بقلم :نجوى معروف
كنت قد هُجِّرت من تويتر بعد أن قال أحدهم: «فلسطين ليست قضيّتي»، فرددت عليه: «وهل طُلِب منك الترافع عن القضيّة، لتعلن رفضك؟» فأوقِفَ حسابي! ولم يواسني سوى حجب حساب الرئيس السابق ترامب لاحقًا. لديّ اعتراض على الحروب، وما تحملُ من أذى وقتلٍ وتشريد للبشر، وإفسادٍ للزرع والضرع، ولا أجدُ مُبَرِّرًا للحرب سوى الدفاع عن النفس والعرض والأرض، وفي نفس الوقت لا أسمح لنفسي بتسخيف قضايا الآخرين، والاستهتار بانتصاراتهم أو الشماتة بهزائمهم.
أحترم حُريّة الرأي، ولدي مُتّسع إنسانيّ لتفهّم القضايا والآراء بكلِّ موضوعيّة، دون تقييم وأحكام شخصيّة، فلكلٍّ منا همومه ومعاناته، حتى إنْ لم نَعِها.
قد يكون الهَمّ مُجرّد طُموح صعب المنال، وقد يكون مَرَضًا، أو أزمة طارئة، أو خسارة، وتقييمُ الخسائر نسبيّ، فهي منطقيًّا موّزعة بين المال والأنفس، لكنك تجد من يبكي وطنًا، وآخر يبكي ولده، أو والديه، أو وظيفة، أو حتى هجر المحبوبة، والبعض يبكي توبةً واستغفارًا عن المعاصي، ولا يمكننا الاستهانة بأيٍ من أوجاعهم.
حين كانت المرأة السعودية تعاني من عدم منحها الحق بقيادة السيارة، ومن تحديد صلاحيتها في بعض الأمور، كان الأمر يشغل حيّزًا من تفكيري كأُمٍ تقضي في السيارة ثلاث ساعات على الأقل من يومها، بين المدارس والنشاطات التي يمارسها الأطفال، لكنني لم أعطِ نفسي الحق بالانتقاد، فلكل بلدٍ ظروفه وخصوصية مجتمعه.
منذ فازت دولة قطر باستضافة كأس العالم 2022، والانتقادات السالبة تنهال علينا من كل حدب وصوب، ولست معنيّة بمصادر الانتقاد، لكن أغلب الآراء ركزّت على اختلاف عاداتنا وتقاليدنا عن القادمين، وكأننا لم نسافر ولم نختلط قط بكافة الجنسيات حول العالم، وها نحن على أصولنا وعاداتنا إلا من بعض التغيير، الذي يعتبر تطوّرًا إيجابيًّا، يجعلنا نواكب النقلة النوعية ببعض مناحيها، دون المساس بالمفاهيم والثوابت.
الخطّاؤون ومرتكبو المعاصي متواجدون في عالمنا الصغير والكبير، لسنا راضين ولا مُتقبلّين لأخطائهم، ولكن من أين لنا أن نعلم بهم، طالما لا نراهم يجهرون بالمعصية، إلا إن ترصّدنا لهم، بينما قال الله تعالى: «بل الإنسان على نفسه بصيرة» صدق الله العظيم.
كما أوصانا رسولنا الكريم: «إياكم والظنَّ فإنَّ الظن أكذَبُ الحديثِ ولا تَحَسَّسُوا ولا تَجَسَّسُوا ولا تَنَاجَشُوا ولا تَحَاسَدُوا ولا تبَاغَضُوا ولا تَدابَرُوا وكونوا عبادَ اللهِ إخوانًا».
لا أظن أنّ المنتقدين مانعوا إرسال أبنائهم وهم في الثامنة عشرة من العمر للدراسة وحدهم في الخارج، ولمدة تتجاوز الأربع سنوات، ولا شك أنّهم قدّموا لهم النُصح والوصايا الرادعة والمحاذير المعروفة، فالكل يعلم بإباحة الخمور والأسلحة في الخارج، كما يعلمون بتقبل غالبية المجتمعات الغربيّة للعلاقات المُحرّمة «غير الشرعية» بين الإناث والذكور، كل ذلك لم يمنعهم من تغريب أبنائهم، وعاد أغلبهم بخير، إلا بعض الحالات النادرة والخارجة عن طواعية الله ورسوله، قبل الوالدين والمجتمع. لقد ضرب الله لنا الأمثال في قصص الرُسل، وذكر أشدّ أنواع العذاب للأقوام التي لم تؤمن بوحدانية الله، ولغيرهم من الذين تمسكوا بفعل المعاصي، فكان عذابهم في الدنيا قبل الآخرة شديدًا حدّ الإبادة. وأعودُ للنقد القائم على الفوقيّة والحسد وزرع الفِتَن، إذ ليس هناك إنسان أو بلد أو دستور كامل متكامل سوى شرع الله، ولو كان النقد بهدف الإصلاح فليبدأ المرء بنفسه وأهل بيته.