آراؤنا أسلحتنا، قد نحمي بها أنفسنا، وقد نقتل بها أرواحًا أخرى.
تعتمد الكثير من الأمور التي نواجهها في حياتنا على ما نبديه من آراء، فحريتك تتمحور حول آرائك الخاصة بحياتك لا بحياة الآخرين، أين تعيشين، ومع من؟ ماذا تأكلين، وكيف؟ كل هذه الأشياء تعتمد على خياراتك وآرائك، لكن ما عليك استيعابه وفهمه بشكل دقيق، هو أنه ليس من حقك أن تبدي رأيك فيما يختاره الناس من طبيعة المعيشة، ونمط الحياة، ما دامت هذه الأشياء لا تسبب لك ضررًا ولا تمسك بسوء.
تخصصات الآخرين، واختيارهم للأصدقاء والأزواج، كلها أمور لا تعنيك، ولا ينبغي لك أن تنطقي بشأنها كلمة واحدة حتى، فما يفعله الناس في حياتهم ليس من شأنك الالتفات إليه، فلو أن كل واحد منا ركز على حياته؛ لاكتشف أنه يحتاج إلى الكثير من التخطيط والعمل لتقويم ذاته، فإبداء الآراء ليس أهم من النصح بطريقة تحفظ سلامة مشاعر الناس، فقد تستصغرين كلمة تتفوهين بها، فتطلقينها من دون تفكير بمدى الأذى الذي قد تسببه في نفوس الآخرين، فالآراء إن لم تكن في محلها، فستصبح سهامًا تغرز في صدور الآخرين، فتنسين أنت مقولتك، بينما تظل تلتهم أحشاء متلقيها.
لا ينجح المرء في الاختبارات الإنسانية حتى يعرف متى يبدي رأيه، ومتى ينبغي أن يصمت، ومتى يقدم النصيحة، ومتى يجب عليه الاحتفاظ بها لنفسه، فالكلام أحيانًا يحتاج أن تختاري له طبقًا مناسبًا، تضعينه فيه قبل أن تقدميه.
قد يفشل الإنسان في إثبات إنسانيته ما دام لا يعرف كيف يروض لسانه، ويستقبح الناس كل من لسانه فظ؛ لأن المشاعر تتحكم بأغلب الناس، فبمجرد سماعهم لكلمة جارحة، ينفرون من المتكلم مثلما تنفر الأرواح من الموت، وقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: "ضرب اللسان أشد من ضرب السنان"(1)، فاللسان سيف قاطع، اعرفي متى تشهرينه، ومتى تبقينه في غمده، وفكري قبل أن تنطقي كلمتك، وفكري أكثر عندما تريدين إبداء رأيك، وارحمي نفسك من عاقبة الكلام؛ لأنك حتمًا ستدفعين ثمن ما تقولينه غاليًا.
...........................
ميزان الحكمة: ج٤، ص٢٧٧٩.