فائدة في معنى السويق

2020/11/11

 يقول الهروي في كتابه (بحر الجواهر) الصفحة 170:
"سويق كفَعيل، ويتخذ من سبعة أشياء؛ الحنطة والشعير والنبق والتفاح والقرع وحب الرمان وغبيرا"
وهو كلام صحيح، ولكنه غير دقيق لأنّ السويق كان يُتخذُ أيضاً من غير هذه المواد، فهناك سويق التمر وسويق العنب وسويق اللوز، وقد روى ابن أبي شيبة في المصنف أنّ المطلب بن حنطب كان يشرب سويق اللوز بالمسك، وقال ابن دريد ، الفُرْفُورُ والفُرَافِرُ والفُرَافِلُ - سَوِيقٌ يُتَخَذ من تَمَر الينبوت".


وقد ورد اسم السّويق في شعر العرب، وأقدم من ذكره ممن اطلعت على شعرهم هو تميم بن أبي العجلاني العامري المتوفى في العقد الرابع من القرن الهجري الأول؛ حيث جاء في ديوانه قوله:

أَشَاقَكَ رَبْعٌ ذُو نبَاتٍ ونِسْوَةٍ       بِكِرْمَانَ يُسْقَيْنَ السَّوِيقَ المُقَنَّدَا

ثم ذكره زياد بن سليمان العبدي المعروف بـ(زياد الأعجم) المتوفى في نهاية القرن الأول الهجري، فقال يهجو قبيلة جرم:

تُكَلِّفني سَويقَ الكَرمِ جَرمٌ       وَما جَرمٌ وَما ذاكَ السّويقُ
وَما شَرِبته جَرمٌ وَهوَ حِلٌّ       وَلا غالت بهِ مُذ كانَ سوقُ
وَلَمّا نُزِّلَ التَّحريمُ فيها       إِذا الجرمِيُّ عَنها لا يُفيقُ

ثم ذكره بعده السيد الحميري المتوفى عام 173 للهجرة، في قوله:

لَشَربةٌ من سَويقٍ عندَ مَسْغَبةٍ       وأكلةٌ من ثريدِ لحمُه واري
أشدُّ مّما رَوى حبّاً إليَّ بنو       قيسٍ ومّما رَوى صلتُ بنُ دينارِ
ممّا رَواه فلان عن فلأنِهم       ذاكَ الذي كان يَدعوهم إلى النارِ


فهذه الأشعار كما نرى يُفهم منها أنّ السويق المذكور فيها هو شرابٌ كانت العرب تشربه؛ كما يُفهم من شعر زياد أنه مما حَرّمه الإسلام، وهو ما يؤكده شعر السيد الحميري الذي كان يُروى عنه شربه للمسكر حتى رفع ذلك للإمام الصادق عليه السلام، فجعله من الذنوب التي يغفرها الله للسيد بسبب حبه لأهل البيت.


ومع ذلك فلعلماء اللغة كلامٌ كثير في السَّويق يفهم منه أنه يكون شراباً تارة، وأكلة تشبه العصيدة أو الخبيصة ففي مادة (جدح) من كتاب العين ذكر أنّ الجدْح هو خوض السويق واللبن ونحوه بالمجدح ليختلط، وفي (اللسان)؛ مادة (جدح): "الجدح: أن يُحرّك السويقُ بالماء ويخوَّض حتى يستوي"، وقال صاحب كتاب العين في مادة (لبك): "واللبك سمن تصبه على الدقيق أو السويق ثم ترويه"، وقال في مادة (الربك): "والربك: أن تربك السويق أو الدقيق بالسمن أو بالزيت أي تخوضه به"، ولكنه قال في حرف (الجيم) باب (الشين): "الجَشّ: طَحْنُ السَّويق"، وقال في باب اللفيف من الراء: "والتروية: أن تروي شيئاً فيكثر عليك حتى يشتد ريّه؛ كما تقول رويت السّويق من الماء وغيره".


وفي مادة (أبس) من إصلاح المنطق لابن السكيت: "وقد بسستُ السويق والدقيق أبسّه بسّاً إذا بللته بشيء من الماء، وهو أشد من اللتّ"، وقال في مادة (البكلة): "والبكلة: السّويق والتمر يؤكلان في إناء واحد، وقد بُلا باللبن، وقد بكَل الدقيق بالسَّويق إذا خلطه"، وفي كتاب (الزاهر في معاني كلمات الناس) لابن الأنباري: "ومن ذلك قولهم: ربأ السويق؛ معناه قد زاد وارتفع"، ولكن ورد في مادة (ربا) من (لسان العرب): "وربا السويق .. ربواً: صُبَّ عليه الماء فانتفخ"، فهو ينتفخ عندما يصب عليه الماء مما يعني أنه هنا مادة جرشة.


وفي الصحاح للجوهري؛ قال في مادة (قشد): القِشدة بالكسر: الثقل الذي يبقى في أسفل الزبد إذا طبخ مع السَّويق ليتخذ سمناً"، وقال في مادة (بسس): "والبسُّ أيضاً: اتخاذ البسيسة، وهو أن يلتّ السويق أو الدقيق أو الأقط المطحون بالسّمن أو بالزيت، ثم يؤكل ولا يطبخ"، وقال في مادة (لبك): ولبكت السويق بالعسل: خلطته".


وفي (معجم ما استعجم) للبكري في رسم (الرقاع): "الرّقاع .. موضع؛ إليه تُنسب قندة الرِّقاع، وهو ضربٌ من التمر يُحلّى به السويق، فيكون موضع السُّكَّر".

وفي مادة (صفر) من (لسان العرب): "والصُّفْريَّة: تمرة يماميَّة تُجَفَّف بُسْراً .. ويُحَلَّى بها السَّوِيق فَتَفوق مَوْقِع السُّكَّر".

وفي (المخصص) لابن سيده أيضاً: "سويق مقنود ومقنّد: مخلوط بالقند .. وهو عصير قصب السكر، .. أبو عبيدة: عسلت السويق أعسله .. خلطته بالعسل"، وقال في باب فعلتُ وأفعلت: "وقضَّ الرجل السويق يقضه قضاً وأقضه: إذا ألقى فيه سُكَّراً أو قنداً".


والسّويق: غزوة للنبي؛ ذكر ابن الحاجب في الشافية سبب تسميتها بذلك أنّ أبا سفيان لما غزا المدينة في مائتي راكب بعد غزوة بدر، وحرق بعض نخلها، وقتل قوما من الأنصار؛ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه، .. ففر أبو سفيان، وجعل أصحابه يلقون مزاود السويق يتخففون للفرار، فسميت غزوة السويق.

وقال ابن الأعرابي ، الغَرِيضَة - ضَرْب من السَّويق ، أبو حاتم ، إذا أرَادوا أن يَعْمَلوا الغَرِيضةَ صَرَموا من الزَّرْع ما يُريدونَ حينَ يَسْتَفْرِك ثم يُسَهُّونه وتَسْهِيَتُه - أن يُسَخْن على المِقْلَى حتى ييَبْسَ وإن شاء جعلَ معه على المِقلى حَبَقاً والحبَق - الفوْذَنْج وهو أَطْيب لطَعمه وهو أطْيَب سَوِيقٍ، .. الأصمعي ، وعابَ رجُلٌ السَّويق بحَضْرة أعرابي فقال لا تَعِبْه فإنه عدة المُسافر وطَعامُ العَجْلان وغَذاء المُبِكَر وبُلْغَة المَرِيض وهو يَسْرُ فُؤَادَ الحزَين ويَرْدُّ من نَفْس المَحْدُود وجَيِّد في التَّسْمِين ومَنْعوت في الطيب وقَفارة يَحْلق البَلْغَم ومَلْبُونه يُصَفّي الدمَ وإنَّ شِئْت كان شَراباً وإن شئت كان طَعاماً وإن شئت كان ثَريداً وإن شئت".


ويبدو أنّ كل ما تقدم من تعريفات متعددة للسويق هو الذي جعل ابن منظور في حيرة عندما قال في مادة (سوق):
"السَّوِيق ما يُتَّخذ من الحنطة والشعير، ويقال: السَّويقُ المُقْل الحَتِيّ، والسَّوِيق السّبِق الفَتِيّ، والسَّوِيق الخمر".
ولكن ابن سيده، وهو أحصف فكراً من ابن منظور وسابق له بثلاثة قرون كان يفرق بين السويق والسويق، فقال في كتابه (المخصص) الجزء الأول/ القسم الخامس:
"وأمَّا قوله :
تُكَلِّفني سَوِيقَ الكَرْمِ جَرْمٌ * وما جَرْمٌ وما ذاكَ السَّوِيقُ
فإنَّه لم يَعْن بالسَّوِيق هذا المُتعالَم المسَمَّى بهذا الاسمِ في أوّل وَهْلة وإنما سَويق الكَرْم الخَمْر وليس باسم عَلَم لها واقعٍ عليها في أوّل ولكِنَّه سماه سَويقاً من حيثُ سُمِّي السَّويقُ المُتَعالَم سَويقاً وإنما سُمِّي بذلك لانسِيَاقه في الحَلْق وكذلك الخَمْرُ سمَّاها سَويقاً لانسِياقها في الحَلْق".

ومن كل ما تقدم يتضح لي أنّ السويق عند العرب القدماء هو اسم جنس عام قد يُطلق على شراب مسكر وغير مسكر يتخذ من عدة ثمار؛ كما يطلق على مأكول عصيدي يخلط بالعسل أو السكر أو التمر، وهو في الأصل هنا مادة تشبه الدقيق أوالشعير، وكان يُصنع منها شراب السويق أو مأكوله اللذيذ، وعليه أرجح أنها ما يُسمى الآن بـ(الشوفان)، وهو بالمناسبة لا زال يُصنع منه مواد حلوائية، وذلك بخلطه بالسكر أو العسل أو التمر، ويمكن أن يصنع منها أكلٌ و شراب أيضاً.
والله أعلم    



منقول
أخترنا لك
بالوثيقة : زعيم الحوزة العلمية في النجف الأشرف السيد الإمام الخوئي قدس سره يبعث ببيان إلى قادة الأقطار الإسلامية ويدعوهم

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة