يصطبغ سلوك البشر بأولويات اعتبارية مختلفة، ولكي نحيا حياةً هانئةً، يجب علينا الاهتمام بالأولويات التي تعرف على أنها الحالة التي يقدم فيها أمر ما على غيره من الأمور، إما لسبب عامل الأهمية، أو بسبب عامل الزمن لكونه أمرًا مستعجلًا، فما أثر ترتيب الأولويات في سلوكنا؟ وما أثر الأولويات في المجتمع؟ وهل أولى الإسلام أهمية للأولويات؟
تؤثر الأولويات التي يقدمها الإنسان بسبب إحدى العوامل السابقة في سلوكه، فالذي يجعل الأسرة على رأس أولوياته، تراه يرعاها من كل الجوانب، ويحرص كل الحرص على سمعتها، وعلى مستواها، وعلى كل ما يتعلق بشؤونها، أما الذي يولي عمله أولوية قصوى، فيرى أن محور حياته يسير بمنطلق تطوير عمله، وإنجاز شيء مختلف عما أنجزه سابقًا؛ لهذا نرى سلوكه يتحدد بما تقتضيه الأهمية لديه، هذا بشكل عام، وأما على الصعيد الشخصي والخاص، فإنا نرى الذي يجعل الأولوية لمظهره الخارجي وهيئته، يواكب كل ما هو جديد عن قناعة أو من دونها، وفي الجانب الآخر نجد أن الذي يهتم بالعلم والمعرفة، واكتساب القيم الأخلاقية الرصينة، نجده منغمسًا في اكتسابها، وكذلك الذي يولي دينه أهمية قصوى، فلن يميل مع أي فكرة؛ لأنه متسلح بقوة العقيدة، ويزن الأمور بميزانها الإلهي.
إذن الأولويات تحدد سلوك الفرد وما يسعى إليه، أما بالنسبة إلى أثر ذلك في المجتمع، فتلك الحلقة الأكثر نفعًا أو ضررًا، فالذي يواكب الصرعات، والمظاهر الدخيلة، نجده قد ضرب القيم، والعادات، وكل مبادئ الدين؛ ليصبح المجتمع مجردًا من القيم، خال من الموازين، مذبذبًا، أسيرًا للصرعات الواردة إليه في كل حين، بينما لو كان الغالب في المجتمع وجود أفراد يولون القيم الأخلاقية والإنسانية والعلمية أهميةً؛ لرأينا المجتمع مصونًا من الهلاك، وتعيد له تلك المجموعة عصور الازدهار، وتحد من مظاهر الوضاعة والرذيلة، فيهنأ بالمنفعة، ويتدارك المهلكة، وكل الخير فيما إذا كانت الأولوية لما يرضي الله تعالى ورسوله وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين)، فتلك الأولوية العظمى، والغاية الأسمى، وما جبلت عليه الفطرة الأولى، فالمجتمع الذي يقدم رضا الله سبحانه ورسوله وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين) على كل الأولويات، ويتحمل في سبيل ذلك الصعاب قربةً إلى الله تعالى، لن يقهر؛ لأنه غير قابل لارتكاب الخطايا، ولا سبيل للشيطان عليه في مواضع رحمة الرحمن، وقد رتب الإسلام تلك الأولويات على كل الصعد، من تقديم الواجبات على الأمور المندوبة، وارتقى بالفرد إلى أعلى الدرجات، وقد حذر الإسلام الفرد من أن تكون له أولويات محرمة، أو مكروهة، فالذي لا يقدم الأمر المكروه، لن يصل إلى المحرمات؛ لذا فمن اتبع خير البشر محمدًا وآله الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين)، فسيرتب أولوياته وفق نهجهم.