في محراب الكلمة.. للنجاح مُعلّم رديء

2022/11/09

بقلم/مليحة عبدالكريم الشافعي

لم يكن وصول الرئيس الأمريكي إبراهام لينكون إلى سدّة الحكم في الولايات المُتحدة الأمريكية عام 1861م مجرد صدفة ونجاح عابر، بل كان ذلك تتويجًا لأكثر من 45 عامًا من الفشل وسلسلة من الإحباطات التي لم تتوقف حتى أصبحت قصّته تُدرّس في علم التنمية البشرية الحديث باعتبارها نموذجًا لعبقرية النجاح بعد الفشل.

من أسرة فقيرة نشأ، عمل نادلًا في طفولته، ولم يدخل مدرسة نظامية، ماتت والدته، وفشل في عمله أكثر من مرّة، اقترض مالًا لبدء عمل خاص وفشل واستمر في سداده 17 عامًا، خطب فتاة لكنّها ماتت، تقدم لعضويّة المجلس التشريعي وخسر مرتين، ثم ترشّح للكونجرس وخسر أربع مرات، وترشّح في مجلس الشيوخ مرتين وخسر، وترشح لمنصب نائب رئيس المؤتمر الوطني وفشل، ثم جاء النجاح الأخير بانتخابه رئيسًا للولايات المُتحدة الأمريكية.

بعد رحيله بسنوات لا تزال عبارته الشهيرة «إنك لن تفشل إلا إذا انسحبت» من أكثر عبارات الإلهام والتحفيز على النجاح التي يتداولها الناشطون والمُدربون ورواد الأعمال.

الفشل هو الخُطوة الأولى نحو النجاح، الفشل نقطة بداية مسار الطريق، ومن الفشل نتعلّم كيف نُصحّح الأخطاء، وهو المُعلّم الأكبر للإنسان، وكلما عظم هدفك كانت محاولاتك أكبر ونقاط فشلك أكثر، وفي نفس الوقت تتعلّم أكثر.

إذا كان الفشل مُعلمًا جيّدًا، فإن للنجاح مُعلمًا فاشلًا، ذلك أن النجاح الجاهز والسريع لا يلبث أن يتحوّلَ إلى خسارة وسقوط سريع، فالصعود إلى القمّة يتطلب جسارةً كبيرةً، فأمامك الكثير من العقبات عليك أن تتجاوزها، وكل خطأ ترتكبه يُنمّي خبرتك ويزيد من شغفك لمواصلة المحاولة.

هناك فرقٌ هائلٌ بين شخص ورث عن والده تجارةً جاهزةً دون أن يبذلَ من أجلها أي جهد، وبين شخص آخر قاوم وفشل ثم واصل القتال على هدفه حتى وصل إلى خط النهاية مُخلفًا وراءه عشرات المُحاولات الفاشلة والتجارب اليانعة المُفيدة في قادم أيامه.

النجاح كلمة مشوّقة تسحر الأعين وتطرب لها الأسماع، لكن الفشل شعور مؤرق وكلمة ثقيلة على الأسماع وكأنها لا تنبت غير الخيبة والمرارة، لكن الحقيقة الساطعة أن النجاح ليس سوى تتويج رحلة طويلة من محطات الفشل.

نحن نخشى من الفشل لأننا لا نتعامل معه باعتباره محطّةً من محطات النجاح، نخشى من الفشل لأننا نستعجل النتائج ونريد جني الحصاد قبل أوانه، نخشى من الفشل لأننا نفقد قدرتنا على حماس المواصلة.

وصف ونستون تشرشل النجاح والفشل فقال: «النجاح هو القدرة على الانتقال من فشل إلى فشل دون أن تفقدَ حماستك».

قد تنبهر لقصة نجاح استثنائية طارت على بساط أحمر، ولكن إياك أن تنخدعَ بها، فالأمور ليست كما يرام ولن تكون مُحصّنًا من النكبات، ربما يُحالفك الحظ في مرحلة من المراحل ولكن عليك أن تعترفَ بالجانب الآخر من الحظ، وهو المُخاطرة، والمُخاطرة غالبًا تولّد الفشل، والفشل إذا رافقه الإصرار يولّد النجاح.

علينا ألا نسيء فهم الفشل، وألا نخافَ منه، بل يجب أن نجعله صديقنا المُقرّب وأن نتدرّبَ عليه لأنه سيُعلمنا باستمرار أن نقومَ بالأمور كما يجب.

استشاري تدريب وتنمية بشرية وتطوير مؤسسي

أخترنا لك
عجائب موزارت التي تفوق الاستيعاب

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة