لماذا لا يكف الشيعة عن العداوة في شهر رمضان ؟

2021/02/05



شعيب العاملي

سؤال رقم4: لماذا لا نستغل كمسلمين شهر رمضان المبارك في إزالة الحواجز بيننا ورفع غائلة الاختلاف بين أبناء المذاهب ونجعله شهر وحدة وألفة ومحبة وتسامح ؟
ولماذا لا يكفّ الشيعة عن معاداة بعض المسلمين ونحن في شهر المغفرة؟

الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
يكاد القارئ للسؤال يتوهم أن الشيعة هم أهل العداوة والإجرام وقطع الرؤوس والتفجير والظلم على مر التاريخ ! والحال أنهم الضحية التي تقع عليها ظلامات الجلاد ! وأنهم من يتحمل كل ذلك بصبرٍ وثبات وعزّة وإباء، ولطالما كانوا السباقين إلى العفو عند المقدرة، بينما كان بعض هذه الأمة سبّاقاً للغدر والخيانة متلهفاً لسفك الدماء الطاهرة البريئة !

وهذه كلمات أئمة الشيعة المعصومين عليهم السلام تطفح في تعليم الشيعة خير المفاهيم، ومنها أدعية شهر رمضان المبارك المأثورة عنهم بطلب التوفيق من الله تعالى لكل فضيلة وكمال، وتتضمن دروساً في العفو والتسامح كانوا (ع) قدوة فيها لا يسبقهم سابق ولا يلحقهم لاحق.

ومن ذلك ما ورد في دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام (من الصحيفة السجادية) اذا دخل شهر رمضان، فيه طلب التوفيق من الله تعالى في أمورٍ منها:

أَنْ نُرَاجِعَ مَنْ هَاجَرَنَا، وَ أَنْ نُنْصِفَ مَنْ ظَلَمَنَا، وَ أَنْ نُسَالِمَ مَنْ عَادَانَا: فيبدأ بالمبادرة إلى إنهاء حالة الهجران والقطيعة مع الناس وإن كانوا سبباً فيها.. ثم الالتزام بالإنصاف مع من ظلمنا، أياً يكن نوع الظلم الذي وقع على المؤمن فإيمانه ودينه يلزمه بذلك حتى مع الظالمين رغم صعوبة ذلك وشدّته..
وبعد ذلك يترقى الدعاء بطلب: أن نسالم من عادانا: في بداية هذا الشهر المبارك.. وهو المؤمل من المؤمنين بل من المسلمين..

لكن هذا الأمر لا يستقيم على إطلاقه.. إذ يستثني الإمام بعد ذلك حالة من حالات العداوة فيقول:

حَاشَا مَنْ عُودِيَ فِيكَ وَلَكَ، فَإِنَّهُ الْعَدُوُّ الَّذِي لَا نُوَالِيهِ، وَالْحِزْبُ الَّذِي لَا نُصَافِيه‏..
فإن العداوة إن كانت لله تعالى كانت أمراً سائغاً بل لازماً، بداهة كون العداوة التي تستند إلى الاختلاف في (المبادئ والعقيدة الحقة) هي الجناح الآخر للولاية وأنهما يرجعان إلى جذور واحدة..
لكن عداوة الشيعة ليست كعداوة غيرهم، فإنهم إن عادوا أحداً ما انتهكوا حرمته ولا أسقطوا حدود الله تعالى فيه كما قد يفعل غيرهم، ولا سلوا سيوف البغي على أعدائهم بل كانت السيوف مسلولة عليهم وما امتشقوها إلا دفاعاً عن نفسٍ أو عرضٍ أو مال.

كيف وهم شيعة رمز الإنسانية النيّر في ظلام التاريخ الدامس، وهو القائل: يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُلْفِيَنَّكُمْ تَخُوضُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ خَوْضاً، تَقُولُونَ قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَا لَا تَقْتُلُنَّ بِي إِلَّا قَاتِلِي، انْظُرُوا إِذَا أَنَا مِتُّ مِنْ ضَرْبَتِهِ هَذِهِ فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَةً بِضَرْبَةٍ، وَ لَا تُمَثِّلُوا بِالرَّجُلِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص، يَقُولُ إِيَّاكُمْ وَ الْمُثْلَةَ وَ لَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُور (نهج البلاغة ص422)

وبهذا يظهر أن موقف الشيعة أعزهم الله يستند إلى أدق الموازين الإلهية في الولاية والبراءة، حيث يتولون الله وأولياءه، ويتبرؤون من أعدائه تعالى.. فقد يسالمون من عاداهم ما لم تكن تلك العداوة لله تعالى وفيه..

وقد تواترت أوامر الله تعالى بلزوم معاداة أعدائه وأعداء الدين والإنسانية، فقد قال تعالى في مقام الحث على الحذر منهم: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر : 6]
وقال تعالى: مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ [البقرة : 98]
وقال تعالى: إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً [النساء : 101]

فثبت بنص الكتاب الكريم، وبحكم العقل السليم، لزوم معاداة الشيطان وأوليائه من الكافرين الذين اتخذوا المؤمنين أعداءً، وتربصوا بهم الدوائر في كل حين.

ثم انضم الى هذه القائمة (شياطين الإنس) كما في قوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ  [الأنعام : 112]
وشياطين الإنس هؤلاء تارة يُظهِرون ما عندهم وهم الكافرون، وتارة يُبطِنونه فهم المنافقون.
فتجدهم يوماً ممن يتلبس بلبوس الكفر، ويوماً آخر ممن أسلم خوفاً أو طمعاً!

وقد التزم الشيعة أعزهم الله بوصية إمامهم الصادق عليه السلام حينما حذّرهم من شياطين الإنس هؤلاء ومن مكرهم، فقال عليه السلام (الكافي ج8 ص12): ثُمَّ نَهَى اللَّهُ أَهْلَ النَّصْرِ بِالْحَقِّ أَنْ يَتَّخِذُوا مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً فَلَا يُهَوِّلَنَّكُمْ وَلَا يَرُدَّنَّكُمْ عَنِ النَّصْرِ بِالْحَقِّ الَّذِي خَصَّكُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ حِيلَةِ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَ مَكْرِهِمْ..
وحاذروا مَن يحاول أن يجنّبَهم الحق ليتبعوا ملّته ملة الباطل.

ثم نبّههم إمامهم من ترك أمر الله تعالى بقوله:
َمَهْلًا مَهْلًا يَا أَهْلَ الصَّلَاحِ لَا تَتْرُكُوا أَمْرَ اللَّهِ وَ أَمْرَ مَنْ أَمَرَكُمْ بِطَاعَتِهِ فَيُغَيِّرَ اللَّهُ ما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ: فإن الله تعالى إنما أحب الشيعة وأنعم عليهم لأنهم أطاعوه، ولا سبيل للحفاظ على هذه النعم إلا بالتمسك بالطاعة والحذر من هؤلاء.

ومما لزمت رعايته أن يكون الحب والبغض كلاهما في الله تعالى عند أهل الحق: أَحِبُّوا فِي اللَّهِ مَنْ وَصَفَ صِفَتَكُمْ وَأَبْغِضُوا فِي اللَّهِ مَنْ خَالَفَكُمْ.

وههنا جوهرة من المعارف الربانية التي لا ينبغي أن يغفل عنها الشيعة يوماً:
وَابْذُلُوا مَوَدَّتَكُمْ وَ نَصِيحَتَكُمْ [لِمَنْ وَصَفَ صِفَتَكُمْ‏]
وَلَا تَبْتَذِلُوهَا لِمَنْ رَغِبَ عَنْ صِفَتِكُمْ وَعَادَاكُمْ عَلَيْهَا وَبَغَى لَكُمُ الْغَوَائِلَ: فههنا نهي أكيد أن لا (يبتذل) المؤمن مودته لمن علم الحق وأعرض عنه، بل جعل اتباع المؤمنين للحق سبباً في معاداتهم! وسعى للإيقاع بهم من حيث لا يحتسبون! فمن الناس من لا يبغض أهل الحق إلا لاتباعهم للحق.. وهؤلاء بالخصوص لا ينبغي أن (تُبتَذل) المودة لهم، فانها تذهب ضياعاً إذ أنها صنيعة عند غير أهلها..

وقد سار الشيعة في هذا الخط عموماً مسار إبراهيم الخليل عليه السلام الذي جعل عداوة الله تعالى ميزاناً لنفسه: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ [التوبة : 114]

ثم ههنا عبارة عجيبة من صادق آل محمد يقول فيها:
هَذَا أَدَبُنَا أَدَبُ اللَّهِ فَخُذُوا بِهِ وَتَفَهَّمُوهُ وَاعْقِلُوهُ وَلَا تَنْبِذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ: يبيّن فيها لزوم التدبّر والتعقّل والتفهّم لهذا المنهج الإلهي لأنه أدب آل محمد، بل أدب الله تعالى، وما أحسنه وأعظمه من أدب.

فليس لقائل أن يقول أسأتم الأدب حينما تبرأتم من أعداء الله تعالى، ولا حينما عاديتموهم في الله، فإنا ملتزمون بأدب الله تعالى، ولا يُظلم أحد عند رسول الإنسانية محمد ص، ولا عند آله الأطهار عليهم السلام، ولا عند شيعتهم الميامين.. حتى إن كان عدواً لهم..
أخترنا لك
الجهل بحقيقة التطهير وسلب خلافة الخاتم.. الوحيد الخراساني

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف