على ضفاف شواطئ الانتظار تقف آلاف الأرواح الهائمة، زارعة أعينها في طريق الأمنيات، تستنشق العبق الندي المنبعث من المسافات البعيدة، فتطفو الأنفاس على أمواج الأمل بحرارة متوهجة، عشرات الأعين تتمعن الطرق، تترقب بشوق الأيام غير المعروفة، ترصد السيد العلوي نجما لا يعرف الأفول.
يدعون، يترقبون، ينتظرون، ينشدون من أجله أبهى الصور، بيقين قوي نابع من صميم الإيمان العميق المحتضن في القلوب النقية، يدركون أنه قريب، وعلى مرأى ومسمع منهم، يذكرونه في كل ساعة، تتكلل أوقاتهم برفع الأكف، داعين بتعجيل أمره في أفراحهم وأحزانهم، في صباحاتهم وأمسياتهم، يترقبون انكشاف الحجب عن طلته البهية.
حينما تلقي الشمس سلامها الأخير، وتسيطر الوحشة على النفوس الشفافة، تنبض القلوب عند كل غروب باسمه، حتى الأطفال الذين نبتت محبته في قلوبهم يتساءلون عن الإمام المنتظر (عجل الله فرجه) بشغف فائض:
ـ أمي أين هو السيد الموعود الآن؟ أين يكون عنوان الأمان؟
ـ إنه معنا يا بنتي، إنه رحمة الله تعالى التي نجدها في كل مكان.
ـ كيف سيأتي إلينا؟
ـ سيأتي إلينا كالغيث يا بنتي، سيعيد الإمام المهدي (عجل الله فرجه) الرونق إلى كل شيء.
ـ لا أدري يا أمي لماذا عندما نذكر الإمام المنتظر (عجل الله فرجه) يتبدد الخوف من قلبي، وأشعر أني لست غريبة، أشعر أني أعرفه، وأحبه مثلما أحب أهلي، كمحبتي إياك يا أمي، وكمحبتي لأبي ولأخوتي، بل أكثر من ذلك.
ـ لأنك أسكنته في قلبك يا بنتي، فإذا سكن الإيمان الحقيقي في القلب، وراقب الإنسان خطاه، وقرن العلم بالعمل، والقول بالفعل، نمت هذه المحبة، وتضاعف الشغف والشوق لأئمتنا (عليهم السلام).
ـ هل يمكنك الإنشاد بشأنه يا أمي؟
ـ يفيض بحر من حنين
من أجلك يا سيد الناس
فرض صار بوحي
ها هنا قد جئت
لأحكي أننا في انتظار
من يمحو الظلام
عن وجه السنين