بقلم // نجوى معروف
أسرار المحبة ليست حِكرًا على أحد، إنها صدقة جارية وبذور طيبة، ننثرها أينما مشينا، لا نستطيع حصرها، لكن ما يسعدنا يستحقه الجميع.
منذ سنوات فقدت صديقة عزيزة على قلبي، لم أملّ مجالستها يومًا، كانت وقورةً، لكن وقارها لم يقيّد روح الدعابة التي كانت تتمتعُ بها، حتّى مرضها لم يغلق الباب أمام مُحبّيها، وحده الله يعلم ما كانت تعانيه وكم كانت تحمده، كنت أشعر بروحها ترفرف في بيت العزاء، تدفع بالحزن بعيدًا، تواسينا براحتها من المرض والمسؤوليات، وكلّما تذكّرناها في موقف ما، ضحكنا وقلنا رحمها الله وأسكنها الجنة.
كانت تقولُ: إن الضحك في مجتمعها لم يكن محمودًا ولا مرغوبًا، إن ضحكنا كثيرًا، نردد فورًا: «الله يستر من كثرة ما ضحكنا»، وكأنّه ذنب يتبعه حزن يّجُبّ ما قبله، لا أفهم من أين أتتنا هذه الأفكار السالبة التي تُكبِّلُ المشاعر، لِمَ نكتم الضحك بينما نُظهر الأسى والقسوة؟، لِمَ نتفوّه بأسوأ ما يخطر ببالنا في لحظة حُزن أو غضب، بينما نهاب الفرح ونُطْبق الشفاه على حلو الكلام؟!
لكل منّا نسخة مُصغّرة من مجتمعه بكل محاسنه وعيوبه، ومهما عصف بنا المنطق مُعترضًا على البرمجة، لن تتغيّرَ طُرق التقييم والأحكام الموضوعة إلا بالاطلاع الذاتي فيما تنزّل علينا من لدن العزيز الحكيم، ومن أحاديث رسولنا الكريم، وبالاختلاط مع المجتمعات المختلفة، بكل فئاتها، التي قد لا تروقنا بسبب الاختلاف.
كيف لا وخالقنا أمرنا بالقراءة في أولى آياته، وقال أيضًا: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا»، «أفلا تتفكرون»، «أفلا تتدبرون»، آية الإنسان في عقله وفؤاده وجسده، وفي مدى استيعابه وقدرته على التغيير للأفضل، وتطوره للتعايش والإبداع لما فيه الخير، إن تمييز محاسن أنفسنا والغرباء برؤية الجمال في كل شيء مع حُسن التعامل، يمنحنا الراحة، ويُشِعّ طاقة تذيب الجليد الذي يفصلنا عن الكثير.
النوادر المضحكة، لن تنقصَ من شأن أحدنا شيئًا، فالمرح لا يتعارضُ مع الرصانة، والحكمة لا تُنقَل للناس بالأمر والنهي، إنّما بالأقوال والأعمال الحسنة، كما أن التلقين من منطلق العيب واستخدام كلمة حرام في غير موضع التحريم، فيه تجّنٍ على الدين، ولن تظهر آثاره إلا بعد أن يفهم الشخص طبيعته الإنسانية من خلال استيعاب عقيدته كما أمره الله.
صديقتي الضحوكة لم تكن نصوحة، نقلت لنا العِبَر بخفةِ ظلّ، لنواجهَ الصعوبات بيُسرٍ ورحابة صدر، إن انقطعت المياه ضحكت وقالت تيمموا، لستم أفضل من السابقين، وإن انقطع التيار الكهربائي قالت إن نورها كفاية، في ذكرى ميلادها الأخير طلبت ستين حبة فلافل بدلًا من الكعك، ورفضت الشموع ضاحكةً: ستّون شمعة تحتاج لرجال المطافئ، انسوا.. وفي يوم الأم وضعت على بابها قائمة بكل ما لديها من أجهزة منزلية، وكتبت لأبنائها: أنا هُنا، تعالوا ونظّفوا بأنفسكم، واحضروا لي مما تأكلون.
الحكيم حقًا يضحك ويبكي بصدق، يعيشُ اللحظة مُدرِكًا قيمتها، وهو مؤمن بأن الله عند ظنّ عبده به، أمّا سادة النُصح والتوجيه، فيكتمون الضحك، ويظهرون الوجوم، ويتكلمون بأسلوب خطابي باهت، ذاك اختيارهم، ولنا أن نختار، فالحياة قصيرة، في داخل كل منا طفلٌ يريدنا أن نعيشها بطبيعتنا النقيّة، فليكُن.
اللهم هوّن علينا وأسعد قلوبنا وأصلح بالنا وأحسِن معشرنا واجعلنا خِفافًا كنسائم الربيع على من نحبهم.