أسئلة وإشكالات وملاحظات حول علم الإمام ( ع )
2021/02/15
شعيب العاملي
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر بعض الأخوة جملة من الأسئلة والاشكالات والملاحظات على ما ذكرنا
في جواب السؤال السابق (س6) حول علم الإمام وتفسير معنى الزيادة في
حديث (لولا أنا نزداد لأنفدنا)، نذكر بعضها ههنا ونجيب عليه تاركين
التفصيل إلى محل آخر إن شاء الله تعالى.
1. أن الوجه الثاني المذكور (زيادة ما عندهم عما عند الناس) لا ينسجم
مع ذيل الروايات (لأنفدنا) فحاله حال التفسير بحدوث علم جديد.
والجواب:
لقد ذكرنا أن ذيل الروايات قرينة على عدم إرادة حدوث علم جديد، وهو ما
تبيّن في الوجه الأول (تفضل الله بتثبيت علمهم)
والقارئ بين أحد أمرين:
الأول: التسليم بعدم دلالة الأخبار على حدوث علم جديد. وهو المطلوب،
فيكفيه الوجه الأول.
الثاني: عدم التسليم بذلك، والتزامه بحدوث علم جديد، وحينها يكون قد
جمع بين عبارة (لأنفدنا) وبين حدوث علم جديد، فنقول له: إن الوجه
الثاني ليس أقل رجحاناً مما جمعتم به.
وبعبارة أخرى.. أن الوجه الثاني إنما طرح لمن منع عن الوجه الأول،
فنقول له لا مرجح لكون الزيادة على ما كان عند الإمام، بل يمكن أن
تكون الزيادة على ما عند الناس حتى على مبناكم.
على أن هناك وجوهاً أخرى في المقام، منها ما طرحه بعض أهل العلم أن ما
يحصل هو (الإذن) بإظهار ما علموه عليهم السلام، فهم ياخذون الإذن في
كل جمعة أو في كل ليلة قدر بإخبار الناس جملة من الأمور إلى الاسبوع
القادم أو السنة التالية، فيكون معنى الرواية (لولا أن الله تعالى
يأذن لي بإعلامكم بشيء جديد لنفد ما أذن لي في إعلامكم به)
وأشارت لهذا المعنى بعض الاخبار منها ما روي في الخبر المعتبر:
وَالْإِمْضَاءُ فِي لَيْلَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ (الكافي ج4 ص159)
ويؤيده ما روي: فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ:
أَمْضَاهُ ثُمَّ أَنْهَاه (بصائر الدرجات ج1 ص222)
وما في الخبر : بَلَى قَدْ عَلِمُوهُ وَلَكِنَّهُمْ لَا
يَسْتَطِيعُونَ إِمْضَاءَ شَيْءٍ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمَرُوا (الكافي
ج1 ص252)
وقريب منها ما ورد في ليالي الجمعة أيضاً.
وإن حمل الإمضاء على كونه صار حتمياً فيجتمع مع هذا الوجه أيضاً أو
يكون وجهاً رابعاً.
وفي غير رواية ذكر أن الأئمة لا يظهرون إلا ما أذن الله لهم في كشفه،
منها قولهم عليهم: ... لِأَمْرٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَنَا فِي كَشْفِهِ
لَكُم... (كمال الدين ج2 ص482)
وفي رواية أخرى سئل عليه السلام فلم يجب/ فقال الراوي: فَقُلْتُ أَ
وَلَا تَعْلَمُهَا ؟
قَالَ بَلَى
قُلْتُ: فَأَخْبِرْنِي بِهَا
قَالَ :لَمْ يُؤَذَنْ لِي فِي ذَلِكَ. (بصائر الدرجات ج1 ص44)
وهناك وجوه أخرى يمكن الجمع فيها بين الروايات دون الالتزام بحدوث علم
جديد.
2. أن الأولى رد علم هذه الروايات إلى أهلها كما فعل السيد الخوئي
والجواب:
لم يتيسر لنا مراجعة كلام السيد الخوئي رحمه الله في خصوص هذه
الروايات.
ولكن من المعلوم أن رد علم الرواية إلى أهله إنما يكون لازماً عندما
لا يكون قبولها ممكناً بوجه من الوجوه.
ففي الخبر المعتبر عن الباقر عليه السلام: حَدِيثُنَا صَعْبٌ
مُسْتَصْعَبٌ لَا يُؤْمِنُ بِهِ إِلَّا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ أَوْ نَبِيٌّ
مُرْسَلٌ أَوْ عَبْدٌ امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ، فَمَا
عَرَفَتْ قُلُوبُكُمْ فَخُذُوهُ وَمَا أَنْكَرَتْ فَرُدُّوهُ
إِلَيْنَا. (بصائر الدرجات ج1 ص21)
فما تنكر القلوب أو تشمئز منه كما في نصوص أخرى، وما لا يكون قابلاً
للجمع مع القواعد الشرعية والنصوص الشريفة ينبغي رد علمه إليهم لعله
منهم صدر وله وجه لا نعلمه.
ولكن هذا لا يكون لازماً مع وجود احتمالات ووجوه تنسجم مع تلك
القواعد، يمكن بها الجمع بين النصوص المختلفة.
وردّ علم الرواية إلى أهلها هو التوقف عن الالتزام بها عقيدةً، أو
العمل بها سلوكاً.
والسيد الخوئي رحمه الله بنفسه كان ممن سوّغ التوجيه والتأويل إن كان
له وجه ولم يُلزِم برد علمها إلى أهلها في كثير من الموارد، ومن ذلك
قوله مثلاً عن بعض الروايات: (فلا بدّ إذن من حمل الصحيحة على التقيّة
أو ردّ علمها إلى أهله، إذ لا سبيل للعمل بها بوجه.) بحيث كان عدم
إمكان العمل بها سبباً لرد علمها إلى أهلها إن لم تحمل على التقية،
لكن لما كان تأويلها بوجه ما ممكناً كان موقفه مختلفاً حيث قال في
مورد آخر: (بل وجب تأويلها أو طرحها ورد علمها إلى أهله)، وما ذكره
رحمه الله هو المعروف وهو الموافق للقواعد.
وما ذكرناه هو وجوه للجمع بين الروايات تمت عليها الشواهد فلا تصل
النوبة إلى طرح الروايات ورد علمها إليهم عليهم السلام.
وإن كنا نرد علم كل ما يصدر عنهم عليهم السلام إليهم بمعنى آخر وهو
الإقرار بكل ما ورد عنهم والتسليم به سواء لم نفهمه او فهمناه فهماً
قاصراً او تبين لنا لاحقاً إرادتهم خلاف الظاهر.. فالقول منا في كل
شيء هو قول محمد وآل محمد عليهم السلام.
3. لماذا لم تذكروا الروايات الصريحة في كون الزيادة هي زيادة في
العلم ؟
والجواب:
لقد سلّمنا بأن المراد هو الزيادة في العلم ولو في بعض النصوص، لدلالة
جملة من الأخبار كما ذكرتم على ذلك، لكنا ذهبنا إلى معنى آخر في تفسير
الزيادة، ولم ننكر كون الزيادة في العلم إنما في كيفيته.
على أنا نسلم بأن حقيقة علمهم كما حقيقتهم ع من الأمور التي ليس
لأمثالنا فيها مطمع، فإنها فوق ما نقول وفوق ما نعتقد بل فوق ما
ندرك..
4. هل هناك مانع عقلي أو شرعي من تكامل النبي وأهل البيت ع ؟
والجواب:
ذكر العلماء وجوهاً تقرّب الالتزام بكمالهم المطلق بين المخلوقين منذ
خلقهم الله، مع حاجتهم المطلقة اليه تعالى..
ونذكر أحدها بغض النظر عن تمامية الوجه فيه وعدمه..
ذلك أن الله تعالى يعطي كل أحد بما يتناسب مع قابليته.. ففاعلية
الفاعل وهو الله تعالى تامة، ولكن يتنزل منها على كل مورد بحسب قابلية
ذلك المورد.
ولما كان أهل البيت عليهم السلام قد بلغوا المنتهى في القابلية، كان
العطاء تاماً منذ بداية خلقتهم.. على وزان ما في الآية المباركة: أنزل
من السماء ماء فسالت أودية بقدرها..
فإن قيل: إن القابلية نفسها تزداد مع الطاعة.. قلنا هذا الكلام محلّ
كلام.. لا يسع تفصيله هنا فنتركه لمحل آخر.
5. لماذا خرجتم عن ظواهر الروايات من كون الزيادة تعني حدوث علم جديد
؟
الجواب:
على فرض تمامية أدلة الزيادة بالمعنى الذي ذكرتم، وضرورة الالتزام
بالظاهر البدوي منها، يكون الراجح اختصاص العلم الجديد بعلوم ربانية
خاصة تقربهم من الله تعالى لا علاقة لها بعوالم هذه النشأة الدنيوية
لاطلاعهم فعلاً على علوم السماء والأرض كافة.
وإنما رجحنا المعنى الذي ذكرناه لجملة من القرائن التي تدل على عدم
إرادة الظاهر البدوي من تلك الروايات..
يضاف إليها أن الالتزام بأن الزيادة في علم حادث لا تكاد تنفك عن
الالتزام بشمول ذلك العلم للحلال والحرام كما في بعض النصوص، وهذا مما
لا يمكن الالتزام به إذا لا يمكن القول بأن علياً عليه السلام كان
جاهلا بشيء من أحكام الدين.. وهو ما سنعرج عليه في جوابنا القادم حول
حديث (علمني رسول الله..)
والحمد لله رب العالمين
السابع عشر من شهر رمضان المبارك 1438 هـ