الألماني يوهان جتفريد جال سنة 1846 اكتشفه في زمنٍ كانت فيه الأدوات العلمية غير متطورة، وإنما استخدم يوهان الرياضيات والتامل العقلي في نتائجها فوضع مسافات دقيقة لهذا الكوكب الذي لم يره بأي وسيلة، وبعد سنوات طويلة تم رصد هذا الكوكب والتقاط الصور له.

ومثله عالم الفلك الفرنسي (ألكسيس بوفار) الذي أكد أن هناك شيء غير معروف يُحدث تغييرات في مدار أورانوس وهذا ما اكدهُ أيضا عالم الفلك البريطاني جون كوش آدامز سنة 1843 حيث استخدم الرياضيات لدراسة ظاهرة انحراف أورانوس عن مداره ،فقرر أن هناك عاصفة هوجاء على سطحهِ هي السبب في ذلك اطلق عليها اسم (البقعة المظلمة العظمى). من دون أن يراها، وبعد سنوات طويلة من اكتشافه الافتراضي نجح مسبار فضائي باكتشافها والتقاط صور لها.

أن العقل والجسد ليسا كيانين منفصلين، إنما هما جوهر واحد يلتقيان في أي قضية حسية كانت او غير حسيّة مرئية او غير مرئية،ولايمكن الفصل بينهما في اي قضية إلا من قبل الملاحدة الذين لا يؤمنون إلا بالأشياء المحسوسة. ان اشتراك العقل والجسد في المعرفة رأي قديم جدا قالت به الأديان ، وتبنى هذا الرأي علماء مرموقين جدا امثال بارمنيدس في القرن الخامس قبل الميلاد،وفي عصرنا الحديث تبنى العقلاني باروخ سبينوزا ومدرسته هذا الرأي ، ولكن يبقى الدين هو السبّاق في هذا المجال الذي اكد على دور العقل والجسد معا في رؤيتهم للأشياء، لأن الاعتماد على الحواس الخمس وحدها في تقييمنا للأشياء يُمكن الشك فيه،وقد اثبت العلم أن هذه الحواس تسببت في خداع الانسان في الكثير من الأمور.
لم تره العيون في مشاهدة الأبصار، غير أن الإيمان بالغيب بين عقد القلوب، فلم تره العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان.لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، معروف بغير تشبيه.
أخترنا لك
جريمة في مسلسل جرائم كر دستان ضد العراق.

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة