الخنساء بنت عمرو

2022/01/07

 
هي تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد، وهو عمرو بن رياح بن يقظة بن عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن عيلان بن مضر بن مضر بن معد بن عدنان، من آل الشريد من سادات العرب وأشرافهم وملوك قبيلة بني سليم في الجاهلية، لُقّبت بالخنساء لقصر أنفها وارتفاع أرنبتيه.(1)
قال الحُصري في كتاب (زهر الأدب): لُقّبت بالخنساء كناية عن الظبية، وكذلك الذلفاء، والذلف قصر في الأنف، ويريدون به أيضًا أنّه من صفات الظباء. (2)
صحابية من أهل نجد ومن أشهر شواعر العرب وأشعرهنّ على الإطلاق، عاشت معظم عمرها في العهد الجاهلي، وأدركت الإسلام في عام ( 8 هـ)، (630 م)، وهي في طلائع شيخوختها لم تقلّ عن الخمسين عامًا، ولن تزيد على الستين، فقدمت على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) مع بنيها وقومها بني سليم، وأعلنت إسلامها وإيمانها بعقيدة التوحيد، وحسن إسلامها.
أكثر شعرها وأجوده رثاؤها لأخويها (صخر) و(معاوية)، وكانا قد قُتلا في الجاهلية، فبالغت في حزنها عليهما لدرجة اليأس.
لها ديوان شعر فيه ما بقي محفوظًا من شعرها.
كانت ذات أمر بالغ، وجاذبية طاغية، أطلقت الألسن فواجهتها بحقيقتها، فعرفت ما تملك في يدها من سلاح، مثلما عرفت قيمة ذلك السلاح.
لم يكن في حياتها ما يقلقها، ويقضّ مضجعها شأن مثيلاتها في أول العمر ومقتبل الشباب، فقد أضفى عليها مركز قبيلتها وأسرتها، وسيادة أبيها كلّ أسباب الطمأنينة، كانت العاقلة الحازمة، حتى لقد عدّت من شهيرات النساء اللائي لا يجرؤ أحد على التهجّم عليها، أو التحدّث عنها، لذا لم يتكلّم عليها أحد، ولم يتفوّه شاعر بشيء يمكن أن يُنقل وتحمله الألسن، عُرِفت بحرية الرأي وقوة الشخصية، ظهر ذلك أول ما ظهر حين تقدّم لخطبتها (دريد بن الصمة)، لكنّها رفضت طلبه، فأبى أبوها إلّا أن يكون زواجها بعد موافقتها بما عرفه فيها من رجاحة العقل واتزان الفكر، ولم يكن ذلك حقًا لكلّ ابنة، وإنّما هو خصيصة تُمنح لمثيلات الخنساء.
يُذكر أنّها تزوّجت من رجل من قبيلتها يُدعى (عبد العزّى السلمي)، أولدها ابنها (أبا شجرة ـ عبد الله)، ولكن ابن قتيبة ذهب إلى أنّ اسمه (رواحة بن عبد العزّى)، وقال البستاني:...أنّها تزوّجت بعد حادثة دريد من رواحة بن عبد العزّى، فولدت له عبد الله، ثم خلف عليها مرداس بن أبي عامر، فولدت له يزيد ومعاوية وبنتًا اسمها عمرة (3).
وتعدّ الخنساء من المخضرمين؛ لأنّها عاشت في عصرين: عصر الجاهلية وعصر الإسلام، وبعد ظهور الإسلام أسلمت وحسن إسلامها (4).
تميّزت بحسن إسلامها وإيمانها بالله تعالى وبرسوله (صلّى الله عليه وآله)، وجهادها في سبيل نصرة الحقّ، شهدت معركة القادسية سنة ( 16هـ) مع أولادها، وكانت توصيهم وتحثّهم على الجهاد في سبيل الله، فتقول: (يا بني إنّكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين، وتعلمون ما أعدّ الله للمسلمين من الثواب الجزيل، واعلموا أنّ الدار الباقية خير من الدار الفانية، فإذا أصبحتم غدًا إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوّكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، وإذا رأيتم الحرب قد شمّرت عن ساقها، واضطرمت لظىً على سياقها، وجلت نارًا على أرواقها، فتيمّموا وطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها (جيشها)، تظفروا بالغُنم والكرامة في دار الخلد والمقامة)، وفي الصباح الباكر كان أبناؤها في مقدّمة الصفوف ينفّذون وصية الأمّ الحكيمة، واشتدّ وطيس المعركة، واستُشهد أولادها، وعندما علمت باستشهادهم لم تجزع ولم تبكِ، وقالت برباطة جأش وعزيمة وثقة: (الحمد لله الذي شرّفني بقتلهم وأرجو من ربّي أن يجمعني بهم في مستقرّ رحمته)، فكانت مثالًا مميّزًا وفريدًا للأمّ الصابرة المحتسبة أجرها على الله. توفّيت بالبادية سنة ( 24هـ) (5 ).
إنّ الذي يرى الدموع الغزار والأشعار الكثيرة التي كتبتها الخنساء في رثاء أخويها صخر ومعاوية، يستغرب موقفها عند استشهاد أبنائها الأربعة في معركة القادسية، فهي لم تزد على قول :(الحمد لله الذي شرّفني بقتلهم، وأسأل الله أن يجمعني بهم في الجنّة)، وقد يكون السبب في ذلك هو تأثير الإسلام فيها، حيث نرى أنّها مرّت بحالتين متشابهتين في فقد الأحبّة، لكن تصرّفها تجاه كلّ حالة كان مختلفًا أشدّ الاختلاف، أولاهما في الجاهلية، وثانيهما في الإسلام، لقد تسلّل الإسلام إلى قلبها فغــيّر حياتها وأعطى مفاهيم جديدة لكلّ شيء، مفاهيم جديدة عن الموت والحياة والصبر والخلود، فانتقلت من حال اليأس والقنوط إلى حال التفاؤل والأمل، وتوجيه الجهود إلى مرضاة ربّ العالمين، فضربت المثل والقدوة في الصبر والرضا بقضاء الله وقدره، وفي الشعر غلبت فحول الشعراء، وبحكمتها أسكتت وأبهرت الحكماء والبلغاء .

...................................................................................
(1) الوافي في الوفيات: ج1، ص1459.
(2) كتاب زهر الأدب: ج3، ص341.
( 3) الإصابة: ج 8 ، ص 252.
(4) جواهر الأدب: ج 1، ص127-128.
(5) الإصابة: ج 8 ، ص 353.
أخترنا لك
"هَيأةُ الصِّدِّيقَةِ الطِّبِيَّةُ" استثمارٌ نسائي ذَكيّ للملاكاتِ الطّبِيَّةِ النِّسويَّةِ الشَّبابِيَّةِ في الزِّيارات

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة