خواطر وذكريات عن وفاة الزهراء ع في النجف الأشرف السيد داخل الخطيب - ابوحسن-

2022/02/10


 آه يوم الزهراء أيّ فؤاد
علويّ عليك غير مذاب
لك في الدهر رنّة رددتها
بخشوع أجياله واكتئاب
ونحن على أعتاب الذكرى السنوية  ومشارف الرواية الثالثة لوفاة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء ع تجدر الإشارة الى الروايات التاريخية الثلاثة الشهيرة المعمول بموجبها إحياء الموسم العقائدي وربما كانت متكافئة ولست في صدد مناقشتها وتحقيقها ودراستها في هذا المقال المتضمن لذكريات وخواطر قديمة عالقة في ملفات الذاكرة عن هذه المناسبة التي اعتمدت رواياتها الثلاثة لتنسيق إحياءها بين مدن العتبات  المقدسة الثلاثة وتوزيعها وتقسيمها على النجف الاشرف  كربلاء المقدسة والكاظمية
 وفى لوحة الذكريات عن المجالس الفاطمية في النجف الاشرف إبان حقبة السبعينيات من القرن المنصرم يبرز من بين المجالس الشهيرة الحاشدة  مجلس السيد نصر الله المستنبط طاب ثراه الذي كان يعقد في داره بمنطقة
 البراق في الزقاق المتفرع من شارع الصادق و المؤدي
 الى المدرسة الشبرية وكان
 يزدحم بالرّواد من شخصيات الحوزة وفي
 مقدمتهم السيد الخوئي قدس سره  
ولما يزل في ذاكرتي  موقعه المهيب في الركن اليماني من اركان باحة الدار المكتضة بالحشود المنتشرة في كل  خلاياها وزواياها بل حتى في السلالم والبلكونات والممرات  في الطابق الثاني فاذا ماارتقى الخطيب الشهيد السيد جواد شبر أشعل المجلس بالحماس وانتزع أحر الدموع وأشجى الصرخات.
وكأني بالسيد الخوئي يهتز باكياً بكل كيانه وينتحب بصوت مرتفع مجهشاً بالبكاء تحيط به صفوة
 رجال العلم و طلائع طلبة الحوزة  وسائر المؤمنين.
وكان وقت المجلس ضحى  وينتهي قبيل صلاة الظهر.       ******
والمجلس الآخر في منطقة الجديدة في دار المرحوم العلم الشيخ علي زين الدين الاخ الأصغر للمرحوم المرجع الديني الشيخ محمد أمين زين الدين رحمهما الله ولا ادري ان كان يصح التعبير أن هذا المجلس من أكثر مجالس النجف أناقة و(كشخة) في تكريم الوافدين عليه  ومراسم الضيافة
 والاستقبال
ويعلم الكل ممن  عاصر تلك الايام أن المتعارف السائد يومئذ أن المجالس تقدم سجائر (المزبّن) وبلا حساب حيث يملأ الموزع كرتوناً ويقف بباب المجلس وكلما قدم شخص للحضور ناوله قبضة او (ضبة) من المزبن
 وتروى في هذا السياق عن طمع البعض في جمع اكبر كمية ممكنة من خلال التطواف على المجالس العديدة واستلام المزبن من الباب والانتقال فورا الى مجالس اخرى
وسمعت نادرة من المرحوم الوائلي يقول قصد اثنان من هؤلاء احد المجالس واعطاهم الموزع ضبتين فقال احدهما للآخر الى الوراء در ويقصد حصل المطلوب فلننتقل الى المجلس الآخر فقال له صاحبه كيف نمضي ولم نحضر التعزية قال هذه هي التعزية واشار للسكاير وطبعا هذه حالات شاذة وربما للحاجة والفقر او لجشع البعض وهي مرفوضة على كل حال وهذه النماذج موجودة حتى اليوم يذهبون لما يقدم من طعام ولايحضر الا في أواخر المجلس فيحدث تشويش ولفت نظر بدخوله المتأخر!!
وفي استذكار التراث العراقي في تبغ المزبن الاسطواني الذي ينتهي بزبانة قد تظهر صوتاً أحياناً أشبه شي بصوت
 (الماصول) أقول أن أول مجلس ولعله الوحيد الذي يقدم  السجائر الراقية الغالية الثمن مثل الروثمن والگریفن والكنت والسجائر الاجنبية  الملونة التي لها قيمتها وقتذاك فضلا عن السجائر المحلية مثل الجمهورية و التركي والغازي
وكانت تلك المراسم يومئذ أعجوبة ويعتبر الدخان من الأساسيات الى جانب  القهوة والشاي.
وفي نفس السياق ماتعارف عليه في الخليج فقد رأيت في البحرين والقطيف ما يصطلحون عليه (بالگدو )
وهو أشبه شيء بالأرجيلة
ولكن القدو مصنوع من الفخار بشكل بسيط ورأسه من الصفيح يترنح على انبوب خشبي تنبثق عنه قصبة أسطوانية الشكل عن طريق ارتشافها يتم الاستمتاع بفيتامين c المنبعث من الدخان  
ويحضرني بيت طريف مشترك بيني وبين المرحوم السيد مصطفى جمال الدين وكنا في حسينية السيد الواحدي براوية دمشق والسيد الواحدي من المدمنين على النارگیلة فلما سمعت قرقرتها قلت للسيد مصطفى
سلام على غرشة الواحدي
فأجابني فورا
تقرقر في المجلس الحاشد
اجل يدار جهاز الگدو على الحضور من كبار السن وكل يسحب مرتشفاً منه نفَساً او نفسين لينتقل الى فم جاره فيفعل مثله وهكذا من فم لفم دون تعقيم ولافلاتر
وفي مجلس الشيخ زين الدين يرتقي المنبر الخطيب البارع الشاعر الاديب المرحوم  الشيخ جعفر الهلالي وهو يبدع ويتألق وخصوصاً في خطبة الزهراء الذي اعتاد قراءتها في كل عام بذلك
المجلس الذي يحضره علية القوم من أكابر العلماء والأدباء ووقته عصراً وينتهي قبيل الغروب
      *****
ومن المجالس الشهيرة التي كانت حديث الناس مجلس المرحوم السيد حسن الخرسان وهو عالم محقق كبير مهيب الطلعة طويل القامة أدركته ورأيته بشيبته الوقورة ونظارته الطبية ذات الإطار الأسود وبيده عكازة يتوكأ عليها  والد العالمين العلمين المحققين السيد مهدي والسيد محمد رضا وكان مجلسه يعقد سنوياً  بداره في آخر سوق الحويش مقابل جامع الترك  
وقت الفجر بعد الصلاة ويعتلي المنبر الخطيب الشهيد  السيد جواد شبر
        ***
ومن الخواطر والذكريات مجلس( بيت الاحزان )
والأساس التاريخي لبيت الاحزان كم هو مشهور
يقال أن الامام امير المؤمنين ع بناه  خارج المدينة للزهراء ع بعد ظلامتها ومنعها من البكاء على ابيها واذا كان شيء من التشكيك او الارتياب في هذا الإجراء التعسفي فلقد يزول الشك اذا لاحظنا
الإجراءآت المماثلة التي اتخذها الطاغية المقبور في منع العوائل الثاكلة والأسر الفاقدة أحبتها وأعزاءها
من إقامة مآتم العزاء ومجالس الفاتحة على ارواح شبابهم وشهداءهم
و ينسب للامام المهدي
قوله شعراً مجيباً السيد باقر الهندي في عالم الرؤيا عندما رأه ليلة عيد الغدير حزيناً كئيباً مكروباً فقال له يابن رسول الله هذه الليلة ليلة عيدكم ويفترض أن أراك فرحاً مبتهجاً فمالي أراك حزيناً فأجابه
أتراني اتخذت لا وعلاها
 بعد بيت الأحزان بيت سرور
فابكي وازفر لها فإن عداها
 منعوها من البكا والزفير
  ولما انتبه السيد من نومه كتب قصيدة
 كل غدر وقول إفك وزور
 هو فرع من جحد نص الغدير
هذه لمحة تاريخية موجزة عن اساس بيت الاحزان
ويعلق في خزانة الذاكرة ولوحة الماضي عبر العقود ترتسم صورة تراثية عن  بيت تاريخي في النجف الأشرف يتربع على شارع المدينة الرئيس على مقربة من حسينية ومدرسة المرحوم الحاج عباس  الرحباوي بيت كبير كتب على جبهة بوابته الخارجية   عبارة نقشت على الكاشي الأزرق بخط جميل (بيت الأحزان )و هو بيت رمزي لما ورد في التاريخ عن شيوخ المدينة عندما تضايقوا من كثرة بكاء الصديقة الزهراء ع بعد فقد ابيها رسول الله معبرة عن نقمتها  واستيائها تعبيراً عاطفياً مستنكرة ما آل اليه أمر القوم من عزل وتجميد امير المؤمنين ع  وابعاده عن موقع القيادة ومنصب المسؤولية المنصب به من قبل السماء  فاضطر أن يبني لها بيتاً متواضعاً خارج المدينة اُطلق عليه(  بيت الاحزان) كانت تخرج اليه كسيره القلب دامعة العين تنوح أباها وتبكيه بكاءً ساخناً حتى لحقت به وهي في عمر الزهور ضحية الأحداث المرعبة والآلام المروّعة التي تجرعتها بعد رحيل أبيها النبي ص
 وبقي بيت الاحزان شعاراً تاريخياً لظلامة الزهراء عليها السلام وقد اعتدنا ان نرى مؤسسات دينية تنطلق في خط اهل البيت عليهم السلام وتحمل عناوين مختلفة منها الحسينيات والمآتم  والتكايا والمواكب ومجالس العزاء وغيرها اما عنوان بيت الاحزان ففي حدود اطلاعي ان المؤسسة الاولى التي تحمل هذا العنوان التاريخي  هو البيت الوحيد المشار اليه الذي اسسه المرحوم السيد علي نقي الرضوي الكشميري في النجف الاشرف في اوائل السبعينات  و في الثالث عشر من شهر جمادى الاولى من كل عام تقام به مراسيم متميزة وشعائر ساخنة  لاحياء ذكرى الزهراء عليه السلام حيث يعقد مأتم كبير في صحن البيت بعد ان يكلل بالسواد وعلائم الحزن ويستعرض الخطيب ماساة الزهراء عليها السلام وكان اول خطيب ارتقى المنبر في سنة تأسيسه الاولى هو الاستاذ الشيخ احمد الوائلي وبعد فراغ الخطيب من خطبته وعرضه لضلامة الزهراء عليها السلام يحمل نعش رمزي على الرؤوس والأكف تشارك فيه جموع غفيرة من ابناء الزهراء ع وسائر المؤمنين تخترق به شوارع المدينة الرئيسة ثم تنعطف على السوق الكبير مشياً على الأقدام حتى تدخل الحرم الحيدري الشريف وهناك يرقى خطيب آخر منبر الصحن المطهر فيقرأ خطبة امير المؤمنين عليه السلام مخاطباً بها رسول الله  عند دفن الزهراء وهي السلام عليك يا رسول الله عني ابنتك النازلة في جوارك والسريعة اللحاق بك قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري ورق عنها تجلدي الا أن التأسي بعظم فرقتك وفادح مصيبتك موضع تعزٍ فلقد وسدتك في ملحودة قبرك وفاضت بين نحري  وصدري نفسك
 يا رسول الله لقد أسترجعت الوديعة وأخذت الرهينة واختلست الزهراء فما اقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله اما حزني فسرمد واما ليلي فمسهد الى ان يختار الله لي دارك التي انت فيها مقيم و ستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها فأحفها السؤال واستنطقها الحال
 والسلام عليكما سلام مودع غير قال ولا سأم فإن أنصرف فلا عن ملالة وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين وكان الخطباء الذين توالوا على قراءة هذه الخطبة في الصحن الحيدري الخطيب المرحوم الشهيد السيد جابر ابو الريحة  والخطيب السيد مرتضى الأردبيلي فيضج  الناس في البكاء والعويل وتعتبر هذه المراسيم تشييعاً رمزياً لجنازة الزهراء عليها السلام التي لم تشيع عند وفاتها بل دفنت سرّاً حسب وصيتها استنكاراً واحتجاجاً منها على الظلامة الكبرى التي حلت بأهل البيت النبوي المطهر ولقد أجاد الشاعر في هذا المعنى بقوله
 شيعت نعشها ملائكة الرحمن
 رفقاً بها وما شيعاها
ولأي الأمور تدفن ليلاً
بضعة المصطفى ويعفى ثراها
   *****

وفي الختام اتذكر موكب الشوشترلية يشق طريقه نحو الصحن الشريف عبر سوق العمارة وعند الوصول يرقى المنبر المرحوم الملا عبد المحمد بهيبته وشيبته وجبته وكشيدته ويرفع عقيرته ويتهدج بصوته المخلص
انهض وخلي الرواية منشرة
واصلب الجبتين من فوگ
 اشجره
وصيح ضلع امي الزهرا
 شكسره
ومن غصب حگها وهاج
 احزانها
    *****
أخترنا لك
خاطرة عن آية الله العظمى السيّد السيستانيّ

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة