شعيب العاملي
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
قال تعالى : إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذينَ لا يُؤْمِنُونَ
بِآياتِ اللَّهِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ (النحل 105)
وعن إمامنا أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام: جعلت الخبائث في بيت،
وجعل مفتاحه الكذب (نزهة الناظر ص145)
لقد اعتاد الكثير من الناس الكذب كلما وجدوا فيه ملاذاً مما يخشون أو
طريقاً لما يرغبون.. رغم علمهم بقبحه كما يحكم كل عقل سوي وفطرة
سليمة.. وإدراكهم لسوء عواقبه.. ولم يكن لكثرة الوعيد في الكتاب
والسنة على سلوك هؤلاء من أثر حيث كانوا ممن {يَقُولُونَ
بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ في قُلُوبِهِمْ}.. فصدق عليهم أنهم لا
يؤمنون بآيات الله ..
صدور هذا من الأفراد والأشخاص مما لا يكاد يثير استغراب الباحثين
قديماً وحديثاً .. إذ كان الشذوذ والانحراف سمة رافقت مسيرة الكثير من
أبناء آدم على مر الزمن..
لكن .. أن تمتهن (فرقة وجماعة) الكذب على مر الزمن فتتخذه شعاراً
وترتديه دثاراً.. لأمرٌ تقشعر له الأبدان !!
وأن ينخرط في ذلك العلماء والفقهاء.. والشيوخ والخطباء.. والمؤرخون
والأدباء.. والرواة والمتكلمون.. والكتاب والمفسرون...... والعوام
والمثقفون.. لأمر يثير الدهشة فعلاً !!
ومفردات الكذب والتدليس كثيرة.. أحدها ما ينسبه المخالفون للشيعة من
اعتقادهم بأن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف غاب في
السرداب !! وأنه لا يزال فيه !! وسيخرج منه عندما يأذن الله تعالى له
!!
فكذب علماء المخالفين هذه الكذبة على الشيعة.. وروجوا لها بين العوام
منذ مئات السنين.. لتنفر النفوس من الشيعة بتنفّرها من زعمهم الفاسد
هذا !
وما اكتفوا بذلك.. بل زادوا كذباً فوق كذب.. حيث زعموا أن الشيعة
يجتمعون قرب السرداب كل ليلة ينادون إمامهم وينتظرون خروجه عليهم !
ولما لا يجدون جواباً يقفلون عائدين حتى تأتي الليلة القادمة !
وزعموا أنهم يحضرون الخيل معهم ليركبها الإمام عند خروجه !! والسيوف
ليتقلدوها معه !!
(والسرداب هو بناء تحت الأرض يلجأ إليه من شدة الحر في الصيف، وقد
يعبر عنه في يومنا بالطابق السفلي أو ما تحت الأرض، وتنتشر السراديب
في بعض البلاد الحارة كالعراق وإيران حتى يومنا هذا)
وكان من آثار انتشار مثل هذه الأكاذيب بين جهلة الناس وعوامهم من
أتباع تلك المذاهب أن انتشرت كلمات القذح لحجة الله على أرضه على
ألسنة عامة الناس.. وعمدوا إلى إغاظة الشيعة بالاستهزاء به عليه
السلام وبالسرداب حتى أطلقوا على بعض نشرياتهم وشبكاتهم هذا الاسم
ظناً منهم أنهم سيؤذون الشيعة في إمامهم كما آذوهم في غيره.
لكن الحق أحق أن يتبع.. وإن كانت دولة الباطل معهم فإن دولة الحق
عليهم.. فما تواطؤهم على ذلك وترويجهم له إلا إدراكاً منهم بصحة
الاعتقاد به عليه السلام حيث بشّر به رسول الله صلى الله عليه وآله
مجاهراً بأنه من نسل فاطمة البتول عليها السلام.. وحيث كان نشر العدل
والحق على يديه.. ولما كانت النفوس تنجذب إلى أمثالها.. لم يكن لهؤلاء
من سبيل إلى الانجذاب للنور لخبث طينتهم كما خبثت طينة الأوائل بظلمهم
لآبائه وأجداده.. ولم يكن لهم سبيل لحبه واتباعه إذ كان ناشر لواء
العدل والآخذ بالثار ومبيّن الحق ومحققه.
على أن أحداً من الشيعة لم يقل بأن الإمام موجود في السرداب وأنه
سيخرج منه !! ولم يُقرأ هذا الكلام في كتاب واحد من علمائهم، ولم يسمع
على لسان أحد من عامتهم.. لكن الكاذب وقح حيث يتعمد ذلك ليخدع الجهلة
والعوام.. وهو في الوقت عينه مفضوح.. ومن ذلك أنهم جعلوا السرداب تارة
في سامراء وأخرى في بغداد وثالثة في الحلة (وهي التي بنيت بعد غيبته
عليه السلام بأكثر من قرنين!!) وغير ذلك.. فبان كذبهم وافتراؤهم ..
ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله..
وها هم الشيعة على مرّ الأزمنة يعيشون بين ظهراني المخالفين على كوكب
الأرض هذا.. وهذه كتبهم منتشرة وأمرهم ظاهر بيّن.. ولو فتّشتهم واحداً
واحداً ودقّقت وحقّقت طيلة عمرك ما وجدت منهم من يعتقد بمثل هذا القول
أو يدين الله به !!
كيف وهم يعتقدون بأن إمامهم هو صاحب العصر والزمان.. وهو الذي يرعاهم
في غيبته كما يرعاهم في حضوره.. وأن الله سبحانه وتعالى قد ادّخره
ليوم يخرج فيه ليملأها قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً..
ويؤمنون بأنه يحضر الحجيج كل عام ويرى الناس ولا يرونه .. وأنه إنما
يخرج من مكة كما خرج جده (ص) فيحيي دينه ..
ولعمري إن كان من أحد يلوك لسانه بهذا الكلام فهم بعض السنة من أهل
سامراء الذين كانوا يتولون المقام قهراً ويحاولون الترويج له بين
الشيعة دون نتيجة !!
وقد نقل البخاري في صحيحه: إن لم تستح فافعل ما شئت .. وهذا ما
التزموا به !!
وقد تعرّض لرد هذه الفرية عدد من علمائنا (سنتعرض لكلماتهم لاحقاً)
بعد أن نقلوا بعض مفتريات المخالفين، وأحببنا أن نضيف لبنة إلى بنائهم
ونعرض لأقوال العشرات من علماء المخالفين منذ مئات السنين ممن كذب على
الشيعة ليتضح مقدار البلاء الذي وقع على أمة ما عرفت من الإسلام أكثر
من اسمه !! فما كفاها الكذب على نبيها وآله في حياتهم حتى أتبعته
بالافتراء على شيعتهم ومحبيهم من بعدهم..
وفرق بين أن يكذب أحدهم كذبة وبين أن يكون الكذب منهجاً يستعمله
المخالفون بحق الشيعة، ولا شك أن القارئ سيصاب بالذهول عندما يقرأ
أسماءً يعتبرها المخالفون لامعة في سمائهم المظلمة ..
وتكون بهذا وغيره تراث هائل من الكذب يمتد لقرون طويلة !! ويكشف عن
عظم المؤامرة وخطرها وعن شدة الظلم وحدته !! حتى لم يعد الشيعي
يُصَدَّق في نفي كذبة ليس لها أثر ولا عين !!
ولا نزال _تبعاً لعلمائنا_ نحاجّ الخصم بالدليل والبرهان، لكن
أباطيلهم لا برهان عليها بل البرهان على خلافها .. ومن زعم غير ذلك
فهذا الميدان ..
نعم قد كان السرداب جزءً من دارٍ يسكنها الأئمة عليهم السلام.. فتشرّف
بثلاثة منهم وهمالإمام الهادي والإمام العسكري والإمام الحجة قبل
غيبته.. عليهم جميعاً سلام الله..
وقد وردت بعض المستحبات التي تؤتى في السرداب كصلاة ركعتين وبعض
الأدعية كما في المزار للمشهدي ص586 وص657 والمزار للشهيد الأول ص203
وغيرها من كتب الزيارات.. تبركاً بأماكن عبادة المعصومين وآثار
الصالحين..
وقد ذكر علماء الشيعة أن استحباب الزيارة ليس خاصاً بالسرداب.. ومن
ذلك ما ذكره المجلسي فقال: ثم اعلم أنه يستحب زيارته صلوات الله عليه
في كل مكان وزمان ، وفي السرداب المقدس وعند قبور أجداده الطاهرين
صلوات الله عليهم أجمعين أفضل ، وفي الأزمنة الشريفة .. (بحار الأنوار
ج99 ص119)
وقد ظفرنا برواية واحدة ينقلها الراوندي (المتوفى سنة 573 هـ) يذكر
فيها أن الإمام خرج من السرداب عندما أراد العسكر اعتقاله ولم يمسكوا
به حتى ذهب فرجعوا خائبين (الخرائج والجرائح - ج2 ص942) .. وهذه لا
تفيد أهل الكذب في شيء.
وبهذا وما سيأتي يتّضح جلياً مقدار ما تعرّض له الشيعة من افتراءات في
مسألة واحدة كهذه.. فما بالك بما هو أعظم !!
سنعرض هنا لائحة سوداء بأسماء عشرات من المشتركين في جريمة الكذب ممن
سيأتيك نص كلامهم .. من علماء العامة ومؤرخيهم ومفسريهم وأدبائهم
وكتابهم.. وهذا مقدار ما ظفرنا به في فترة يسيرة.. ولا ندّعي الحصر
فإنا نظن أن ما غاب عنا أكثر ممن أحصينا ..
على أنّا نحتمل أن عدداً قليلاً من هؤلاء قد انطلت عليه أكاذيب من
سبقه إذ كان منصفاً في بعض الجهات وإن شارك في الترويج لهذه الفرية
على الشيعة من حيث يدري أو لا يدري..
وقد اقتصرنا على من أمكننا مراجعة كتبهم.. وأما من نُقل عنهم هذا
القول ولم تتوفر كتبهم بين أيدينا فقد أعرضنا عن ذكرهم.. وكذا من تظهر
الفرية بين كلماته غير صريحة فإنا تركناه وإن كان في كلامه ما فيه ..
ومنهم من يتقدم زمناً على أول من ذكرنا..
وهذه القائمة بحسب تاريخ الوفاة..
1. الحافظ أبي بكر السمعاني الشافعي - الوفاة 562 هـ
2. شهاب الدين ياقوت الحموي البغدادي - الوفاة 626 هـ
3. المحدث ابن الأثير - الوفاة 630 هـ
4. الحافظ الكنجي الشافعي - الوفاة 658 هـ
5. قاضي القضاة ابن خلكان الشافعي - الوفاة 681 هـ
6. أبو عبد الله بن زكريا القزويني - الوفاة 682 هـ
7. شيخ الاسلام ابن تيمية – الوفاة 728 هـ
8. الحافظ الذهبي - الوفاة 748 هـ
9. المؤرخ شهاب الدين القرشي العدوي العمري - الوفاة 749 هـ
10. ابن قيم الجوزية الدمشقي – الوفاة 751 هـ
11. صلاح الدين الصفدي الدمشقي الشافعي - الوفاة 764 هـ
12. عفيف الدين اليافعي اليمني الشافعي - الوفاة 768 هـ
13. عماد الدين ابن كثير - الوفاة 774 هـ
14. محمد الطنجي ابن بطوطة - الوفاة 779 هـ
15. عبد الرحمن ابن خلدون الحضرمي - الوفاة 808 هـ
16. أحمد بن علي القلقشندي الشافعي - الوفاة 821 هـ
17. نور الدين ابن عراق الكناني - الوفاة 963 هـ
18. شهاب الدين ابن حجر الهيثمي – الوفاة 974 هـ
19. أبو العباس الدمشقي القرماني - الوفاة 1019 هـ
20. عبد الملك العصامي (العاصمي) المكي - الوفاة 1111 هـ
21. الشيخ عبد الله الشبراوي الشافعي - الوفاة 1171 هـ
22. شمس الدين السفاريني الحنبلي - الوفاة 1188 هـ
23. محمد مرتضى الزبيدي - الوفاة 1205 ه
24. الشيخ محمد بن عبد الوهاب - الوفاة 1206 هـ
25. الامام الشوكاني اليمني - الوفاة 1250 هـ
26. الشيخ محمد رشيد القلموني الحسيني - الوفاة 1354 هـ
27. الشيخ أحمد المراغي - الوفاة 1371 هـ
28. شمس الأئمة الشيخ أحمد محمد شاكر - 1377 هـ
29. الشيخ عبد الله القصيمي - الوفاة 1416 هـ
30. محمد بن صالح بن محمد العثيمين - الوفاة1421 هـ
31. الشيخ عبد الله بن جبرين - الوفاة 1430 هـ
32. الشيخ عبد الرحيم العلياني السلمي - معاصر
33. أبو الأشبال المنصوري المصري – معاصر
34. الشيخ محمد إسماعيل المقدم - معاصر