السيّدة آمنة البهبهانيّة

2022/05/10

لقد كرّم الإسلام المرأة حين قال إنّ المرأة ريحانة، بل خصّها بجملة مميّزة من القوانين التي تضمن لها كرامتها وتجعلها في هالة تقديس واحترام، ولكلّ ما يرتبط بها، فيعبق عطرها على كلّ من له صلة بها، فهي الزوجة والأمّ والأخت والابنة، وأمام هذا التبجيل الذي أحاطه بها الإسلام نجد أنّ كثيرًا من النساء عبر التاريخ استطعنَ أن يتركنَ بصمات واضحة المعالم في مسيرة نساء عصرهنّ، بل كانت بصماتهنّ واضحة في العلم والتقوى وبناء الجيل بناءً علميًا ومعرفيًا، ومن تلك النساء التي يفتخر بهنّ التاريخ، ويحقّ لأيّ امرأة كربلائية وعراقية أن ترفع رأسها عندما تذكر عطاءاتها العلمية وأياديها البيضاء المعرفية هي درّة العلماء ومفخرة نساء كربلاء: السيّدة (آمنة بيكم الكربلائية) بنت المولى محمّد باقر بن محمّد أكمل البهبهاني الحائري.
ونُقِل في التاريخ أنّ السيّدة آمنة الحائري وُلِدت في كربلاء حوالي سنة 1160هـ، وتوفّيت فيها حوالي سنة (1243هـ)، ودُفِنت عند نجلها السيّد محمّد المجاهد المتوفّى سنة (1242هـ)، في المقبرة الخاصّة المجاورة لمدرسة البقعة في سوق التجّار فيما بين الحرمين الشريفين.
كانت عالمة، فاضلة، مجتهدة، من أفقه نساء عصرها، متكلّمة، واعظة، أصوليّة، محقّقة، مُحدّثة، جليلة، ذات سند قويم، مؤلّفة، كثيرة الزهد، عظيمة الورع.
وُلِدت ونشأت في كربلاء المقدّسة، ودرست المقدّمات وفنون الأدب وعلوم العربية على أعلام أسرتها، وتخرّجت في الفقه والأصول والحديث على والدها المؤسّس المجدّد الوحيد البهبهاني الحائري المتوفّى سنة (1205هـ).
ويكفيها فخرًا أنّها من أسرة ذلك المجدّد العظيم الذي كان أعجوبة عصره في العلم والورع والتقوى، فأثّرت فيها معادلات الوراثة، فنشأت عالمة فقيهة وَرِعة، ومثالًا للتقوى، مزدانةً بالمعارف والوعي المعرفي عالي المستوى، حتى وصلت إلى درجة أن تكون عالمة في الفقه والأصول، ويا لها من درجة سامية عظيمة مميّزة وصلت إليها هذه المرأة الجليلة.
لمّا بلغت سنّ الرشد تزوّجت بابن عمّتها السيّد عليّ الطباطبائي الحائري، وهو السيّد عليّ ابن السيّد محمّد عليّ بن أبي المعالي الصغير بن أبي المعالي الكبير الطباطبائي، وُلِد في الثاني عشر من ربيع الأول سنة (1161هـ) بمدينة الكاظمية المقدّسة في العراق، من مؤلفاته (رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل)، (رسالة في تثليث التسبيحات الأربع في الأخيرتين)، (رسالة في حجّية الشهرة وفاقًا للشهيد)، (رسالة في تحقيق حجّية مفهوم الموافقة)، (حواشي متفرّقة على الحدائق الناضرة)، (رسالة في الإجماع والاستصحاب)، (حاشية على كتاب معالم الأُصول)، (رسالة في الأُصول الخمس)، (شرح المفاتيح)، وتُوفّي (قدّس سرّه) في عام (1231هـ)، ودُفن بجوار مرقد الإمام الحسين عليه السلام بمدينة كربلاء المقدّسة.
رزقهما الله تعالى ذرّية طيبة، كان منها العلماء الذين تركوا بصمات معرفية واضحة في مسيرة الإسلام وفكر أهل البيت (عليهم السلام)، فجاء في كتاب (أعيان الشيعة): ورُزِقت منه - أي السيّدة آمنة ـ ولدان، هما: السيّد محمّد المجاهد، المتوفّى سنة (1242هـ) والسّيد مهديّ الطباطبائي الحائري المتوفّى سنة (1250هـ)(1).
وذكر السيّد محسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة في ذيل ترجمة ولدها السيّد محمّد المجاهد قائلًا: (لصاحب الترجمة أخ اسمه السيّد محمّد مهديّ، أصغر منه، كان أيضًا عالمًا جليلًا، أمّهما بنت الآغا البهبهاني، وكانت عالمة فقيهة).
وكانت السيّدة آمنة البهبهانية من النساء الفاضلات، والتي تؤمن بأهمّية التأليف والتدوين في حياة المجتمع المسلم، فلولا وجود المؤلفات لما وصل إلينا إرث الإسلام، ولا أفكار قياداته الربّانية وسلوكياتهم التقويمية، ومناهجهم في الدين والعقيدة والفقه وباقي فروع المعرفة الإنسانية، ونقل السيّد حسن الأمين ـ فيما استدركه على أعيان والده ـ عن الأستاذ عبد الحسين الصالحي في كتابه المخطوط (رياحين الشيعة)، عددًا من مؤلّفاتها قائلًا: ولها مؤلّفات في الفقه والأصول، منها: (مبحث الحيض) من كتاب الرياض لزوجها السيّد عليّ الطباطبائي الحائري، و(رسالة في النفاس)، و(كتاب الطهارة)، وغيرها، وكلّها موجودة في مكتبة آل صاحب الرياض في كربلاء، فتحيّة إجلال وإكبار، ودعوة بالرحمة لهذه المرأة الجليلة التي أغنت المجتمع بعلمها ومؤلّفاتها. (2)


..........................................................................................
(1) أعلام النساء المؤمنات: ص115.
(2) أعيان الشيعة: ج9، ص443.
أخترنا لك
توعية

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة