أصوات من السماء.. عميد مدرسة القراءة العراقية

2021/04/24

لم يكن صوتا عابرا أبدا، فقد ترك آثاره في وجدان العراقيين لعقود طويلة، حين كان جهاز المذياع وسيلتهم للتعرف على العالم من حولهم، ثم انتقل بعد ذلك إلى التلفاز وأشرطة التسجيل، التي جعلت صوته جزءا من الهوية العراقية الحديثة.

رافقهم في رمضان ومناسباتهم الدينية، وفي أحزانهم وذكرياتهم، فكان هذا الصوت الشجي عنوانا لمرحلة من تاريخهم الشخصي، إنه الحافظ خليل إسماعيل أشهر قراء القرآن الكريم في العراق.

وقد أنجبت مدرسة القراءة العراقية العديد من الأسماء قديما وحديثا، وكان من أبرز روادها مهدي العزاوي وسعيد حسين القلقالي ووليد الفلوجي وعبد المعز شاكر وغيرهم؛ لكن أهم هذه الأسماء، وربما عميدها هو الحافظ خليل إسماعيل العمر، الذي يلقبه البعض بشيخ القراء العراقيين.

ولد المقرئ خليل إسماعيل العمر الجبوري عام 1920 في منطقة سوق حمادة بجانب الكرخ في بغداد، وتربى في بيئة دينية حببت إليه تعلم القرآن وتلاوته، ورغم فقدانه البصر منذ سن مبكرة؛ إلا أن ذلك لم يمنعه من مواصلة تعليمه، فتابع دراسته في مجال العلوم الشرعية في عدد من المساجد والمدارس.

واستقبلته إذاعة بغداد عام 1941 ليكون ضيفا دائما عليها، لما عرف عنه من حسن الصوت وجودة الأداء، ونال لقب الحافظ عام 1942، حين أجرت الإذاعة اختبارا للمقرئين، من لجنة ضمت عددا من العلماء الشرعيين، وممثلي الأوقاف ووزارة العدل وقاضي بغداد وآخرين، فحاز على اللقب لتميز قراءته، ومعرفته بالأحكام الدينية أيضا.

ثم سافر لعدة بلدان عربية، وقرأ في جوامعها الكبيرة والمشهورة، كالمسجد الأقصى في القدس، وفي مصر والكويت، واستطاع أن يلفت أنظار العديد من القراء، ومن بينهم القارئ المصري عبد الفتاح الشعشاعي، الذي يروى أنه قال عنه “إني لم أطرب ولم أسمع مثل الشيخ المقرئ الحافظ خليل”.

توظيفه للمقام والنغم

وعلى الصعيد الشخصي، اشتهر الحافظ خليل بأنه لم يكن يقرأ في المآتم أو المقابر، مما جعله مقدّرا عند عامة الناس، ومقصدا للشخصيات العامة، التي كانت تحضر إلى المساجد التي يجوّد فيها القرآن للاستماع إليه.

ولعمق الصلة بين أسلوب قراءة القرآن وفق الطريقة البغدادية وفن المقام، فقد لفت هذا الصوت العديد من الفنانين الكبار، ومن بينهم الراحل محمد القبانجي، الذي وصف الحافظ خليل بأنه “بستان الأنغام العراقية الأصيلة”.

ويرى الفنان محمد سجاد الرفاعي أنه بالإضافة لتميز الحافظ خليل باستخدامه الواسع للمقامات العراقية في قراءة القرآن؛ بالقطع والأوصال كما يعرفها قرّاء المقام، فإنه أدخل في قراءته مقامات ريفية لم تكن تقرأ قبله، ورغم أنه كان يقرأ القرآن على طريقة المقام؛ لكنه كان ملتزما جدا بأحكام التلاوة.

وقد اشتهر من قراء العراق قبل الحافظ خليل 3 مشايخ، كانت لهم مدارسهم الخاصة، وهم الحافظ مهدي العزاوي، وعبد الفتاح معروف، ومحمود عبد الوهاب.
ثم أتى الحافظ خليل -وهو من مدرسة الشيخ عبد الوهاب- لكنه طور تلاوته، ومزج بين قراءة الأطوار الريفية، وحتى بعض الأنغام العربية خلال التلاوة.

وكان بالإضافة إلى ملكة الصوت، التي لديه، يتميز بحنجرة شجية ورخيمة، يشبهها الكثيرون بحنجرة الفنان وقارئ المقام يوسف عمر، وفق الرفاعي.

ويشير الفنان محمد سجاد -الذي شارك مؤخرا في مسابقة عراق آيدول الغنائية- إنه بالرغم أن الحافظ خليل قرأ في القدس والكويت ومصر ونال الكثير من الإعجاب والاهتمام؛ إلا أنه وسواه من المقرئين العراقيين لم يحوزوا شهرة واسعة في العالم العربي لسببين؛ الأول هو أنه لم تكن هناك عملية تسويق للقراءة العراقية، كما هو الحال مع الشعر وبقية الآداب والفنون العراقية الأخرى، التي لم تكن واسعة الانتشار في العالم العربي حتى وقت قريب.

أما السبب الثاني، فهو أن القراءة العراقية صعبة، ولا يجيدها إلا من يتقن المقام العراقي، فيما القراءة المصرية أكثر سهولة، وقريبة لطرق التلاوة والتجويد في معظم البلدان العربية، لذا انتشرت أكثر من غيرها، على حد قوله.

استمرت مسيرة الحافظ خليل إسماعيل في قراءة القرآن خلال عقود من الزمن، حتى حانت وفاته في 5 يوليو/تموز عام 2000، وخرجت بغداد لتودعه، وسار في جنازته المئات من محبيه إلى مثواه في مقبرة الكرخ (غرب بغداد)؛ لكن تلامذته ما زالوا يواصلون التعلم منه، ونشر تسجيلاته الصوتية عبر منصات التواصل الاجتماعي.

المصدر: الجزيرة

أخترنا لك
صورة نادرة لمقبرة السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي تاريخها عام ١٣٤٩هـ - 1930م .

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة