في الصباح الباكر مع رفرفة الطيور المتهادية على أغصان الأشجار الودودة، يتقدم الجد (محمد) بخطوات مليئة بالحب للأرض المخضرة بمختلف المزروعات، كالنخيل والأعناب، ينحني ملتقطا الأشواك من على الأرض خوفا على أحفاده الصغار من التعثر، لم يعلم الجد أن حفيده (علي) يتابع خطواته من بعيد، يتأمل عمله، ثم يوجه أنظاره نحو الأشجار التي تتخللها أشعة الشمس، فينبض قلبه بمحبة شديدة لجده الكريم، وبينما هو كذلك، يرمق المعزاة الصغيرة تتقدم نحو جده بلطف وتحنن، فيكتنفه الفضول ليهرع سريعا نحوهما، قائلا:
- مرحبا جدي، كيف حالك؟
يجيبه الجد فاتحا ذراعيه لاحتضانه:
ـ أهلا بك يا حبيبي.
يحتضن الجد حفيده بحنان تحت ظلال الأشجار، فيتبسم (علي) وهو يأخذ شهيقا عميقا ليملأ رئتيه برائحة الحقل وعبق الأشجار الملتصقة بثياب جده، وبينما هما على هذه الحال تتقدم المعزاة الصغيرة ملتفة حول أقدام الجد، فيبتعد (علي) خائفا، فيجيبه جده ضاحكا:
- ما بك يا بني، لماذا تبتعد؟
- أخاف أن تؤذيني المعزاة يا جدي.
- لا تقلق يا بني، إنها أليفة ولا تؤذي.
- لماذا تلتف حولك هكذا يا جدي؟
- إنها جائعة يا بني.
- ولماذا لا تذهب إلى أمها؟
- إن أمها ولدت توائم أربعة، وهذه المعزاة الصغيرة لا تشبع مع أخوتها لأنها ضعيفة، ولا تستطيع أخذ نصيبها كبقية أخوتها؛ لذلك أضع لها اللبن في قنينة خاصة لإطعامها عدة مرات في اليوم، فاعتادت علي حتى ظنت أني أمها.
ضحك (علي) وكذلك ضحك جده، ثم أمسك الجد بيد (علي) ووضعها على رأس المعزاة الصغيرة، فتلمسها (علي) بيديه، ثم حملها إلى مكانها وأطعمها برفقة جده، فقال الجد:
المعزاة لن تؤذيك إذا امتلأ قلبك بالرحمة، ولمستها بلطف يا بني، وإياك أن تدع مخلوقا يحتاج المساعدة ولا تساعده.
وبعد أيام صار الجد يستيقظ صباحا ليرى المعزاة تلتف حول أقدام (علي)، فتمتم الجد: الرحمة في كل مكان، ورفع رأسه إلى السماء، وقال: الحمد لله.