بقلم: نجوى معروف/ الراية
رغمَ متعةِ السفر إلا أنَّ صديقي الجوَّال لم يُقصِّر معي بالتنغيص والمُشاكسة.
غلطتي أم غلطته، لا داعي للتأنيب، ولا أذكر كيف كُنَّا نبتعد دون تواصلٍ عبر الرسائل والصور الفوريَّة، بلْ ونكتفي بنشرة الأخبار اليومية التي حَلَّ مكانَها جهازٌ ثرثارٌ، لا يُفرِّقُ بين أهل الخيرِ والشرِّ.
أخبار هذا الصيف كانت صادمة، جرائم القتل بين من كانوا أحبَّة تصدَّرت الجلسات، كيف لِلمُحِبين أن يتحولوا أعداءً حَدَّ القتل بلا رحمة؟ أين ذهبت القلوب والأحرف المحفورة على جذوع الأشجار؟
كيف تتحوَّل عواطف العشق ورسائل الشوق إلى إراقة دماءٍ بالسكاكينِ أمام الملأ، وإلى قضايا ذُعرٍ تشغل الرأي العام، حتى العلاقات الزوجيَّة التي تمَّت بعد حُبٍّ وهيامٍ، لمْ يَسْلَم بعضها من الانتقام!
هل ما زلنا نعيشُ في ذات الكوكب ومع نفس السلالات بكامل جيناتهم الوراثيَّة والمكتسبة من العادات والتقاليد، أيّ بيئةٍ جرفتهم إلى مهاوي الأذى، وأي لَوثة أصابتهم؟
تستمع للقتلة أثناء التحقيقات فتجدهُم بكاملِ وعيِهم، لا هُم سفهاء ولا من ذوي السوابق.
نحن لسنا آملين بمن يندبون حظَّهم بقصائد الحب الفاشلة، كامرئ القيس، بل من يُتقن الحياة بسلامٍ إنْ لم يرَها مُفصَّلة على قياسه الشخصي، كان عنترة بن شدَّاد عبدًا عند أبيه وقبيلته، ولم يمنحه اسمه، ورفض عمّه تزويجَه عبلة، لكنَّه أكمل حياته رجلًا وبطلًا، ودافع عن قبيلتِه وتزوج غير عبلة، وعاش كافيًا شرَّه مانِحًا خيره لمن ظلموه.
أما جرائم القتل الحالية، يربطها الشعور بالاستحقاق والتملُّك، ما أدَّى إلى نفاد الصبر ونفاذ الشرِّ، لم يعد الاحتساب عند الإحساس بالظلم موجودًا، «هذا إن كانَ ظُلْمًا»، فرفضُ المُحِبِّ حقٌّ، وليس جريمة يُحاسَب عليها بإزهاق روحه، فإذا كان الطلاق حلالًا، فكيف بفضِّ العلاقات؟
في الماضي لم تجرؤ الأمهات على التفوُّه بخصوصيات بناتهن، أمَّا اليوم، وبعد اندثارِ «فضيلة الستر» في مدافن الحضارة والتكنولوجيا، وعدم التفريق بين ما يُغضب الله وما يُرضيه، صِرنا نسمع مصائبَ تخدش الحياء وتوخز الضمير.
كما شَوّهَ العُنفُ الأُسَريُّ مفهومَ المودة والرحمة التي خلقها الله بين الأزواج والأبناء، وفي الوقت نفسه سادَ الدلال وعَمَّ التجاوز عن الأخطاء والكبائر، حالةٌ من التطرُّف بين التساهل والتشدد، وبين تعظيم العقاب على أتفه الأمور، والتغاضي عن أشدِّها خطرًا، وعاد زمن الوأدِ بأبشعِ صوره، لا خشية الإملاق فحسب، بل للتخلِّي عن المسؤولية.
ففي الوقتِ الذي تُحَرِّم به منظماتُ حقوقِ الإنسانِ وحمايةِ الأسرَة عملَ الأطفال، وجدَ الطامعون من الآباءِ طُرقًا ملتويةً للتكسُّب من أطفالهم بنشر تفاصيل حياتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
أغلبُ جرائم القتل التي حدثت مؤخرًّا، لا علاقة لها بالفقر المالي ولا بالأمراض النفسية، إنَّما هو الافتقار لأخلاق الرضا والصبر و «الاحتساب» بتفويض الأمر لله.
هو الطمعُ، والأنا المُبجَلة حليفة الشيطان وعدوّة المجتمع، تبًّا لحضارةٍ تخلو من المسؤوليات التربوية بِغرْسِ تقوى الله واستشعار وقفةِ الحساب.