تجربة حياة.. ليس كل كلام القلب يُحكى وليس كل ما يُحكى مكانه القلب

2022/05/27

رنا فضل السباعي

كثيرة هي الكلمات التي ينطق بها اللسان ليترجم ما يجول بخاطرنا من أفكار وآراء، وكم تتنوع مفرداتنا وعباراتنا تعبيرًا عن مكنونات أنفسنا وما يخالجها من مشاعر وأحاسيس. هذه الكلمات والعبارات وإن كانت في الجزء الأغلب منها هي مشتركة ومتعارف عليها وعلى معانيها بين الناس، إلا أنها ليست على قدر مشترك في مدى صلتها بالقلب وبكم هي مفعمة بالمشاعر -سلبية كانت أو إيجابية- أو نابضة بأحاسيس من الحب والبغض حتى لا نقول الكرْه.

هذا الاختلاف بين ما قد تحمله كلمتِي من روحية مشاعر، نابعة بكل صدق من القلب وبين ما تخلو منه كلمة الآخر هو ما يجعل منها أكثر تأثيرًا وأشد وقعًا في النفوس، هذه النفوس التي هي بطبيعتها لا تركن في وجدانها وفي أحوالها إلى العقل بقدر ما تستميلها عاطفة الكلمات، وطريقة التعبير من خلال تقاسيم الوجه ولغة الجسد. وكم من مرة لمس الآخرون وجداننا ليس بسبب معرفتنا الشخصية بهم على الإطلاق وإنما بسبب حضورهم الجميل الذي يزيده تحببًا أنهم ينطقون من قلوبهم بكل صدق، يحسنون اختيارهم لكلمات مليئة بالحب والود بكل مهارة، ولديهم ملكة تقدير المواقف فيقطفون فيها عبارات لا تتناسب مع الموقف أو المحادثة فحسب وإنما تجعل من لحظات معرفتنا بهم ذكرى لا تُنسى ومحادثاتنا معهم حاضرة في عقولنا بإطار من الإعجاب والتقدير. السرّ كله في كلمات تحكى من القلب لا أكثر..

بالمقابل، فإننا في مواقف كثيرة، نجد أنفسنا أمام أوضاع لا تستحق منا أكثر من كلمات ليس لها من القلب ممر ولا مقر، مجرد تعابير تطلّبَها الموقفُ وقيمتها وأثرها ينحصران بالموقف الذي استدعى صدورها دون أية أبعاد في الشعور والوجدان، كلمات تحكى دون أن يكون مكانها القلب إلى حد كبير.

وعلى قدر الجمال الذي تتحلى به الكلمات عندما تُحكى من القلب، فإن في القلب أحاديث أخرى هي من الجمال ما لا يمكن لأي كلمات أن تحتويها أو لأي وصف أن يلامس بعض ما فيها من شعور وإحساس، هي حالات وأوضاع تنشأ من الداخل دون أية مقدمات ولا تعبر عن نفسها إلا للداخل فتبقى كما هي نقية من أية شوائب لوم أو عَتَب، رحلة ذاتية خاصة تحملنا معها إلى عالم من التصورات التي تحاكينا سعادة وفرحًا وأحيانًا يفيض أثرها فينا ابتسامة على المُحَيّا…..

مهما اختلف الكلام فيما بيننا، فإن أثره سوف يعتمد بشكل كبير على مدى صدقه وصدق الكلام هو ما نطق به العقل، واختلج به القلب قبولًا وتوافقًا.. إنه القلب ما يضخ في كلماتنا روحًا في التأثير وحياةً في الأذهان، لتبقى الكلمات النابعة من القلب هي أجمل ما يُحكى.

 

 

أخترنا لك
بسبب الحرائق.. حالة استنفار قصوى في لندن

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة