ذكرى شهادة وليد الكعبة في الكوفة

2022/04/21

بقلم |مجاهد منعثر منشد

قال تعالى: ـ (والذي جاء بالصدق وصدّق به أولئك هم المتقون).

              صدق الله العلي العظيم

قال الشاعر: ـ

ناشد الإسلام عن مصابـــــــه…….. .أصيـب بالنبي أم كتابــــــه

بلى قضى نفـس النبي المصطفى… ..وأدرج الليلة في أثوابـــــه

فاصفر وجــــه الدين لاصفـراره… ..وخضــب الإيمان لختضابـه

قتلتم الصلاة في محرابهــــــــــا…. .يا قاتليه وهو في محرابـــه

ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

إنّ الله جلّ جلاله جعل لأخي عليّ بن أبي طالب فضائل لا تحصى كثرة، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقّراً بها غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، ومن كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم، ومن أصغى إلى فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالإستماع، ومن نظر إلى كتاب في فضائل عليّ غفر الله له الذنوب التي إكتسبها بالنظر.

ثم قال: النظر إلى عليّ بن أبي طالب عبادة، وذكره عبادة، ولا يقبل الله إيمان عبد من عباده كلّهم إلاّ بولايته والبراءة من أعدائه.

وعن بريدة الاسلمي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر أصحابه أن يسلموا على علي (عليه الصلاة والسلام) بإمرة المؤمنين، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله أمن الله أم من رسول الله ؟

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم ): بل من الله ومن رسوله.

يقول [ أبو ] المؤيد الخوارزمي في كتابه المناقب يرفعه بسنده إلى أبي الأسود الدؤلي أنه عاد علياً في شكوى اشتكاها. قال: فقلت له:

قد تخوفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذه،

فقال: لكني والله ما تخوفت على نفسي لأني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:

 

إنك ستضرب ضربة هاهنا – وأشار إلى رأسه – فيسيل دمها حتى تخضب لحيتك، يكون صاحبها أشقاها كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود.

وقال الإمام علي بن أبي طالب (عليهما السلام):

لقد خبرني حبيب الله وخيرته من خلقه، وهو الصادق المصدوق عن يومي هذا، وعهد إلي فيه فقال:

(يا علي كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس تدعو فلا تجاب وتنصح عن الدين فلا تعان. وقد مال أصحابك، وشنف لك نصحاؤك، وكان الذي معك أشد عليك من عدوك، إذا استنهضت هم صدوا معرضين. وإن استحثثتهم أدبروا نافرين يتمنون فقدك لما يرون من قيامك بأمر الله عز وجل، وصرفك إياهم عن الدنيا فمنهم من قد حسمت طمعه فهو كاظم على غيظه، ومنهم من قتلت أسرته فهو ثائر متربص بك ريب المنون…….. حتى يقتلوك مكرا، أو يرهقوك شرا وسيسمونك بأسماء قد سموني بها، فقالوا: كاهن، وقالوا ساحر، وقالوا كذاب مفتر، فاصبر فإن لك في أسوة.) .

لما فرغ أمير المؤمنين (عليه السلام) من قتال الخوارج عاد إلى الكوفة في شهر رمضان، وقام في المسجد وصلى ركعتين، ثم صعد المنبر فخطب خطبة حسناء، ثم التفت إلى ولده الحسن (عليه السلام) فقال:

يا أبا محمد كم مضى من شهرنا هذا؟

فقال: ثلاثة عشر يا أمير المؤمنين ثم سأل الحسين (عليه السلام)

فقال: يا أبا عبد الله كم بقي من شهرنا هذا؟

فقال: سبعة عشر يا أمير المؤمنين.

فضرب (عليه السلام) يده إلى لحيته وهي يومئذ بيضاء فقال:

والله ليخضبنها بدمها إذ انبعث أشقاها.

وفي حديث آخر قال:

جعل (عليه السلام) يعاود مضجعه فلا ينام، ثم يعاود النظر في السماء، ويقول: والله ما كذبت ولا كذبت، وإنها لليلة التي وعدت. فلما طلع الفجر شد إزاره وهو يقول:

اشدد حيازيمك للموت….. فإن المـوت لاقيـكا

ولا تجزع من الموت……… وإن حـل بـواديكـا

وخرج (عليه السلام). فلما ضربه ابن ملجم ـ لعنه الله ـ قال: فزت ورب الكعبة… وكان من أمره ما كان (صلوات الله عليه).

وكان (عليه السلام) يطيل الركوع والسجود في الصلاة كعادته في الفرائض والنوافل حاضرا قلبه، فلما أحس اللعين به نهض مسرعا، فأقبل يمشي حتى وقف بإزاء الأسطوانة التي كان الإمام عليه السلام يصلي عليها فأمهله حتى صلى الركعة الأولى وركع الثانية وسجد السجدة الثانية، فعند ذلك اخذ السيف ثم ضربه على رأسه الشريف فلما أحس عليه السلام لم يتأوه وصبر، فوقع على وجهه قائلا: بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله، هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله.

قال الراوي:

فلما سمع الناس الضجة ثار إليه كل من كان في المسجد وصاروا يدورون ولا يدرون أين يذهبون من شدة الصدمة والدهشة، ثم أحاطوا بأمير المؤمنين عليه السلام، وهو يشد رأسه بمئزره والدم يجري على وجهه ولحيته وقد خضبت بدمائه وهو يقول: هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله.

ومما قال الراوي:

واصطفقت أبواب الجامع، بالدعاء وهبت ريح عاصف سوداء مظلمة، ونادى جبرئيل بين السماء والأرض بصوت يسمعه كل مستيقظ:

تهدمت والله أركان الهدى، وانطمست والله نجوم السماء، وأعلام التقى، وانفصمت والله العروة الوثقى، قتل ابن عم المصطفى، قتل الوصي المجتبى، قتل علي المرتضى، قتل والله سيد الأوصياء، قتله أشقى الأشقياء.

الإمام (عليه السلام) يخبر عن استشهاد الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام)

قال: فلما سمعت أم كلثوم نعي جبرئيل عليه السلام لطمت على وجهها وشقت جيبها وصاحت:

وا أبتاه وا علياه، وا محمداه وا سيداه.

وصار الناس ينوحون وينادون:

وا إماماه، وا أمير المؤمنيناه، قَـُتـِلَ والله إمام عابد مجاهد لم يسجد لصنم كان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه واله.

 

ثم إن الخبر شاع في جوانب الكوفة وانحشر الناس حتى المخدرات خرجن من خدورهن إلى الجامع وهم ينظرون إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فدخل الناس الجامع، فوجدوا الحسن عليه السلام ورأس أبيه في حجره، وقد غسل الدم عنه وشد الضربة، وهي تشخب دما، ووجهه (عليه السلام) قد زاد بياضا بصفرة، وهو يرمق السماء بطرفه ولسانه يسبح الله ويوحده، وغشي عليه، فصاح الحسن عليه السلام:

وا أبتاه وجعل يبكي بكاء عاليا، ففتح عينيه فرأى الحسن عليه السلام باكيا فقال ما منه:

وغدا تقتل بعدي مسموما ومظلوما، ويقتل أخوك بالسيف، وتلحقان بجدكما وأبيكما وأمكما؟.

قال محمد بن الحنفية: لما كانت إحدى وعشرين، وأظلم الليل، وهي الليلة الثانية من الكائنة جمعَ أبي أولاده وأهل بيته وودعهم، ثم قال لهم:

الله خليفتي عليكم وهو حسبي ونعم الوكيل، وأوصى الجميع بلزوم الايمان والأديان والأحكام التي أوصى بها رسول الله صلى الله عليه واله، وهي الوصية المتقدمة.

 

وقال محمد بن الحنفية:

ثم تزايد ولوج السم في جسده الشريف، حتى نظرنا إلى قدميه وقد احمرتا جميعا، فكبر ذلك علينا، وأيسنا منه، ثم أصبح ثقيلا، فدخل الناس عليه فأمرهم ونهاهم، ثم أعرضنا عليه المأكول والمشروب؟ فأبى ان يأكل أو يشرب، فنظرنا إلى شفتيه وهما يختلجان بذكر الله تعالى، وجعل جبينه يرشح عرقا، وهو يمسحه بيده قلت:

يا أبتاه أراك تمسح جبينك.

فقال: يا بني اني سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يقول:

إن المؤمن إذا نزل به الموت ودنت وفاته عرق جبينه وصار كاللؤلؤ الرطب وسكن أنينه.

ثم قال (عليه السلام)يا أبا عبد الله ويا عون، ثم نادى أولاده كلهم بأسمائهم، صغيرا وكبيرا واحدا بعد واحد، وجعل يودعهم ويقول:

الله خليفتي عليكم، أستودعكم الله، وهم يبكون.

، فقال له ولده الحسن (عليه السلام) ما دعاك إلى هذا؟

فقال له يا بني اني رأيت جدك رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في منامي قبل هذه الكاينة بليلة فشكوت إليه ما أنا فيه من التذلل والأذى من هذه الأمة، فقال لي ادع عليهم، فقلت اللهم أبدلهم بي شرا مني، وأبدلني بهم خيرا منهم.

فقال: قد استجاب الله دعاك، سينقلك إلينا بعد ثلاث، وقد مضت الثلاث، يا أبا محمد أوصيك بأبي عبد الله خيرا، فأنتما مني وأنا منكما.

ثم التفت إلى أولاده الذين هم من غير فاطمة (عليها السلام)، وأوصاهم ان لا يخالفوا أولاد فاطمة عليها السلام – يعني الحسن والحسين (عليهما السلام) -. ثم قال:

أحسن الله لكم العزاء، ألا واني منصرف عنكم وراحل في ليلتي هذه ولاحق بحبيبي محمد صلى الله عليه واله كما وعدني، فإذا أنا مت فغسلني وكفني وحنطني ببقية حنوط جدك رسول الله صلى الله عليه واله فإنه من كافور الجنة جاء به جبرئيل (عليه السلام) إليه، ثم تقدم يا أبا محمد وصل علي، يا بني يا حسن وكبر علي سبعا، واعلم أنه لا يحل ذلك لأحد غيري، إلا على رجل يخرج في آخر الزمان اسمه القائم المهدي من ولد الحسين (عليه السلام) يقيم إعوجاج الحق، ثم غيب قبري، ثم يا بني بعد ذلك إذا أصبح الصباح أخرجوا تابوتا إلى ظهر الكوفة على ناقة، وأمرْ بمنْ يسيرها بما بان يسيرها كأنها تريد المدينة، بحيث يخفى على العامة موضع قبري الذي تضعني فيه، وكأني بكم وقد خرجت عليكم الفتن من ها هنا وها هنا ! فعليكم بالصبر، فهو العاقبة.

ثم قال يا أبا محمد ويا أبا عبد الله اصبرا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين، ثم قال يا أبا عبد الله أنت شهيد هذه الأمة، فعليك بتقوى الله والصبر على بلائه، ثم أغمي عليه ساعة وأفاق وقال هذا رسول الله (صلى الله عليه واله) وعمي حمزة وأخي جعفر وأصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وكلهم يقول عجل قدومك علينا، فإنا مشتاقون، ثم أدار عينيه في أهل بيته كلهم وقال أستودعكم الله جميعا، الله خليفتي عليكم وكفي بالله خليفة، ثم قال وعليكم السلام يا رسل ربي، ثم قال لمثل هذا فليعمل العاملون (ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) وعرق جبينه، وهو يذكر الله كثيرا. وما زال يتشهد الشهادتين ثم استقبل القبلة وغمض عينيه ومد رجليه وأسبل يديه وقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم قضى نحبه (عليه السلام).

فكان ذلك كيوم مات فيه رسول الله، فلما أظلم الليل تغبر أفق السماء وارتجت الأرض وجميع من عليها بكوا، وكنا نسمع جلبة وتسبيحا في الهواء، فعلمنا انها أصوات الملائكة، فلم يزل كذلك إلى أن طلع الفجر. قال محمد بن الحنفية ثم أخذنا في جهازه ليلا، وكان الحسن (عليه السلام) يغسله، والحسين (عليه السلام) يصب عليه الماء، ثم نادى الحسن (عليه السلام) أخته زينب وأم كلثوم وقال:

يا أختاه هلمي بحنوط جدي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فبادرت زينب مسرعة أتته به. قال فلما فتحته فاحت الدار وجميع الكوفة وشوارعها لشدة رائحة ذلك الطيب ثم لفوه بخمسة أثواب كما أمر (عليه السلام) ثم وضعوه على السرير…..وضجت الكوفة بالبكاء والنحيب، وخرجن النساء يتبعنه لاطمات حاسرات، فمنعهن الحسن (عليه السلام) ونهاهن عن البكاء والعويل وردهن إلى أماكنهن، والحسين عليه السلام يقول:

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون، يا أباه وا انقطاع ظهراه من أجلك تعلمنا البكاء، إلى الله المشتكى…. وألحد أمير المؤمنين (عليه السلام) عند طلوع الفجر.

وقفة صعصعة بن صوحان على القبر المطهر

قال الراوي لما ألحد أمير المؤمنين (عليه السلام) وقف صعصعة بن صوحان العبدي على القبر، ثم قال:

بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين، ثم قال هنيئا لك يا أبا الحسن فقد طاب مولدك وقوى صبرك وعظم جهادك وظفرت برأيك وربحت تجارتك وقد قدمت على خالقك، فتلقاك الله ببشارته وحفتك ملائكته واستقررت في جوار المصطفى فأكرمك الله بجواره ولحقت بدرجة أخيك المصطفى وشربت بكأسه الأوفى، فأسال الله ان يمن علينا باقتفاء أثرك والعمل بسيرتك والموالاة لأوليائك والمعاداة لأعدائك، وان يحشرنا في زمرة أوليائك. فقد نلت ما لم ينله أحد وأدركت ما لم يدركه أحد وجاهدت في سبيل ربك بين أخيك المصطفى حق جهاده وقمت بدين الله حق القيام حتى أقمت السنن وأبرت الفتن واستقام الاسلام وانتظم الايمان، فعليك مني أفضل الصلاة والسلام بك اشتد ظهر المؤمنين واتضحت أعلام السبل وأقيمت السنن، وما جمع لأحد مناقبك وخصالك سبقت إلى إجابة النبي صلى الله عليه واله مقدما مؤثرا وسارعت إلى نصرته ووقيته بنفسك ورميت بسيفك ذا الفقار في مواطن الخوف والحذر وقصم الله بك كل جبار عنيد، وذل بك كل ذي بأس شديد وهدم بك حصون أهل الشرك والبغي والكفر والعدوان والردى، وقتل بك أهل الضلال من العدا، فهنيئا يا أمير المؤمنين كنت أقرب الناس من رسول الله، وأقلهم سلما وأكثرهم علما وفهما، فهنيئا لك يا أبا الحسن لقد شرف الله مقامك، وكنت أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه واله نسبا، وأولهم إسلاما وأكثرهم علما وأوفاهم يقينا وأشدهم قلبا وأبذلهم لنفسه مجاهدا وأعظمهم في الخير نصيبا، فلا حرمنا الله أجرك ولا أضلنا بعدك، فو الله لقد كانت حياتك مفاتح للخير ومغالق للشر، وان يومك هذا مفتاح كل شر، ومغلاق كل خير، ولو أن الناس قبلوا منك لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولكنهم آثروا الدنيا على الآخرة، ثم بكى بكاء شديدا وأبكى كل من كان معه، وعدلوا إلى الحسن والحسين عليهما السلام ومحمد وجعفر والعباس وعون وعبد الله عليهم السلام فعزوهم في أبيهم عليه السلام وانصرف الناس ورجع أولاد أمير المؤمنين عليه السلام وشيعتهم ولم يشعر بهم أحد من الناس. فلما طلع الصباح وبزغت الشمس أخرجوا تابوتا من دار أمير المؤمنين عليه السلام وأتوا به إلى المصلى بظاهر الكوفة، ثم تقدم الحسن عليه السلام وصلى عليه ورفعه على ناقة وسيرها مع بعض العبيد.

فالسلام عليك يا يعسوب الدين وامام وقائد الغر المحجلين عليا امير المؤمنين يوم استشهدت ويوم تبعث حيا.

أخترنا لك
تجربة حياة.. الأنوثة بين الشكل والفكر

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة