ألا يدل الوحي على نزول ما لا يعلمه النبي ص ؟

2021/02/15


شعيب العاملي

السؤال9: كيف تقولون أن النبي ص يعلم ما سيأتي به الوحي وصريح القرآن هو أن الله علّمه ما لم يكن معلوماً عنده وزاد في علمه (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا) ؟

الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
لا بد قبل عرض الجواب من بيان مقدمات:

المقدمة الأولى: أن في آيات القرآن وفي روايات النبي والأئمة عليهم السلام محكماً ومتشابهاً، ولا بدّ من رد المتشابه إلى المحكم.

المقدمة الثانية: أن الأدلة قد أثبتت علمهم عليهم السلام منذ خلقهم الله أنواراً قبل خلق الخلق، وكانوا عالمين به تعالى (خلقهم حلماء علماء)، وبهم عُرِفَ الله، وبتسبيحهم عرفت الملائكة التسبيح، وهي أدلة صريحة في أنه ص كان عالماً قبل أن يولد بجسده البشري في هذه الدنيا، ومثله ما دل على أن الإمام يعطى عند ولادته في هذه الدنيا العلم الأول والآخر.(ونتعرّض لتفصيل هذه الأدلة في موضوع مستقل إن شاء الله)

المقدمة الثالثة: أن النصوص التي توهم خلاف ذلك ليست نصاً فيما يستفاد منها، بل أقصى ما يُدعى هو ظهورها في ذلك ولا شك بلزوم حمل الظاهر على النص والعمل بمقتضى النص الذي لا يقبل وجهاً غير الذي يدل عليه.

إذا تبيّن ذلك نزيد فنقول:
روى العامة والخاصة إشارة النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام عند نزول قوله تعالى: (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) وقوله ص: هذا هو الإمام المبين.
وأعم المفاهيم هو مفهوم الشيء، ورغم استعمال أعم المفاهيم أضيف إليه أداة العموم (كل)، فثبت علمه عليه السلام ب(كل شيء).

وقد تكثرت الروايات في إثبات كون علي عليه السلام هو صاحب الآية: قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ [الرعد : 43]
وقد دلت النصوص على أن علم الكتاب (كله) عندهم عليهم السلام.
وقد وصف الله تعالى الكتاب بأن فيه (تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ) (وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) النمل : 75]
قال تعالى: وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [يونس : 61]

مما تقدم وما قبله من إجابات يثبت علم الأئمة عليهم السلام ب(كل شيء) وكل غائبة في السماء والأرض، وكل ذرة بل وما هو أصغر من الذرة، علماً فعلياً منذ ولادتهم في هذا العالم، بل منذ خلقهم في العوالم السابقة.
وليس علم النبي بأدنى من علمهم عليهم السلام فهو الأصل والمقدم عليهم جميعاً. فيشمل علمه ص ما يتصوره الإنسان وما لا يتصوره، إنه شامل ل(كل شيء) بما فيه آيات القرآن الكريم.

ولعلّ في قوله تعالى: (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) إشارة لذلك.
وليس ما ذكروه من وجوه تأويل الآية أولى من القول بعلمه صلى الله عليه وآله بتلك الآيات قبل نزول الوحي عليه بها، وكأن الآية في مقام بيان أن النبي صلى الله عليه وآله لا يقول شيئاً إلا بأمر الله تعالى وبعد نزول الوحي (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) والنهي عن العجلة لا يدل على سبق استعجاله صلى الله عليه وآله كما لا يخفى.

نعم خرج بحكم العقل وإرشاد النقل عن معرفة (كل شيء) خصوص معرفة الله تعالى (معرفة إحاطة)، فإنها ممتنعة لكل مخلوق، إذ ليس للمخلوق أن يحيط بالخالق ولا للمحدود أن يحيط بربه، وامتناع اكتناه الذات الإلهية من المسلمات والثوابت عند آل محمد وشيعتهم، وإن شذّ عنهم بعض من تسمى بالعرفان، وعرفان آل محمد منهم براء ! فقالوا أنهم يحيطون بالله علماً، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.. وفي روايات المعصومين عشرات النصوص التي ترشد إلى هذا المعنى.

والخلاصة أنه لا بخل في ساحة كرم الله عز وجل، وأن النبي صلى الله عليه وآله منذ خلقه الله أهلٌ لكل خير وفضل، فأعطاه الله ما يمكن أن يُعطى لمخلوق منذ خلقه.

نعم ظاهر بعض الآيات والروايات تَعَلُّمُ النبي ما لم يكن يعلم، ومنها الآية محل السؤال: تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ [هود : 49]
ومثلها آيات أخرى كقوله تعالى: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ[النساء : 113]

والجواب من جهتين: نقضي وحلي
أما النقضي فبقوله تعالى: مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ [الشورى : 52]
إذ لازم تفسير الآيات بالأوقات الزمنية المختلفة أي كونه لا يعلم قبل وقت البعثة ونزول الوحي وكونه يعلم بعد نزول الوحي، لازم هذا القول أن النبي ص لم يكن مؤمناً قبل البعثة!
والحال أن علماء الإمامية بل حتى جمهور علماء المخالفين قد التزموا بأنه كان مؤمناً حتى قبل البعثة ونزول الوحي، وصرح بذلك كثير منهم كابن قتيبة والزمخشري والفخر الرازي وآخرون. وقد روى الجميع أنه كان نبياً وآدم بين الماء والطين.

أما الجواب الحلي:
فبأن هذه الآيات في نفسها تحتمل وجوهاً كثيرة ذكرها العلماء منها:

الأول: ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان قبل البعثة ونزول الوحي كما هو ظاهر الآية، فيدل على سبق الجهل ثم حدوث العلم بل يدل على عدم كونه مؤمناً إلا بعد نزول الوحي عليه.
الثاني: ما كنت تعلم تفاصيل الشريعة، أو الإيمان الذي تبلغه.
الثالث: ما كنت تعلم الإيمان قبل البلوغ.
الرابع: ما كنت تعلم صفات الله التي لا تعرف إلا بالنقل.
الخامس: ما كنت تعلم من سيؤمن ومن سيكفر.
السادس: ما كنت تعلم حال ولادتك، أما وقد تمت ولادتك فقد علمك الله تعالى.
السابع: ما كنت تدري (لولا أن علمناك)، أو: علمك ما لم تكن تعلم (لولا تعليمه)، ما كنت تعلمها (لولا أن علمناك)، ما كنت تعلم (لولا هدايتنا).. وأمثال ذلك من التقدير.

ولما اتفق الجميع على أن النبي صلى الله عليه وآله كان مؤمناً قبل البعثة، لم يكن بالامكان الالتزام بالوجه الأول، فخرج الأغلب إن لم يكن الجميع عن الالتزام بالظاهر، وذهب كلّ إلى الالتزام بوجه من الوجوه الأخرى.

وبالتأمل في الآيات والروايات، وبما تقدم ذكره ونظائره، يرجح الوجه السابع، بأن تكون الآيات المباركة ناظرة إلى عدم استغنائه صلى الله عليه وآله عن الله تعالى في شيء، حدوثاً وبقاءً، فلولا تعليم الله تعالى للنبي لم يكن عالماً، ولولا تفضله عليه بسبل الهداية للإيمان لم يكن على ما هو عليه من الإيمان، تماماً كآيات علم الغيب، بحيث كان المنفي عنه صلى الله عليه وآله علمه الغيب بغير تعليم من الله، والمثبت له هو علمه بتعليم الله تعالى، وهو ما سيأتي الكلام عنه في الجواب القادم إن شاء الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين
أخترنا لك
هل نستحقُّ غفران الذنوب ؟!

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف